سيدي الرئيس، هذه نصيحة مجانية كان على مستشاريكم إسداؤها لكم/ د. محمد المنير
وكالة كيفة للأنباء

كتب الدكتور محمد المنير :

سيدي الرئيس، هذه نصيحة مجانية كان على مستشاريكم إسداؤها لكم

سيدي الرئيس، إن كنتم تسعون فعلا لمعرفة واقع الموريتانيين، فما عليكم إلا أن تستيقظوا كل يوم في الساعة السادسة صباحا، وتنزلوا إلى الميدان، وتحاولوا، متنكرين، القيام بأي إجراءات إدارية، ستفهمون حينئذ معاناة المواطنين وستدركون مستوى الفساد. ستكتشفون أن المواطن يتعرض يوميا للابتزاز وأنه يُنْظَرُ إليه من طرف جزء كبير من الموظفين كفريسة محتملة، وأنه ضحية جشع وشراهة الذين كان من المفترض أن يعتنوا به ويقدموا له الخدمات، أولئك الذين لا يفكرون إلا في اغتنام الفرص، للحصول على رشاوى مقابل القيام بعملهم.

سيدي الرئيس، إن كنتم تسعون فعلا لمعرفة واقع الموريتانيين، فما عليكم إلا أن تستيقظوا كل يوم في الساعة السادسة صباحا، وتنزلوا إلى الميدان، للاطلاع على سير العمل في المرافق العمومية، وتقوموا بزيارات، ولو أسبوعية، للقطاعات الحيوية، كالماء والكهرباء وقسم الحالات المستعجلة في مستشفيات العاصمة، التي لا يمكن أن تتحمل أي اختلالات، لأنها تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين…ستكتشفون الكيفية الصادمة التي تُقدم بها الخدمات، وستدركون حجم الممارسات الفوضوية، ورداءة الخدمات، إن لم يكن انعدامها. وستكتشفون بصفة عامة أنه يكاد لا يوجد في الإدارة قطاع خدماتي واحد يعمل بصفة منتظمة وفعالة، وأنه من شبه المستحيل أن يُنهي مواطن أية إجراءات إدارية في نفس اليوم.

سيدي الرئيس، إن كنتم تسعون فعلا لمعرفة واقع الموريتانيين، فما عليكم إلا أن تستيقظوا كل يوم في الساعة السادسة صباحا، وتنزلوا إلى الميدان، للالتقاء بالمواطنين، بصفة عفوية، وتتجولوا في الأحياء الشعبية لتكتشفوا أن نصف سكان العاصمة مازال في 2024 يشرب عن طريق "البيدونات الصفر"، وتزوروا المدارس والأسواق، وتركبوا سيارات الأجرة، وتجلسوا مع العمال في الورشات، وتلتقوا بالشباب العاطل عن العمل والهائم على وجهه في الشوارع، وتنصتوا إليهم، عندئذ ستستشعرون نبض الشارع، وستعرفون أن الإحباط واليأس والتذمر العام وصل درجة الاحتقان، وستدركون أن المواطن فقد الأمل، وأنه لم يعد يحترم الحكومة ولا رئيس الجمهورية، ولم يعد يعول عليهم.

فقط، مثل هذه المقاربة ستعطي انطباعا بأنكم رئيس جدي، يهتم بشؤون المواطنين. وهذا ما يُتوقع من رئيس دولة، لا أن يبقى في قصره، بين عشرات الحراس والمستشارين والمكلفين بمهمة، وكأن الأمر لا يعنيه. وليس أن يلتقي بمواطنين تم انتقاؤهم مسبقا، وليس أن ينظم عشاء مع بعض النخب التي تتودد له وتجامله.

إذا استمعتم لهذه النصيحة ستنجحون في غرس ديناميكية إيجابية، وستجبرون الوزراء والموظفين والمسؤولين العموميين على التواجد في مكاتبهم، والنزول إلى الميدان للتأكد من تقديم الخدمات بصفة فعالة ولمتابعة وتنفيذ المشاريع. عندما يترسخ في أذهان الجميع أنكم صارمون وستقومون يوميا بزيارات مفاجئة، وبمساءلة ومحاسبة المسؤولين عن كل الإخفاقات التي تُفقد الدولة مصداقيتها، ستتغير الأوضاع بصفة إيجابية وسيحقق البلد قفزة نوعية في مجال الإصلاح. يومها، سينصت الشعب لخطاباتكم وتصريحاتكم، لأنها مستمدة من الواقع، ولأنكم عرفتم المشاكل والاختلالات في القطاعات العمومية، وفهمتم معاناة الشعب، واكتشفتم تزييف وتلفيق أغلبية المستشارين والوزراء، الذين يطمسون لكم الحقائق ويقلبون لكم الأمور. ويومئذ سيُحس المواطنون أن لهم رئيسا يفهم معاناتهم ويهتم بتطلعاتهم، ولن تحتاجوا بعد ذلك للاستثمار في إرضاء الوجهاء والمفسدين، عن طريق التعيينات ومنح الصفقات العمومية، من أجل النجاح في الانتخابات، لأنكم كسبتم ثقة الشعب الذي سيصوت لكم، وسيلتف حولكم، وسيدافع عنكم.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2024-04-08 13:59:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article39264.html