فاجأ محمد ولد عبد العزيز الرأي العام الوطني بتسريب ممنهج مفاده أنه "لا ينوي الترشح لمأمورية جديدة". و اختار لذلك حفنة الشيوخ الموالين له، موعزا إليهم بأن لا يسربوا ذلك إلى الإعلام حسب بعض المصادر.
تفشى الخبر في أسرع من البرق كما يريد الماسك بالقصر الرمادي، لكن توقعاته توقفت عند هذا الحد. فلم يرد أي رد فعل من الساحة السياسية، خاصة المعارضة منها؛ إذلم يخف على أحد أن الأمر مجرد مناورة جديدة يقوم بها الرجل من أجل إلهاء الساسة و لفت انتباه الجميع نحو آفاق أخرى غير التي يتخبط فيها نظامه الآن.
إن محمد ولد عبد العزيز، بهذا التسريب السطحي يريد الحصول على إمهال من سنتين، ليس إلا.
يريده من المعارضة التي يظنها ستمضغ الصنارة و تتراخى في الضغط القوي الذي تقوم به هذه الأيام؛ حيث من المتوقع عند عزيز أنها ستدخل في أجواء جديدة لم تغب عن العديد من قادتها و كانت قد دفعتهم إلى اتخاذ مواقف انطلاقا من حسابات انتخابية؛ و رئاسية على الخصوص.
يريده من الجيش الكاتم لغضبه من ترقيات ولد عبد العزيز الأخيرة و الحرب الغير محسوبة العواقب ووضعيةBASEPالغير طبيعية والفساد المستشري في أوساط معينة من الهرم العسكري، إضافة إلى خطر الانفجار السياسي و الاجتماعي المحدق و الذي لا يريد الجيش أن تقع عليه مسؤولية التعامل معه في ظرف وطني و دولي لا تسلم فيه الجيوش العربية من التلطخ بعنتريات الحكام.
يريده من الشباب المتحمس للثورة، الصامد أمام مسيلات الدموع و العازم على التصعيد حتى تتحقق مطالبه بالإصلاح. هذا الشباب يتوقع عزيز أنه، هو أيضا، سيلتهم الطعم و يقرر هدنة أو حتى يتفرق بين "أحزاب الشباب" التي لم تتوقف مفرخة الجنرال بالتمخض عنها.
يريده حتى من أغلبيته التي لم تعد تخفي عجلتها على إتمام استنساخ الحزب الجمهوري و العهد "المعاوي" الزاهر بالزبونية السياسية؛ من نوابه و شيوخه الذين يريدون التعهد بالترشيح، من إدارته المترهلة الغارقة في سبات الخوف و انتظار الخلاص؛ من هؤلاء ينتظر محمد ولد عبد العزيز فك الضغط عليه و تركه يتم ما بدأه من تفصيل الدولة على مقاسه، و هم ينتظرون، كعادتهم، التأكد من جهة رياح التغيير الآتية.
أمهال سنتين. و بعده تكون هناك حسابات أخرى، يقول ولد عبد العزيز لنفسه. فهل يتحقق له ذلك؟
لا أظن، خاصة و أن هناك عوامل موضوعية تجعل استمرار الوضع الحالي سنتين من باب المستحيلات. فالمعارضة تخلصت تماما، فيما يبدو، من عقدة الركض وراء طعم الانتخابات الرئاسية و على كل حال، لم تعد لديها أية ثقة في جدية محمد ولد عبد العزيز فيما يدلي به من تصريحات و يمني به من إصلاحات. و لا أظنها ترد على ها التسريب قبل أن يتفوه به المعني رسميا لا تلميحا.
أما الجيش، فيبدو أن صمته المدوي بالامتعاض طفا على السطح من خلال خروج ضباط سابقين لهم وزنهم في صفوف العسكر عن صمتهم و نقدهم العلني لسياسات النظام و انضمام بعضهم للمعارضة جهارا نهارا.
فهل حسم الجيش أمره فيما يتعلق بالشأن السياسي؟ من غير المتوقع، في كل الأحوال أن تتأثر القوات المسلحة بتسريب عزيز هذا في موقفها مما يجري.
كما أنه من غير المتوقع أن يتأثر به غليان الساحة الطلابية و غيره من الفاعلين الشباب الذين يحركون المشهد الوطني هذه الأيام.
فهل يخسر ولد عبد العزيز رهانه على إلهاء الساحة الوطنية المتقدة و إجبارها على إعطائه مهلة إضافية كما خسر في الرهان على توحيد الموريتانيين حول الحرب و إضعاف المعارضة بجر جزء منها إلى الحوار و التلميح بتقديم ولد محمد لغظف قربانا للغضب الشعبي المعبر عنه أو الصامت و غيرها من الرهانات التي خسرها حتى الآن؟
الرأي المستنير