فكر رئيس الدولة يوما بأن التعليم يحتاج من فخامته إلى لفتة كريمة فاخذ معه أخوه (أراح) و ذهبا إلى تونس في رحلة علاجية معهودة لدى كل المرضى الموريتانيين الميئوس منهم و يبحث لهم فقط عن طمانة البال و زيادة في الأمل ... فالتعليم يحتضر و الأمل يبدو ضعيف و العلاجات المقترحة ـ حتى الآن ـ تزيد حالته سوءا، خاصة أن علاقة الجيش بالتعليم هي علاقة غير غرامية و لا أصيلة لذا أصبح الجيش يُعَلم ما لم يَتعلم ! ذهب الأخوين إلى تونس و هما مقتنعان بأن الموريتانيين لا يتقنون إلا فن المحاكاة حتى ، لا أقول الغش ... ! و يعرفان أن التجربة التونسية في مجال التعليم ناجحة و لكنهما يجهلان أن نجاح التعليم في تونس راجع إلى إرادة قوية و تاريخ طويل من الأخذ و العطاء بدايته جامع الزيتونة و نهايته ثورة الياسمين .
و قد أظهر الأخ للرئيس براعة و تحمسا لا مثيل لهما في تنفيذ أوامره في نقل التجربة التونسية خارج محيطها..و هكذا تعيينه وزيرا كبيرا يتمتع بكل الصلاحيات و الباب مفتوح أمامه لأنه و الحق يقال ينتمي للأسرتين : الاسرة المدرسية و أسرة الرئيس وبالتالي فهو حسب كل المعطيات اولى بأن يقود الإصلاح. و أنشئت وزارات منتدبة لا دور لها و لا فائدة فيها ليست لها مسؤوليات و ولا ميزانيات و لا حتى أي مكان من الإعراب ..وزير الدولة مسئول عن كل شيء و يسير كل شيء ـ ما عدى التعليم ـ و له امين عام وقته كله و مهارته في تعليق الموظفين و اقتطاع رواتب المضربين و إصدار مذكرات التحويل و الترقية التي يأتي بها "الأمر" من فوق و من تحت و من اليمين خاصة ..
لا أحد يعرف اليوم ما الفائدة من بنات وزارة الدولة الثلاث ؟ فلو كان الاخ ناصحا لأخيه لاقترح عليه تحويلهن إلى إدارات عامة تعمل مباشرة كحلقة وصل بين الوزارة و بين الإدارات الجهوية للتعليم التي يجب أن تكون لها مصالح على ضوء الإدارات العامة . عندها ستربح الدولة ثلاث رواتب لثلاث وزراء و ثلاث سيارات وزارية و ثلاث أمناء عامين و ثلاث مباني وزارية و ثلاث مقاعد في مجلس الوزراء و يتفرق كل واحد من الثلاثة لما خلق له !
إن العائق الأول الذي يمنع وزارة الدولة من العمل المنتج هو اولا عدم فهمها لمهمتها أو عدم فهمنا نحن لمهمتها على الأصح ! و العائق الثاني هو كثرة كلام وزير الدولة ، وعادة إذا كثر الكلام كثر الكذب ! عندما تكون هنالك أزمة مثل الإضراب أو التحويلات التعسفية تتحول الوزارة إلى خلية نحل لتسيير الأزمة و تطرح الخطط المحكمة لاستغلال الموارد البشرية... فتًعقد الاجتماعات الماراتونية و يناقش الفنيون و تخرج أفكار ذكية في فن اقتطاع الرواتب و استبدال المضربين بأي عامل ، عمال الدعم والعقدويين و الغير الدائمين وعمال الإدارات المركزية والجهوية " المسيبين اصلا" كضباط احتياط .. و يُطلب من المساكين " الجهويين " إظهار قدرتهم على النيل من شرف المدرس و احتقاره وقطع الدريهمات القليلة التي لا تسد رمقه اصلا .. فيُخنق بالجوع و المديونية حتى لا تبقى له أخلاق و لا كرامة و لا حرية تمكنه من التعبير عن "روح العلم" الذي في صدره ... لابد للمديرين الجهويين من التعبير عن مشاركتهم النشطة في إهانة المدرس لتغمض الوزارة عينيها عن عجزهم ـ حتى عن كتابة تقارير كثيرا ما تكون منقولة حرفيا عن بعض الزملاء ـ و عن اكل أموال المنظمات الأجنبية بطرق يساعد عليها الخبراء "الوطنيين" العاملين في تلك الهيئات ، من خلال مشاريع وهمية و خطط تنموية لا أثر لها في الواقع
لم يشفى المريض (التعليم العمومي) بعد الرحلة العلاجية التي رافقه فيها الاخوين إلى تونس . ولكنه لم يمت بل شُل ثلثاه و بقي يئن في آدوابة و الكبات و الترحيل وفي تفرق زينة (حيث بقي لابناء عمال المنازل الفاخرة) . كان يوجد في الثانويات العمومية بقية من بقايا التلاميذ من الذين أسعفهم الحظ أو الصدفة أو "خفة اليد" و نهب المال العام .... و اليوم حتى يبقى التعليم لمن لا يراد لهم تعليم خلقت الدولة مدارس "الإمتياز" و هي غاية في الغبن و التمييز و العنصرية . و هي دليل على أن الدولة تريد أن تنتزع الروح من التعليم العمومي و تسلمه للموت محافظة على ما كان فيه من روح للبقية الباقية من أبناء الوطن الذين لم يسعفهم الحظ ليكونوا مع ابناء الوزراء و الأمناء العامون و المدراء الجهويون و كل المستفيدين من النظام في المدرسة التركية أو الفرنسية أو الامريكية أو المالية ...
فالمضحك في هذا الأمر أن المسئولين عن التعليم العمومي في موريتانيا لا يرسلون أبنائهم البتة إليه . و الذين يرسلون أبناءهم إلىه لا يحضرون لوضع سياسات القطاع .. فكيف يغيب المعنيون عن التعليم و يحضر غير المعنيين به و يرجى الإصلاح ؟ كيف لمن لا يثق في التعليم العام و لا يحتاج إليه أبناءه أن توكل إليه مهمة إصلاحه...
95% من التلاميذ الذين يجلسون اليوم على المقاعد الدراسية في المدارس العمومية هم من أبناء لحراطين و لا وجود للحراطين في جهاز تسيير وزارة التعليم ناهيك عن من هو هنالك لشيء آخر ..إذا اتفقنا على أن التعليم مسير من طرف وزارة الدولة و أن الوزارات الثلاث الأخرى هدر للمال العام و إظهار لوحة للتمثيل العرقي مغلوطة و خاطئة ـ لا حياة لمن تنادي ...إذا لا حضور للحراطين في وزارة الدولة للتهذيب لا وزير و لا أمين عام و لا مستشار و لا مدير مركزي و لا حتى رئيس مصلحة جوهرية و على مستوى المديرين الجهويين واحد من أصل 14 مديرا ..
يقول مالكوم إكس " إن كل ما تقوم به من أجلي إذا قمت به دون إشراكي فيه فأنت تقوم به ضدي " إن المتحكمين في وزارة التعليم يرسلون أبناءهم إلى المدارس الحرة الغالية الثمن و لا يهمهم إصلاح التعليم العمومي بقدرما يهمهم استغلال وسائل الدولة من سيارات و هواتف و مكيفات و نفوذ من أجل المشاركة في هدم بنية هذا الوطن و تفكيك وحدته الوطنية من خلال التمييز بين الشرائح و غبنها و تمكين ربعها من كل شيء و ترك البقية للضياع .. ولسان حالهم يكرر طلعة ولد برهام التي يتهكم فيها على لحراطين في ألاك ! هكذا فشلت وزارات التعليم في وضع سياسة ناجعة لإصلاح التعليم ، فلجأت إلى تعليم السياسة "للمسؤولين" الجهويين و المركزيين ، تعلمهم سياسة النفاق و الإرتزاق و تزوير الوراق و الفواتير و الإحصائيات و النسب و الرضوخ لمطالب المتنفذين المتملقين الذين لهم أيادي طولى يمكن أن تصل إلى أخ الوزير أو أحد الجنرالات ..و عدم الإكتراث بالتعليم في آدوابة فلا هم يريدون ذلك و لا الدولة تريده لهم ...في بعض مدارس آدوابة بل جلها يدرس معلم واحد عقدوي لم يُعلم حتى كيف يٌدَرس ... معلم بالفال لثلاثة أقسام في ضواحي سيلبابي و كنكوصة و مكطع لحجار و باركيول و المجرية ..فليس لهذه المقاطعات نواب و لا جنرالات منهم ! بل هم "شمامه :خذ خيرها ولا تجعلها وطنا " خذ أصواتهم في الانتخابات و اسكن في تفرغ زينة و ارسل أبناءك إلى المدرسة التركية أو الفرنسية ...
لا يمكن السكوت على الفساد المستشري في وزارة الدولة للتهذيب و لا أعني هنا الفساد المالي فقط ، بل فساد التعليم وانعدام الخطط و المشاريع . فهذه الوزارة الآن ، ليست لها خطة مستقبلية لإصلاح التعليم بل الكل يفكر في الاستفادة المادية التي يمكن أن يحصل عليها ..و الكل يغمض العين عن الضحايا الحقيقيين لهذا الإهمال أعني لحراطين بل يحتقرهم و يكرههم .. و هم غائبون لا حضور لهم إلا في ساحة الوزارة كسائقين و بوابين وصانعي الشاي ..أما مصادر القرار فأسيادنا هنا لتمثيلنا! .و لو كان أسيادنا معنيين أصلا بتعليمنا لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من التخلف و التهميش . فكيف نوكل إلى نفس الناس مهمة إصلاح تعليم لا تربطهم به سوى عائدات المهنة و فوائدها المادية و النفوذ ؟
أيها الإخوة في وزارة التعليم إنكم بكل بساطة تخونون الوطن والمواطنين و سوف يحاسبكم التاريخ على تواطئكم و غبنكم لقوم بنوا هذا الوطن على اكتافهم و حموه بدمائهم و هم اليوم يسهرون على بقائه رغم عملكم الدءوب على تفتيته و تقسيمه إلى متعلمين و متشردين .. و نشر التباغض بين أبنائه، المغبونين و الغابنين بفعل الدولة، دولة الفئة والعرق .. لقد نجحتم في تقسيم المجتمع إلى فئة مستفيدة من المنح و التوظيف و التحويلات و التوظيف اللا مستحق (العاملات غير الدائمات) و فئة مقصية من كل شيء ... العمال غير الدائمين في ثانوية الميناء كلهم من الفئة التي لا تمارس الاعمال "الدنيئة " و يزيد عددهم على العشرين ( كلهم بيظان)..و إذا لا أحد لتنظيف الأقسام و لا فتح الأبوا ب ولا تحضير الشاي ..و الفئات القابلة للعمل (لحراطين و الزنوج) محرومة من الإكتتاب ...
إن الثانوية العسكرية بالنسبة لي تمثل إرادة القوة ..استخدام المال العام و قوة الجيش من أجل فرض الغبن .. نخبة من أبناء البيظان محميين من طرف الجيش و يدرسون على حساب الدولة ..إنها مدرسة عنصرية بامتياز سوف يكون لها ما بعدها ..و من أجل تصحيح الخطأ يجب على وكالة التضامن أن تفرض عليها في كل سنة أن تعطي ثلث المقاعد لأبناء لحراطين و الثلثان يتم الحصول عليها بالامتحان المفتوح امام الجميع بما في ذلك لحراطين ..بل كان يجب أن تكون كفارة لما سبقها من غبن و تهميش و أن تكون خاصة بأبناء لحراطين ..يكونون على حساب الدولة لضمان التحاقهم بالركب ..أما أن تكون آلة أحدث من كل ما سبقها في تكريس الغبن و عنصرية الدولة فذلك مؤسف مقزز !
كما أنه يجب بصفة عامة أن تتشكل مسؤوليات وزارة الدولة للتهذيب على منوال تشكل الشعب الموريتاني ..بحيث تعكس وظائفها صورة جميلة عن سكان هذا البلد المختلف الاعراق ..فليس من المقبول أن يكون الوزير و الامين العام و المستشارين و المدراء المركزيين من عرق واحد و الأغلبية غائبة لأنه ـ حسب رأي الأسياد ـ لا فرق بين بياض العين وسوادها ... فلما ذا خلقنا الله إثنان بدل واحد ؟ اليس ذلك لحكمة أرادها الله في خلقه ؟ لا يمكن بعد اليوم السكوت على الغبن و التغييب الممنهج لمجتمع لحراطين ولم يعد من الممكن تحمل مزيد من الغبن ..لقد عانينا بما فيه الكفاية في الماضي و الحاضر ولا يمكن أن تعاني الأجيال المستقبلية من سياسات عنصرية يخطط لها و تنفذ بين جدران وزارة الدولة للتهذيب .. يجب أن نشرك في تقرير مصير أبنائنا ! و إذا كانت تلك المطالبة ستجلب لنا السخط و الإتهام بالتطرف و عدم المسؤولية ..فنحن كذلك ..و لكننا لن نقبل بعد اليوم أن يقرر لنا مصيرنا و مصير فلذات أكبادنا و نسكت خوفا من لعنة ملعونين !