كرو : فقهاء يستنكرون حادثة "التمزيق" ويناقشون نظراءهم في تناولهم لها
وكالة كيفة للأنباء

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأصلي وأسلم وأبارك على من بعث رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين وصحابته الطاهرين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد تقديم واجب العزاء لكل مسلم ومسلمة، إنه مما تنفطر له أكبادنا وتذوب له حسرة نفوسنا ما نقاسيه في أيامنا هذه العصيبة من الهجمة الهمجية الشرسة التي بدأت أولى خيوطها بإقدام النذل على إحراق كتب أئمتنا ليكون عليه الوزر والكفل من كل عمل يهوديٍّ ترتب عليها بنص حديث نبينا صلوات الله وسلامه عليه لتتوالى بعد ذلك فصول تلك المؤامرة الدنيئة بسب نبينا صلوات الله وسلامه عليه من الأبتر الطريد لتمر عبر منعرجاتها بالنيل من أحد كبار رموز علماء الملة الإسلامية لنتذكر بتلك الفعلة الشنيعة قول الشاعر:

وما على عالي الذرى من نصب***من هبة الصبا ورمية الصبي

لتكتمل فصولها ولو بشكل مؤقت بتمزيق المصحف الشريف والله وحده العالم بما أحدثه ذلك الفعل الشنيع من حزن يعجز عن تعبيره اللسان وعن تسطير كتابة الحروف الدالة عليه البنان فينفلق الكل تعبيرا أو انفعالا عما في نفسه طلبا للنجدة وإنصافا لدين الله عز وجل امتثالا لأمر الله عز وجل في إنكار المنكر الذي جعله خاصية هذه الأمة لقوله تعالى [كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر] الآية.

وبما أن الموضوع هو الشغل الشاغل لكل نفس مسلمة ومساهمة في تبيين الحق مع أن البضاعة مزجاة والظروف غير مناسبة وبما أنه ولله الحمد البلد لا زال بلدا إسلاميا وفيه علماء وصلحاء ودعاة للخير فقد انتدب إعلامنا كوكبة من العلماء والدعاة لإنارة الطريق بأشعة النور المانعة من المطبات وما أكثرها، فقد بينوا وأجادوا وأفادوا كعادتهم حيث استفاضوا فيما للإمام الأعظم من حقوق وما يستلزمه الخروج عليه من المفسدة التي لا تحمد عقباها، والحامل لهم على ذلك الشفقة وحسن الطوية إذ أدتْ إلى كيل الحقوق للإمام كيلا خاليا من التطفيف وقد جعلوا المحل غير قابل إلا لوصفين لا يتعداهما لتكون القسمة ثنائية لا ثلاثية ولا رباعية أما أن تكون منسجما مع كلما أراده الإمام لا مسؤولية عليك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو تكون باغيا تعامل بما فصله العلماء في باب الباغية وربما زيد في حقك من الزجر ما يراه الفقيه بقدر ما تدعو إليه الحاجة من الزجر عملا بالمشهورة تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور وأنا وإن كنت لست مترقبا لأنْ يتكلم العلماء على الشروط المسطرة في مراجع مختلف الكتب الإسلامية وهي أحد عشر شرطا ضامنة بأن يكون المتصف بها حاميا لبيضة الإسلام مقيما لحدود الله عز وجل مجريا للأحكام والمصالح على وجوهها لم يختلف مالكي ولا شافعي ولا حنبلي ولا حنفي في أن الإمام لا بد له من القيام بهذه الوظائف وهذا متفق عليه بين القائل لاشتراط السلامة من الفسق ابتداء ودواما أو ابتداء فقط كما للبعض وبما أننا دولة إسلامية مالكية كما يقول القائمون على الشأن العام في بلدنا وعملا بـ(وشهد شاهد من أهلها) فهذا الإمام القرطبي المالكي الذي لا مرية في علمه ولا مالكيته يقول بعد أن ذكر الشروط المعروفة في المسائل التي ذكر في قوله تعالى: ( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة) مبينا الغاية من نصب الإمام وذلك أن الإمام إنما نصب لدفع العدو وحماية البيضة وسد الخلل واستخراج الحقوق وإقامة الحدود وجباية الأموال لبيت المال وقسمتها على أهلها فإذا خيف بإقامة الأفضل الهرج والفساد وتعطيل الأمور التي لأجلها ينصب الإمام كان ذلك عذرا ظاهرا في العدول عن الفاضل إلى المفضول ويدل على ذلك أيضا علم عمر وسائر الأمة وقت الشورى بأن الستة فيهم فاضل ومفضول وقد أجازوا العقد لكل واحد منهم إذا أدى المصلحة واجتمعت كلمتهم عليه من غير إنكار أحد عليه والله أعلم, الثالث عشر الإمام إذا نصب ثم فسق بعد انبرام العقد فقال الجمهور أنه تنفسخ إمامته ويخلع بالفسق الظاهر المعلوم لأنه قد ثبت أن الإمام إنما يقام لإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وحفظ أموال الأيتام والمجانين والنظر في أمورهم إلى غير ذلك مما تقدم ذكره وما فيه من الفسق يقعده عن القيام بهذه الأمور والنهوض بها فلو جوزنا أن يكون فاسقا أدى إلى إبطال ما أقيم لأجله ألا ترى في الابتداء أنه لم يجز أن يعقد للفاسق لأجل أن يؤدي إلى إبطال ما أقيم له إذا تأملت كلام المُدل العريف الإمام القرطبي وجدته جاريا على القاعدة المشهورة وهي أن المكمل إذا عاد على مكمله بالنقض ألغي, لأن الشروط الكمالية إذا عادت على أصلها بالنقض وجب إلغاؤها وهذا الفقه والتوجيه جاريان على ما تقتضيه الأحاديث الصحيحة كحديث عبادة ابن الصامت رضي الله عنه وهو قوله: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ويسرنا وعسرنا وأن لا ننازع الأمر أهله) وفي حديث آخر: (يمنعونكم حقكم) فالنبي صلى الله عليه وسلم المتتبع لألفاظه الكريمة يجده صلى الله عليه وسلم يحض على لزوم طاعة الأمير الجائر في الحقوق المالية فتارة بالمطابقة وأخرى باللزوم فكان هذا الفقه بطبعه عصيا على الأفهام الجزئية المرتاضة على ثروتنا النظمية إذ هو فقه إفضاء ومناسبة ومآل ولم نكثر الأنقال فيه مع كثرتها واتساعها لأنها اتسمت بالرمز والتلويح ليكون بذلك من فقه الخاصة فقد سماه الأحناف الفقه الأكبر وبما أننا أوضحنا في المقدمة أن السادة العلماء أثناء مداخلاتهم حصروا وجهة نظرهم في أمرين تحريم التعبير عن الاستنكار الشرعي بالسبر والتقسيم وجعل المحل غير قابل لغير الطاعة والخروج وبما أنه ليس من المستبعد أن يسأل جاهل مثلي علماء مثلهم عن وجه هذا السبر والتقسيم فالسبر والتقسيم مسلك لطيف تقرره آيات قرآنية منها قوله تعالى: [قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين] وقوله تعالى: [وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل اتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون] فسبر السادة العلماء صحيح في الجملة مدخول في التفصيل فالطاعة في أمرين في السكوت مع عدم المقتضي وطلب الحقوق في السكون والوقار إذ لو كان مجرد الطلب بغيا لما احتاج الفقهاء إلى ذكر قيد المغالبة في وصف البغي لأن ترك القيد مؤذن بالعموم كما هو معلوم الأمر الثاني مما تردد على ألسنة السادة ما سمي في وقتنا بفقه المآل المعبر عنه عند علمائنا قديما بسد الذرائع ولسنا بصدد الدخول في تفاصيله ودرجة اعتباره وإن كان العلماء قديما صنفوه في دائرة الأدلة المختلف فيها إلا أن إمامنا مالكا رضي الله عنه جعله من أدلة مذهبه وغيره يوافقه في بعض الجزئيات ويخالفه في أخرى وإنما الخلاف بيننا مع السادة ينحصر في أمرين أحدهما اعتبار التعبير السلمي خروجا على الطاعة فمطالبتنا للحاكم بتطبيق شرع الله عز وجل طاعة للخالق أولا وطاعة للمخلوق فالذي بيده السلطة وهو ولله الحمد يقر بالله ربا لا شريك له وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا خاتما لرسالات السماء وهو وسيلة الغرض منها أن يعبد الله فلا يعصى, الأمر الثاني وعملا بمقلوب القاعدة التي هي ترك ما هو مباح إن أدى إلى إثم أكبر وهو ترك الإلحاد يسرح ويمرح في أرض تقول إن الإسلام فيها مائة في المائة وظلت إلى وقت قريب تاج عز يضعه المغترب على رأسه فيلقى العز والتوقير .

إن دام هذا ولم يحدث له غيرٌ***لم يبك ميت ولم يفرح بمولود

كتبه: محمد يحي بن محمد عبد الله ابن الإمام

وقد قرظ هذه الفتوى العلامة الفهامة الداعية المؤثر والمفتي المحرر والخطيب المفوه الشيخ البخاري بن محمد بن البخاري الملقب لارباس حيث كتب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن هدى بهداه وسلم تسليما، وبعد فقد قرأت ما كتبه شيخ الإسلام وعلم الأعلام مضيء الظلام ومنير الأفهام بسنة صفوة الأنام, شيخنا الشيخ محمد يحي بن محمد عبد الله ابن الإمام في مسألة طالما لبِّس بها على العوام وضويق بها حملة الإسلام, فألفيته صحيح السبر سالما من القدح خاليا من لين ذوي الطمع، وجموح ذوي الجهالة والطبع، آخذا من الأدلة بأقومها ومن الفهوم بأروعها، فسلمته وإن كنت لست أهلا للتسليم، ولا هو بحاجة إلى التقييم.

كتبه: البخاري بن محمد ابن البخاري الملقب لارباس


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2014-03-10 07:00:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article6013.html