ما إن انتهت الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية والبلدية، حتى اتجهت الأنظار إلى حكومة ما بعد الانتخابات لتبدأ التكهنات والتسريبات بما في ذلك تلك المدفوعة الثمن من مسؤولين سامين يسعون لجعل أسمائهم متداولة حين يجري الحديث عن المناصب السامية في الدولة.
وبالطبع لم تتوقف التسريبات الموجهة عند شخصيات لديها الكفاءة والنزاهة الضروريتين لاحتلال المناصب البالغة الأهمية، بل إنها طالت شخصيات معروفة لدى الجميع بالافتقار لحس المسؤولية وبعدم الايمان بموريتانيا كدولة وبالتورط في الفساد المالي والأخلاقي.
والمؤسف أن هذا النوع من "الحملات" ليس مسألة طارئة، بل هي عادة قديمة دأب عليها بعض من يمتهنون التضليل والضغط والطرق الملتوية للاستمرار في مناصب سامية هم لا يستحقونها أصلا ولا يستخدمونها إلا في مصالحهم الخاصة أو في مصالح ثلة قليلة من محيطهم الضيق ومن السماسرة والمزمرين المرتبطين بهم.
إلا أن هذه التسريبات تتيح الفرصة للتذكير بأن التحديات التي تواجه البلاد تزداد جسامة يوما بعد يوم وبأنها أصبحت مكشوفة للجميع وبعضها أصبح يشكل خطرا محدقا بوجودها، وليس من الوارد أبدا أن يستمر صناع القرار في التساهل مع قضايا قد تعصف بدولة بأكملها وبشعب مستهدف ومغلوب على أمره.
فلا أحد يجهل أن الحكومة الحالية تضم وزراء يفتقر بعضهم للمؤهلات التي تسمح له برئاسة أبسط مصلحة في وزارته، ولا أحد يجهل الأسس التي تعين عليها التشكيلات الحكومية ولا التي تمنح على أساسها بعض المناصب السامية.. كما لا أحد يجهل أن كل ذلك أضر بهيبة الجمهورية وشوه صورة الوظيفة العمومية وضيع حقوق المواطن وأهدر طاقات الدولة ووضعها على شفى الانفجار والتلاشي.
دعونا ولو لمرة واحدة نقطع مع تلك الأساليب الهدامة على أمل أن ننقذ وطنا مما يتهدده من مخاطر حقيقية ومدمرة. فنحن -على الأقل- نستحق حكومة نحترمها ونقدرها، نستحق وزيرا أول يتصرف كرجل دولة، نستحق مسؤولين يفكرون أبعد من جيوبهم وقبائلهم وجهاتهم وأعراقهم... نستحق أن نرى الكفاءة وقد أعيد إليها الاعتبار.
سئمنا من كل تلك الدمى والوجوه المحنطة التي مردت على الاحتيال والتلاعب بمستقبل بلدنا .. سئمنا من لغاتها الخشبية، من ابتساماتها الخبيثة ومن طلعاتها غير البهية، سئمنا من بلادتها ومن غوغائيتها ورداءتها... وقد حان الوقت لنودعها غير مأسوف عليها، علنا نكتشف بأن لنا وطنا يستحق معاملة أفضل، بأن لنا أمة تعثرت ولادتها وبأننا شعب يستحق الحياة!
أقلام