حالة احتضار أو أجراس الخطر الأخيرة/محمد جبريل
وكالة كيفة للأنباء

إن البلد يلفظ انفاسه والوضعية أصبحت عصية علي أي تسييق ولم تعد تحتمل المواربة،إننا نعيش على وقع انهيار مزلزل وتداع حر نحو قاع التردي الإقتصادي،الاجتماعي والسياسي وحدث عن أي صعيد ولن يعجزك الوصف فالواقع أبلغ من أي تصوير والحقيقة أنصع من كل محاولات الطلاء.

إن الوضعية كارثية، وتزداد سوءا كل يوم ولم يعد هنالك مجال لاتطاله حالة الكسوف الشامل، فمن الصحة للتعليم للظروف المعيشية للبلد يترائى الفشل وحيثما تفحصت فثمة وجع اليوم وجراح الماضي المستمر في بنية الدولة. إننا نعيش تداعيات فشل مشروع الدولة وذلك بشكل تصاعدي مخيف، فمن أين نبدأ؟ وكيف نستطرد؟

إن استشراء الفساد وغياب المحاسبة وموت الصوت المعارض وتهتك الخطاب المثقف واختفاء منظمات المجتمع المدني كلها نذر جلية بقرب تلاشي هذا الكيان المسمى موريتانيا،ليكون البديل هو الاستئناف الحتمي والعودة للعشائريات والحساسيات التي تترتب عن ذلك.

إن الدولة المركزية لم تكن مشتتة يوما كما هي الآن، فالسلطة تشهد حالة انقسام ميتوزي بين قوى وشخصيات وكيانات لادولتية والأجهزة عاطلة عن القيام بأي دور غير القمع وتفعيل الممارسات الفاشستية، فالكل اليوم معرض للتوقيف والمساءلة وحرية التعبير هي آخر مايمكن التفكير فيه والمواطن متروك للتجار ووجعه الخاص.

في الحقيقة إن التحقيب الموضوعي لوضعيتنا ليس بالبداهة التي نتصورها فقد يطيب للبعض إرجاعها إلى أول انقلاب ضد النظام المدني الذي خلفه الاستعمار كما يمكن للبعض ان يقفز في الزمن ويختزل عمر فشلنا في الإطاحة بنظام سيدي ولد الشيخ عبد الله وماعقب ذلك من تصدعات لكن ماهو مؤكد هو أننا نعاني من خلل بنيوي ومشاكل وطنية كبرى كل منها على حدة قادر على نسف ماهو قائم من أساسه.

الانذار الاجتماعي

منذ أزمة فيروس كورونا شهد السوق الموريتاني حالة ارتفاع جنونية للأسعار وتدنت القدرة الشرائية للمواطنين بشكل مريع وبات الوطن في حالة مجاعة متعاظمة في ظل غياب تام لأي استراتيجية وطنية واضحة المعالم تقف إلى جانب المواطن وتساعده لتخطي هذه الأزمة، إن هذه الوضعية صاحبها تدن في الرواتب مع غياب تام للمنظمات العمالية القادرة على رفع الخطاب المطلبي الاجتماعي، فأكبر نقابة عمالية هي أداة في يد الانظمة المتعاقبة تدجن من خلالها العمال وتزيف وعيهم بمصالحهم كطبقة مضطهدة. لذلك فإن الوضعية الاجتماعية التي خلقها الظرف الوبائي ماتزال مستمرة حتى الآن، فمع غياب الهيئات الرقابية التي من شأنها ضبط التوازنات وضعف أداء الحكومات المتعاقبة وعدم قدرتها على التصدي لأي تحد من أي نوع كان، فإن أي أزمة تحيق بنا يكون مصيرها الحتمي هو المكوث طويلا إن لم يكن أبديا.

إن تدني المستوى المعيشي وحالة المجاعة الصامتة التي نعيشها يحدث في بلد يتخبط في قضايا اجتماعية من النوع الخطير ويجر خلفه مآسٍ انسانية هي "النار الخالدة تحت الرماد"، فمن قضية العبودية وماتطرحه من تحديات اجتماعية وتنموية إلى مأساة سنوات الجمر وما تغذيه من توترات نفسية وشحن عرقي يظهر حجم الخطر الفتاك الذي يترصد هذه الأمة الموريتانية التي لم توجد بعد. صفارة التعليم إن التعليم عندنا أصبح أكبر رافد من روافد التفكك الاجتماعي فمع تدني مستوى الكادر البشري المشرف على العملية التربوية وعدم تجديد المناهج التربوية لتساير الطفرة المعرفية المتعاظمة والقضاء التام على المدرسة الجمهورية، باتت فصول الدرس ملاذا للفشل وتكريس الجهل وتعاليم الخرافة،الذي ترعاه الدولة.

إن احتكار "جودة" التعليم من طرف المدارس الخصوصية التي لاتقدر غالبية الشعب على دفع رسومها في بلد تسيطر الأوليكارشيا على مصادر الثروة فيه، خلق شرخا اجتماعيا وتفاوتا في مستوى التعليم على مستوى شرائحي فبينما كانت المدرسة الجمهورية جسرا للإلتقاء بين مكونات الشعب أصبحت المدارس الحرة هي صمام أمان الهوة الاجتماعية الفاصلة بين هذه المكونات،وما لم يستيقظ القائمون على الشأن العامل وينتبهوا إلى بؤس ماتصنعه أيادي هذه الطغمة الحاكمة، من ظلم في توزيع الثورة واقصاء لجزء كبير من الشعب وتهميشه، فإن نذر الانفجار ستظل قائمة.

الإنذار السياسي

إن العملية الديمقراطية مبنية على التعددية وتؤخذ هذه التعددية بجذرية، وإن كان البعض عندنا يختزلها في تعدد الأحزاب والتبادل الميكانيكي على الكرسي، إلا أنها أبعد ماتكون عن ذلك فالديمراطية حسب أحد تعريفاتها"هي سياسة الاعتراف بالآخر" والذي يكفل هذا الاعتراف ويضمن استمراريته هو وجود كيانات اجتماعية، مدنية وسياسية... نشطة في الفضاء العمومي مشتبكة بشكل دائم مع المجتمع تنصت إلى قضاياه وتحولها إلى خطاب تداولي تتدافع حولها الكيانات المشكلة للفضاء العمومي، بهذا التدافع يتم تخفيف حدة هذه القضايا الاشكالية وينزع فتيل أي عنف محتمل،فالحرب لاتبدأ إلى حين لايجد الكلام منفذا.

لكن مانشهده هو التدمير الممنهج لهذه التعددية واختزال النشاط السياسي، الاجتماعي والمدني في النظام الحاكم وأدواته،حيث يصبح الإعتراف الوحيد الممكن، هو الاعتراف بالأنا الممسوخة والاختزالية.

في الختام إن كل ماتقدم هو مجرد صوت مضغوط وغير حصري، لعديد الإشكاليات التي تطرح نفسها على الدولة الموريتانية اليوم وعلى من يتصدون للشأن العام ليشتبكوا معها وليفهموا الواقع الذي يتحركون فيه في كامل تعقيداته، ومن دون هذا الفهم المعقد، تصبح كل محاولة للتعامل معه مجرد ضرب من الفشل وتخل عن هذا الشعب المسكين، ليظل مستقبله يتنزى في كف المجهول.

محمد جبريل


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2024-01-12 13:24:40
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article38608.html