لعل أفضل ما يجسد حالة "عدم اليقين" التي تعيشها موريتانيا اليوم هي مسألة الانتخابات التي باتت أبرز عناوين "التساهل" السائد في احترام قوانين الدولة ومؤسساتها الدستورية. فبالرغم من أننا قد نكون على بعد 3 أشهر فقط من موعد انتخابات بلدية ونيابية طال انتظارها، فإن هذه الانتخابات لا تثير كبير اهتمام داخل الطبقة السياسية حتى أن قلة داخل هذه الطبقة هي من تعتقد بإمكانية تنظيمها في تلك الآجال.
هذه الوضعية غير الطبيعة بالنسبة لشركاء بلادنا في التنمية، يبدو أنها هي ما يناسب المستوى الذي بلغه الصراع الدائر على السلطة. فالحكومة التي حطمت الحالة المدنية السابقة وماطلت في إنجاز حالة بديلة، لديها توقيت محدد لا تريد تنظيم الانتخابات قبله والمعارضة التي تبنت شعار الرحيل، ركزت جهودها على وسائل تغيير أكثر جذرية.
من الطبيعي إذا في ظرفيتنا الراهنة أن لا تثير البلديات والنيابيات ما كانت ستستحقه من أهمية ضمن سياقات أخرى، لكن الأمر سيكون مختلفا بالنسبة للانتخابات الرئاسية التي باتت تستقطب اهتمام أهم الفاعلين باعتبارها استحقاقا مصيريا وبديلا مقبولا للسعي لإسقاط السلطة بالعنف، ينبغي أن يهون كل شيء في سبيل الانتصار فيه.
وتعكس الاستعدادات الجارية على الأرض للتحضير لهذا الاستحقاق، حجم الرهانات المتصارع حولها، مما ينذر بخريف وشتاء أكثر سخونة من أي صيف قد عرفته البلاد على امتداد تاريخها. فبحسب معلومات متطابقة فإن معارضة الرئيس ولد عبد العزيز الجذرية (في الداخل والخارج) قد حسمت أمرها وقررت أن تواجهه بكل قوتها حتى لا تترك أمامه أية فرصة للإفلات منها خلال الرئاسيات القادمة.
وضمن هذا الاطار -تضيف المعلومات- تحركت خلايا الدولة العميقة المتخصصة في "انتقاء الرؤساء" منذ فترة لاختيار عدد من المرشحين كاف لمحاصرة الرئيس عزيز وهزيمته، ونجحت تلك الخلايا حتى الآن في إعداد لائحة أولية لشخصيات وطنية من مختلف جهات البلاد ومكوناتها الوطنية.
ولم تستبعد هذه المصادر أن تكون بعض الاستقالات التي أعلن عنها مؤخرا وشملت أطرا سامين في الدولة (رئيس مجلس إدارة صونادير ومستشار مدير شركة سنيم)، مقدمة لحملة استقالات أو إعلانات عن دخول شخصيات وطنية معترك المنافسة على الرئاسيات القادمة.
وبالنسبة لهذه المصادر فإن الرئيس عزيز قد دخل هو الآخر أجواء الحملة الرئاسية من خلال الزيارات واللقاءات التي يجريها بشكل متواصل ومن خلال حملة التعيينات الانتخابية التي بدأها قبل 3 أشهر لاستعادة ثقة الأحزاب المحسوبة عليه وأيضا لاحتواء بعض المتذمرين من الأوساط المحسوبة على نظام الرئيس ولد الطايع.
ومع أنه قطع أشواطا مهمة في هذا المجال إلا أنه –وفقا لهذه المصادر- يواجه تحديين رئيسيين يتعلق أحدهما بحالته الصحية التي تفرض عليه مغادرة البلاد من وقت لآخر لتلقي علاجات يرفض أن يفصح عن حقيقتها للرأي العام الذي بات غير واثق من قدرته أو رغبته في الاستمرار في السلطة، بينما يتعلق الثاني بالتصدع الذي أصاب فريق الرئيس والذي تمثل حتى الآن في رحيل بعض أحزاب الأغلبية باتجاه المعارضة وأيضا في تجريد والي نواذيبو ووزيرة الثقافة من منصبيهما ليعززا صفوف الجناح المستاء داخل السلطة من أداء الرئيس.
وتعتقد هذه المصادر أن مرحلة تنافس قوية قد انطلقت وأن وسائل مالية وبشرية هائلة قد رصدت لها وأن صراعا عنيفا يدور هذه الأيام في الكواليس استعدادا لمواجهة قد تكون الأسخن في تاريخ البلاد.
اقلام حرة