تكشف التجاذبات السياسية الجارية عن بروز المزيد من الصعوبات أمام الجولة المتوقعة من التشاور بين الحكومة وقوى المعارضة. فبعد اللقاءات الثنائية التي دارت بين الوزير الأول وعدد من قيادات المعارضة، بدا أن السلطة تولي اهتماما بالغا لمعرفة متى الاستعداد الفعلي للمعارضة وخصوصا لاختبار نوايا منتدى المعارضة حديث الولادة.
وضمن هذا الاطار وفي محاولة على ما يبدو لقطع الشك باليقين، كشفت السلطة عن طبيعة الحوار الذي تبحث عنه وعن سقف التنازلات المستعدة لتقديمها من خلال التأكيد –عبر وسيط من المعارضة المحاورة- على عدم استعدادها للحديث حول تأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة تحت أي مسمى كانت. فهل يتعلق الأمر بمناورة جديدة؟ أم بإجراء عملي للاحتراز من ضياع الوقت في نقاشات ماراتونية لن تؤتي أكلها؟
منتدى المعارضة الذي رد بسرعة على مقترح النظام برفض أي شروط مسبقة للدخول في حوار، كان قد تناول –ضمن عريضته المطلبية- مسألة الحكومة التوافقية باعتبار أنها مجرد "خيار أمثل" ولم يضعها في صيغة الشرط كما دأبت بعض أدبيات المعارضة على فعله. فهل يعني ذلك أن المنتدى قد يكون جاهزا للتراجع عن ذلك المطلب مقابل قبول محتمل للحكومة بتأجيل الانتخابات عن موعدها المفترض؟ وهل سيعني ذلك أن مناورة السلطة ستكون بذلك قد نجحت في تحقيق الهدف منها؟ أم أن "روح" المنسقية قد تقمصت المنتدى لتجعله يولي اهتماما أكبر للشروط المسبقة على حساب مضمون الحوار؟
مشكلة المنتدى أنه ليس اللاعب الوحيد على طاولة المفاوضات مع السلطة –حتى ولو كان جبهة عريضة- ذلك أن المعاهدة هي أيضا تجمع له أهميته وله رؤيته الخاصة به والتي لا تتقاطع في الكثير منها مع المنتدى وخصوصا حين يتعلق الأمر بمطالب مثل: الحكومة التوافقية وتأجيل الانتخابات. وحين تكون الطاولة ثلاثية الأطراف بيرز خطر وجود موقف أحد أطرافها في وضعية أقلية مما قد يتسبب له في دفع ثمن سياسي باهظ.
فهل يدرك المنتدى خطورة أن يجد نفسه بعد جلوسه إلى الطاولة بين خيارين أحلاهما مر: إما أن يرضخ للسقف المحدد من طرف السلطة أو ينسحب تحت طائلة ملاحقة الاتهامات بالتطرف والتهرب من الاستحقاقات الانتخابية؟ وهل وضع في حسبانه المغزى السياسي لإشراك المعاهدة في الحوار المرتقب وهي التي كانت ترفض الحديث عن حوار جديد، مكتفية بالدعوة لتطيق مخرجات حوارها القديم؟
لو أن المنتدى لم يكتف بتحيين العريضة السابقة للمنسقية وبالاحتفاظ بمفاوضيها، لأمكن توقع بروز رؤى وربما أساليب جديدة لمواجهة استحقاقات الحوار، لكنه حين اختار التشبث بالماضي فقد لا يكون أمام المراقبين سوى توقع الاستمرار في السعي "لإبقاء الأزمة مفتوحة مع النظام"، خصوصا حين يكون هذا الأخير غير مستعد لأكثر من جولة استعراضية تمهد الطريق للاستفتاء القادم!
اقلام حرة