تربطني بأحمد ولد سيدي بابا علاقة صداقة من النوع الذي يقاوم الزمن و مجازفات الحياة؛ صداقة نشأت من حوالي ستين سنة في الثانوية. وقد يطرح ذلك إشكالا بالنسبة للبعض حول موضوعية العبارات التي أخصصها هنا ل"الإنسان المعولم: واقعه و آفاقه" و لكاتبه. إنني أعرف ذلك، لكني أعرف أيضا أنه لا حاجة إلى الذاتية للتعريف بعمل تكفيه جودته العالية تقديما.
إن "الإنسان المعولم : واقعه و آفاقه" يصور لنا عالم اليوم كما تمت صياغته عبر العصور من طرف الحضارات والثقافات التي نمت فيه و نتجت عنها العولمة الكاسحة التي يبدو شيئا فشيئا أنه لن يسلم منها أي مجتمع.
إن هذه العولمة بإمكانها، إن لم نحترس من ذلك، أن تؤبد بل وتوطد جوهريا الفروق والحرمان و الضغائن الناجمة عن النظام العالمي الذي ساد في الماضي. يحذرنا الكاتب و يبين لنا الطريق التي قد تمكننا من إنشاء عالم أفضل ؛ تلك الطريق التي تستوجب قيام إنسان معولم ؛ سياسي، فاعل اقتصادي، صحافي، مثقف، إلخ، عازم على بناء هذا العالم.
قد يقول البعض إن ذلك محض خيال. لكنه أمل بالنسبة لأولئك الذين قرأوا هذا الكتاب مثلي وأدركوا حجم المعارف التاريخية و الفلسفية و الأدبية و الاقتصادية لكاتبه و كذا عمق التحاليل التي يقوم بها.
فبالإضافة إلى كونه نتاج أصيل للحضارة العربية متجذر في ثقافتها، فأحمد ولد سيدي بابا هو أيضا إنسان منفتح على ثقافات أخرى و له إلمام واسع بالحضارات الاوروبية، القديمة منها و الحديثة. إنه رجل سياسي ذو قناعة و رجل حوار، ديمقراطي حتى النخاع، يرفض الشوفينية ويدعو إلى الكيانات الاقتصادية الكبرى ؛ و هو يشكل في نظري المثال الحي للإنسان المعولم الذي يتمتع بمؤهلات و إرادة المشاركة في خلق عالم أفضل. إنني أهنئ نفسي على أنه استطاع إنجاز هذا العمل الهام رغم الانشغالات الجمة التي تفرضها عليه االوضعية السياسية الحالية لبلده.
سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله
ترجمة الرأي المتسنير