في بعض بلدان العالم الإسلامي، هناك من يرى بأن المرأة خلقت عوجاء؛ ولا بدّ من ضربها لتعتدل، وأنها – في وجدانها وكينونتها – تحترم الزوج الذي يهينها؛ حتى ولو اشتكت ظاهريا، ويستدل على ذلك ببعض الحكايات والمأثورات الشعبية الشائعة كقولهم: "أكسر لها ضلع يطلع لها ضلعين" و "لا ترفع عصاك عنهن أبدا".
ومبالغة في ترويع الناس من المرأة، يتداول الناس بعض الطرائف حول كيدها ومكرها؛ فالشيطان – في رأي هؤلاء – يحتاج إلى عشر ساعات ليخدع رجلا
فيما تحتاج المرأة إلى ساعة واحدة لتخدع عشرة رجال.
وعلى الرغم من كل ذلك، ومع عدم إقرارنا بتلك القساوة على سبيل الإطلاق – وتزامنا مع اليوم العالمي للمرأة – الذي رسّخته الأنظمة السياسية المتعاقبة وبالغت في الاحتفاء والاحتفال به، مقارنة باحتفالات الأعياد الإسلامية وتخليد ذكرى الاستقلال الوطني، وفي هذا الوقت بالذات، لا بدّ وأن نستذكر قليلا من جوانب المأساة التي يتعرض لها أرباب البيوت في هذه الربوع من العالم.
فالرجل في بلادنا هو من يعاني من فقدان الحرية واستلاب الإرادة وغياب أي دور فاعل له داخل الأسرة؛ بسبب الضغوط والصعوبات التي يتعرض لها جراء الكم الهائل من الطلبات النسائية؛ تلك الطلبات التي غالبا ما اضطرته للاحتيال والتعدي على المال العام، مما أدّى إلى تحوّله إلى كائن مطيع؛ بل ومستعبد من المرتبة الثانية.
ولست هنا بصدد تبرير محدودية تأثير الرجل، أو تراجع دوره داخل الأسرة لصالح المرأة؛ مع أن تلك خاصية سيئة ومثيرة تعرقل نمو هذه البلاد وتسيء إلى سمعتها؛ بل إنها في نظر البعض تشكل أحد أهم أسباب تخلفها؛ حيث أن سيطرة المرأة على القرار، من أدق التفاصيل داخل الأسرة؛ إلى المشاركة في صياغة القرارات المصيرية في الدولة؛ مسئولة بشكل أو بآخر عن الحالة الكارثية، التي أوصلتنا إليها تلك الأنظمة البائسة، والتي ينبغي أن تتم مراجعتها اليوم وليس غدا.
إن عملية إشراك المرأة في القرار ودمجها في مختلف الأنشطة الحكومية هي بداية فساد الإدارة الموريتانية؛ حيث شاعت الثقافة السوقية وتراجع الذوق العام وتحوّلت المكاتب إلى منتديات لكل ما هو ضحل ورخيص، بدءا باستخدام "أسلوب تسول الشفقة" و"رشوة الجوارح" للحصول على مكاسب غير شرعية، مرورا بلعب دور الضحية المظلومة، وصولا إلى لبوس يافطات دعوات تحرير المرأة؛ التي ترفعها بعض الهيئات الإقليمية والدولية.
وأذكر أنني تجولت خلال السنة الماضية بين بعض الدوائر الحكومية أثناء غياب العنصر النسوي؛ بمناسبة ذكرى ما يسمى ب "عيد المرأة"؛ حيث لاحظت ارتفاعا في وتيرة العمل؛ وتراجعا في جلسات الشاي ومحدودية في الأنماط والسلوكيات المخلة بالآداب والذوق العام؛ التي باتت سمة مميزة لمعظم نسائنا للأسف.
ولأن الرجل في هذه البلاد هو من يتحمّل الخنوع والمهانة والاضطهاد؛ فإن حالات انتشار الطلاق؛ ترجع في معظمها إلى محاولة؛ غالبا ما تكون غير موفقة من قبل الرجل؛ للحصول على الحرية والتمرد على عادات استرقاقه في بيته.
حيث تبدأ معاناته مع عملية اختيار الزوجة ؛ فيصطدم بالكثير من الصعوبات والعراقيل، كمن يدخل يده في جراب مليء بالأفاعي، ويقضي سنوات وهو يتعرض للدغاتها وسمومها في انتظار العثور على عصفور، وفي معظم الأحيان يسحبها فارغة أو يقرر الانتحار البطيء من خلال تقبله التعايش مع الألم المترتب على عملية قبول الخضوع لمنظومة من العادات الغريبة التي لا تنضبط بضوابط الموقف الشرعي من المرأة في الإسلام؛ وهو الموقف الذي يسيدها بالمحبة والتكريم؛ لكنه لا يعطيها سلطة البيت وإدارته وفقا لعواطفها.
إننا لا نستطيع أن نتذكر إنجازا كبيرا حققته حركة تحرير المرأة - رغم مجهودات البلد منذ ثلاثة عقود من الزمن – أفضل من تصدير مئات النساء كسلع رخيصة إلى أقدس بلاد الدنيا للقضاء على متعة الزواج وتحويله من مقصد شرعي ورباط اجتماعي مقدس إلى عملية تخضع لمنحنيات العرض والطلب ومفاهيم الربح والخسارة من خلال قتل مشاعر المرأة في مقابل مادي زهيد.
وقد تمكنت حركة تحرير المرأة في بلادنا - فضلا عن ذلك – من الحصول على نصيب الأسد من المنافع الحكومية من خلال الموهبة الخارقة في استخدام دور الضحية واستدرار عواطف القائمين على البلد للحصول على الامتيازات الوظيفية و استصدار التشريعات التي تقيد الزواج والطلاق ببعض الضوابط والعراقيل المخالفة للشرع، ولهذا؛ فليس غريبا أن نسمع من وقت لآخر اشمئزازا من تلك الدعوات المنادية بتقييد الطلاق في بلادنا؛ لأنه في مجتمع أنثوي كمجتمعنا؛ يشكل المخرج والخلاص الوحيد من نير تسلط بل وتغول المرأة. ولأننا مطالبون في مقابل دعوات الانسلاخ الفكري والاستلاب الحضاري والتقليد الأعمى للغرب والتشبث بآرائه حول المرأة،
بالتمسك بروح ديننا الذي حرر المرأة ونقلها من ثقافة الوأد والعري والتبرج إلى امرأة تجد حريتها في عفافها وطهرها وحيائها.
ويبقى للمبهورين بتجربة الغرب في تحرير المرأة أن يعلموا أن وضع المرأة في الغرب رغم سفوره وإباحيته وليبراليته لا يزال متعثرا؛ بل وبدائيا عندما يتعلق الأمر برغبتها في تقلد المناصب العليا؛ حيث لا يتناسب عدد النساء اللائي وصلن إلى مناصب قيادية مع الصخب الإعلامي الهائل حول حركة تحرير المرأة في العالم.