كانت الأيام الأربعة الماضية حافلة بالمناورات "الرئاسية" بامتياز. وقد احتسبتُ خلال هذه الأيام الأربعة هدفين للاَّعب محمد ولد عبد العزيز فى مباراته الطويلة ضد" تدبير الشأن العام"، لكن الحُكام اختلفوا فى صحة الهدفين، واعتبر بعضهم أنهما مجرد تسلل من الرئيس فى ملعب اختلط فيه حابل الموالاة بنابل المعارضة وصخب المؤلفة قلوبهم من أنصاف الموالين وأرباع المعارضين.
لمْ تأْلَفوني معلقا رياضيا، ولا حتى مُرابطا من "المرابطين"، وإن كانت صفة "المرابط" تهمة لا أنكرها، وشرفا علميا لا أدَّعيه.
المهم أن الرئيس عزيز أقال يوم الإثنين الماضي مفوض الأمن الغذائي المرشح عن حزب الدولة نائبا لمقاطعة تمبدغة.
إقالة أرادها الرئيس سدًّا للذرائع، وإبعادا للقمح والزيت والأرز عن حلبة التنافس الإنتخابي.
لكن مفوض الأمن الغذائي ليس "الوزير" الوحيد المرشح عن حزب الدولة، وليس القمح والأرز والزيت أقوى تأثيرا فى المواسم الإنتخابية من التوظيف أو صفقات التراضي فى شركات سنيم، و صيانة الطرق، و سونيمكس، و صونادير،و غيرها من مؤسسات الدولة التي تتْبع لوزراء يصولون ويجولون فى حملة يوظفون فيها صورة الرئيس و إنجازات حكومته الخارقة.
لقد كان أولى بالرئيس إقالتهم جميعا، دون انتقائية أو تمييز. وقد فاته تسجيل هذا الهدف وهو فى متناوله.
*********** يوم الأربعاء الماضي أطلق الرئيس من كنكوصه ،بولاية لعصابه، حملة زراعة الخضروات للموسم 2013/2014،دون أن يكون له نشاط سياسي موازٍ على هامش الزيارة، بل على العكس من ذلك، أمر بمنع جحافل المنافقين من استقباله، ولم يستقبل أيا من الأطراف المتنافسة فى المدينة المَزورة ولا فى فى عاصمة الولاية، وظهر بمظهر الرئيس المحايد فى موسم انتخابي مثير للجدل.
وسجل الرئيس بهذا هدفا "مارادونيًا" جميلا، لا أتفق مع الحكام فى رفضهم له، بحجة أن الرئيس ضرب موعدا فى انواكشوط لوجهاء من أهل كيفة وكنصوصة،واستقبلهم بعيدا عن أعين الصحافة والمعارضة التي تترصد حركاته وسكناته. وإذا صح هذا الزعم، فإن الرئيس يكون قد احترم الشكليات على الأقل.
والرئيس ليس موفقا دائما فى احترام الشكليات، ونحن ليس علينا إلا بالظواهر، والله يتولى السرائر.
لقد فات عزيز تسجيل هدف آخر بالإبتعاد ، ولو ظاهريا، عن التجاذبات بين الحزب الحاكم والأحزاب المحسوبة عليه(أي الرئيس) والتي تخوض الآن حملة موازية للظفر بتزكيته واستمالة ود الناخبين بالقرب منه.
كان بإمكان عزيز أن يرتجل مؤتمرا صحفيا فى كنكوصة، و تطلب الرئاسة – وكثيرا ما فعلتْها- من صحفي أن يسأله عن قرابة النسب بينه وكل من (الإتحاد) و (الحراك) و (الوحدة والتنمية)، فيُفتِي الرئيس بأنه لا يجمعه مع كل هؤلاء إلا (آدم عليه السلام)، أو كونهم موريتانيين، وهو رئيس كل الموريتانيين، شاؤوا أم أبوْا...والسلام..... *********** الرئيس عزيز استقبل ، قبل أيام، بالقصر الرئاسي رئيس سلك الخدمات الاستشفائية الفرنسية في مالطا.
وحسب الضيف الفرنسي، فإن سلك الخدمات الاستشفائية الفرنسية في مالطا مرتبط بعلاقات مع موريتانيا منذ 1977.
وإن كنتُ لم أوتَ من العلم شيئا يُذكر،فإنني لم أعثر على نشاط واحد لهذا السلك فى موريتانيا خلال 36 سنة مرت على علاقته ببلد أحوج ما يكون إلى المساعدة الإستشفائية، ورحلات الرئيس المتكررة للإستشفاء فى فرنسا تؤكد ذلك. وإذا كان تنشيط العلاقة مع سلك الخدمات الاستشفائية الفرنسية في مالطا مهما ، بعد فترة ركود من 36 سنة، فإن الأوْلى بالرئيس ووزيره الأول ووزير خارجيته (ثلاثتهم استقبلوا الضيف الفرنسي) أن ينشطوا علاقات موريتانيا مع دول وهيئات أخرى أكثر إسهاما فى تنمية ورفاه موريتانيا الغنية وشعبها الفقير.
ويوم أمس استقبل الرئيس بالقصر الرئاسي رئيسة هيئة (افرانتز افانون) والخبيرة بالأمم المتحدة في مجال التمييز، التي قالت إنها استعرضت مع الرئيس- من بين أمور أخرى "جهودهيئتها ومبررات إنشائها ودور رئيستها من منطلق معارفها المتعددة في علم النفس والصحافة والديبلوماسية في القضايا المرتبطة بالعنصرية والتمييز والإقصاء والتهميش بشكل عام".
واسمحوا لي أولا أن أعرفكم- بشكل موجز- على ضيفة الرئيس: فهي أستاذة سابقة فى جامعة باريس-5 ديكارت، وأستاذة زائرة للقانون الدولي وفض النزاعات فى جامعة (بركلي)،وقد عملت لصالح اليونسكو والجمعية الوطنية الفرنسية، و هي عضو نشط فى عدد من الهيئات المهتمة بالتمييز، و من ضمنها (الإتحاد اليهودي الفرنسي من أجل السلام).
وهي البنت البـكر للمناضل (فرانز فانون (الطبيب النفسانيّ والفيلسوف المولود فى –(جزر المارتنيك)، وقصة دعمه للثورة الجزائرية معروفة، وهو مدفون فى مقبرة الشهداء بالجزائر تحت اسم (إبراهيم فرانز فانون)، تكريما له وعرفانا بالجميل من أرض المليون شهيد.
والظاهر فى استقبال الرئيس لابنة هذا المناضل، وكذلك استقباله لرئيس سلك الخدمات الاستشفائية الفرنسية في مالطا أنهما تما بوساطة من شاب موريتاني مثقف وأحد محامميْ الرئيس عزيز فى القضية المعروفة التي رفعها ضد البرلماني الفرنسي (نويل مامير).
ولئن كان الإعلام الموريتاني –الرسمي والخاص- قد تجاهل حضور الأخ جمال ولد محمد، واكتفى بالإشارة إلى أن المقابلتين جرتا بحضور مدير ديوان الرئيس، بينما كان المحامي الشاب أحسن هنداما وأكثر ثقة فى نفسه وهو يتطلع إلى الكاميرا، فإن الإستقبالين يثيران مجموعة من الأسئلة:
ü ـ لماذا يتم إظهار شخص معروف فى حضرة الرئيس ويتم تجاهله فى نفس الوقت؟
ü ـ ما علاقة سلك الخدمات الاستشفائية الفرنسية في مالطا بالملف الطبي للرئيس فى فرنسا؟ وسط الحديث عن سعي أطراف فى المعارضة إلى الحصول على تفاصيل هذا الملف وكشفها للرأي العام الموريتاني؟
ü ـ وهل من علاقة بين ما تحدثت عنه السيدة (ميريْ فرانز فانون) من "معارفها المتعددة في علم النفس والصحافة والديبلوماسية" بالحالة النفسية للرئيس، وصورة نظامه الخارجية، ودبلوماسيته الـــــــ.....؟
ü ـ وهل يسعى الرئيس إلى استثمار كل هذه (المعارف) عشية إعادة تحريك ملفه قضيته ضد (مامير) مطلع العام القادم؟
لقد كان الأجدر بالرئيس إبقاء هذه القضايا الشخصية خارج دائرة الضوء...فاللعبة مراقبة بدرجة لا يصح معها التسلل...والأهداف الخاطئة تُلْغَى، ولو بأثر رجعي.....