من في هذه المدينة الكبيرة (كيفه ) لا يعرف " بلال الغسال "؟. إنه بلال ولد أبريكه المولود عام 1955 بمدينة كيفه.
بدأ حرفة غسل الثياب في يوم من صيف 1974 ، وظل في نفس المكان حتى اليوم ،أي حجرتين من الحجارة انتقاهما مقرا لعمله في الحي المعروف من المدينة " بكميز". وثالثة من الاسمنت بناها بعد احتراق محله قبل 3 سنوات.
بلال الغسال نال بلا منازع ثقة سكان المدينة وإليه تحمل الملابس من كل أحياء المدينة ، ومن كل المدن القريبة والبعيدة،/ بما فيها العاصمة انواكشوط .
كل الزبناء يريدون مهارة هذا الرجل وإتقانه. يريدون أن يطمئنوا على ثيابهم فهي لن تضيع و وسوف تخرج نظيفة سالمة من الحروق ومن أي سوء.
ذلك الرجل الستيني لا تفارق شفتاه ابتسامة عريضة ، يتفانى في مهمته وينكب على عمله فلا يلوي على شيء.
همه أن يرضي زبونه ؛ فلا ينبس بأي تعليق.!
إنه يغسل بيديه ويراقب العمال من حوله فيؤنب هذا وينتقد ذاك ،ويبدي ملاحظاته على غسل الثياب فلا يقبل أن تنشر على الأسلاك إلا بعد أن يتأكد أن غسيلها أصبح ماء زلالا.
يكتتب بلال مابين ثلاثة عمال إلى أربعة. ويعطيهم الفي أوقية لليوم وهو أجر من أكبر الأجور المعهودة للأعمال العضلية هنا.
يقول بلال أن جدوله للعمل اليومي في غاية الصرامة فهو يغسل 60 دراعة يوميا وفي اليوم التالي يقام بكيها. وهكذا.
إنه يستقبل عشرات الأصناف من الألبسة على مدار الساعة ومع احترام المواعيد وحسن الاداء يبقى بلال متمسكا بالأسلوب التقليدي للغسل إذا استثنينا استخدامه للكهرباء بدل الفحم منذ 1996.
حبا الله بلالا بذكاء وفطنة خارقين ، حيث يكتفي بإلغاء نظرة سريعة على اللباس وهو في يد صاحبه وعند غسله يتعرف عليه من بين المئات من قطع الثياب التي يغص بها المحل.!
يعرف بلال بالصدق والنزاهة وهو على درجة كبيرة من القناعة والتسامح؛ فهو يأخذ من الزبون ما قدم فلا يسأله هذا قليل آو كثير ويمكن لهذا الزبون أن يظل يغسل لدى بلال شهورا آو أكثر حتى يقضي ما عليه من دين أو لا يفعل ذلك فلا خصومة من بلال ولا تبرم أو ضجر!.
لقد خجل الكثيرون من كثرة الدين حتى غادروا وتركوا ثيابهم فتظل هذه الثياب محفوظة حتى "يأكلها الزمن" في ذلك المحل- يقول بلال- !
لقد استطاع "بلال الغسال" أن يجمع على مدى 4 عقود من مزاولة هذه الحرفة آلاف الزبناء وقد احتفظ بالكثير منهم منذ بدأ عمله وحتى الآن.
في سؤال لوكالة كيفه للأنباء عن حجم ثروة بلال رد بأنه لم يجمع ثروة من عمله وقال أن كل ما يملك لا يتجاوز منزلا يعيش فيه مع عياله وأن رصيده هو ما استثمره في دراسة أبنائه ، الذين عمل على تعليمهم ومدهم بالوسائل اللازمة لذلك ومن بينهم الآن خريجين من جامعة انواكشوط.
بلال قال إنه لا يهتم بالسياسة فهي ؛ بهذه المدينة متحجرة تولد التوجس و الحقد بين الأفراد والجماعات ولا يخوضها الناس بالروح الرياضية ، لذلك يقول بلال لا أحب " السياسة".
أردنا الإطلاع على التجربة الفذة للرجل والتعرف على سر قصة نجاحه ولتواضعه لم يدلي لنا بتعليق على ذلك وظل يردد أنه غسال ككل الغسالين، ولكن الإجابة كانت على ألسنة زبنائه الذين قابلناهم فاجمعوا على أن الرجل صدق و تسامح وأتقن فنجح.