لم يتمكن مزارعو "السلطانية " (28كم جنوب كيفه) هذه السنة من القيام بزراعة حقولهم نظرا لقلة الأمطار وقد لجأ معظمهم مع نهاية الخريف الماضي إلي مغادرة أسرهم والتوجه إلي مدينة كيفه لإيجاد عمل هناك ، ثم حاولت بقية المزارعين بقرى السلطانية تعويض زراعة الحبوب بمحاولة إقامة مزروعات للخضروات وقد توزعوا بهدف إنجاز ذلك إلي مجموعات اتخذت لها قطعا أرضية بجانب البركة المائية الكبيرة المجاورة لهذه القرى حيث لا تزال مياهها كثيرة بسبب قلة المواشي التي تنهل منها هذا العام .
وكالة كيفه للأنباء قامت بجولة إلي هذه القرى للاطلاع علي أوضاع السكان هذه السنة والتي بدت قاسية جدا وشبيهة بأحوالهم خلال 2011 عندما ضرب القحط كافة ربوع موريتانيا.
يعمل هؤلاء المزارعون في ظروف مضنية جدا ، فالأدوات هي أدوات أسلافهم في العصور الغابرة وأساليبهم وطرائقهم في البذر هي ذات ما كان لدى أولئك الأجداد أيضا. فما تقدمه الدولة من أدوات زراعية تمنحه هدية للوجهاء والنافذين وسدنة الاقطاع.
النساء والرجال يجرفون الأرض ويحفرون الأحواض بجرافات يدوية وأعمدة وفؤوس وللسقاية يحملون بأيديهم وعلي كواهلهم حاويات وقوارير يملؤونها من البركة كل صباح ومساء ويصبون علي الأحواض .
ولأنه لا سياج يحمي هذه المزارع ؛ فهم يظلون في طول النهار في حراستها من الحيوانات فإذا جن الليل وابتعدت المواشي ذهب المساكين إلي أكواخهم وأخبيتهم ليأخذوا قسطا من الراحة ؛ جاء دور الفئران والسناجب ومختلف الحشرات الأخرى فعبثت بما غرسوا أثناء النهار وبشق الأنفس .
يتناول فلاحونا هؤلاء عند عودتهم وجبة حضرها أحد أفراد الأسرة ترك في المنزل للقيام بذلك ؛ وهي في أحسن الأحوال " عيش" أو "كسكس" بلبن شاة أو بماء وملح !
احمدو ولد دور ومحمد ولد محمود ومريم بنت معطل عبروا لوكالة كيفه للأنباء عن استيائهم من التهميش والنسيان ،إذ لم يستقبلوا من السلطات العمومية أي معونات رغم قساوة ظروفهم هذا العام وذكروا أنهم لم يستطيعوا القيام بالزراعة المطرية فحقولهم لم ترتوي خلال الخريف لكنهم - يضيفون - لا يريدون الاستسلام للجوع فباشروا زراعة الخضروات وهم غير متفائلين بنجاحها نظرا لضعف وسائلهم وهجوم الآفات علي ما يبذرون .
ومن جانب آخر وفي نقاش مع مندوب وكالة كيفه للأنباء ذكر هؤلاء أن قراهم لم تزرها بعثة طبية هذا العام ولم يحصلوا على أية ناموسية ضد الملاريا التي فتكت بالكثير منهم كما أن المدرسة الوحيدة تبعد منهم مسافة لم يستطع الأطفال معها الاكتتاب لذلك قاموا باستجلاب مدرس قرآن يدفعون له أجرا من مجهودهم الخاص.
مزارعو "السلطانيه" مستعدون لتقديم الكثير من العطاء وهم يؤكدون أن بوسعهم حصاد غلات كثيرة تكفيهم وتكفي الكثيرين من أبناء وطنهم لو أولتهم الدولة الموريتانية قليلا من الاهتمام وذللت أمامهم شيئا من الصعاب.
مزارعون يمتلكون الإرادة و أرض خصبة معطاء ، وحكومة متخاذلة عن مساعدة منتجين حقيقيين ؛ هم سلة غذاء الجميع .
فمتى نعود إلى أرضنا فنزرعها فنأكل ونبيع وندخر ، ومتى نمنح هؤلاء الرجال ما يستحقون من عناية و إجلال أليسوا أكثر مردودية من " لعب كرة القدم "؟