فى مساء يوم، 30 أكتوبر 2001، فقد الوسط الإعلامي والثقافي رائد الصحافة المستقلة الكاتب الصحفي حبيب ولد محفوط. وهي ذكرى أليمة تدفع أولئك الذين عرفوا الفقيد عن قرب إلى استشعار فداحة الخسارة التي حلت بهم وهم يودعون حبيبهم إلى مثواه الأخير، لكنها أيضا مناسبة لإعادة التأمل في مسار رجل تمكن –على طريقته- من حفر اسمه بأحرف من ذهب في ذاكرة الشعب الموريتاني.
لم يكن حبيب زعيما عسكريا أو سياسيا صنع مجده على حساب غيره.. لم يكن صاحب ثروة مالية تتيح له شراء إعجاب الآخرين.. كان مواطنا عاديا يأكل الطعام، يمشي في الأسواق، يدرس التلاميذ، غير أنه كان من بين أولئك القلائل الذين يكرسون حياتهم لخدمة مواطنيهم.
لقد استدعته الصحافة حين كانت بحاجة إلى تأكيد مصداقيتها، فلبى الدعوة بكثير من الاستعداد رغم دقة الظرفية وحجم الضريبة التي سيدفعها مقابل التزامه وجسارته. ولم تكن مواهبه اللغوية الفذة هي التي صنعت تميزه وحدها، بل هو الصدق، تلك العملة النادرة التي نبحث عنها اليوم في كل مكان فلا نكاد نلمسها وكأنها رحلت معه إلى العالم الآخر.
خاض تجربة التأسيس –إلى جانب زملائه- بكثير من التواضع والتضحية والمهنية، وحين قرر مغادرتنا كان من يفترض أنهم أعداؤه أول المتأسفين على رحيله، وكأن الكل –وهم يأخذون علما برحيله- قد غمرهم شعور عارم بأهمية الدور الذي لعبه خلال عمره القصير.. وحين وقف مشيعوه في المطار انتظارا لوصول جثمانه من باريس، كان وهو ميت يرسم لوحة رائعة الجمال تتسع لمختلف تفاصيل الطيف الوطني بكل تناقضاته وتجاذباته!
لقد كانت بالفعل لوحة بالغة الدلالة في زمن الانطواء على العرق والفئة والطائفة والجهة والاستقطاب الحاد بين مساند ومعارض، لكنها جديرة بأن تكون آخر تحف مبدع عظيم آمن بوطن وأسس لمهنة وأثبت بأفعاله قبل كتاباته أنه ليس للخبز وحده يحيى الإنسان.
"أقلام"