حتى لا يتيه الجدود !!! / النهاه ولد أحمدو
وكالة كيفة للأنباء

يقاس مدى عراقة الأمم و رسوخ حضاراتها ، بحجم ما يتوارثه أجيالها من تراث مادي و معنوي عبر تاريخها ، كما أن درجة تعاطي هذه الأجيال مع تراثها ، حفظًا و صيانةً و نشرًا ، يعكس مدى نضجها و ثقافتها و حتى احترامها لنفسها .

و يبقى التراث بشتى أصنافه خير رابط بين الحاضر و الماضي ، الأمر الذي لابد منه لاستشراف المستقبل الواعد .

و نظرا لهذه الأهمية البالغة للتراث ، لم يغب في قطاعات جميع الأنظمة المتعاقبة على بلادنا ، قطاع يهتم به ، متكاملَ البنية بإداراته و طواقمه ، و سياساته و ميزانياته ، وجميع وسائله الضرورية للقيام بمهامه .

لكن كثيرا ما تنحصر هذه المهام ، في جمع قطع مَحارٍ، و شظايا فَخارٍ ، و "امْدَكَّه " و " مَهْرازْ " و " كُونْتِيَّه " و " امْصَرْ " و " امْنَاتْ اوْزَارْ" ، وحفظ هذه التحف في دار الثقافة ، هذا في الوقت الذي يتم فيه التغاضى ، عن ممارسات تضر التراث في عمقه و صميمه ، أكثر مما تنفعه هذه التحف و مهرجانات المدن التاريخية و غير ها من النشاطات .

إن ظاهرة طمس المعالم و الأماكن العريقة في الوطن ، و حتى مسخها و محاولة تغييبها و محوها من ذاكرة المجتمع ، جريمة ضد التاريخ و التراث ، هذا الطمس و المسخ و التغييب و المحو ، الذي لم تسلم منه أي جهة من الوطن ، يتم بتبديل أسماء هذه الأماكن عمدا ولأغراض شتى .

فلو حل محمود مسومه أيا منا هذه ، بدياره و ربوعه بضواحى كيفه ، لكان بكاؤه على الديار ، أكثر من ساكنيها حين يقول :

ما فِيهمْ حدْ أتْل يـَنْشافْ

هــاذِ لمَّاضَعْ من لخـْــــيـــامْ

قَيْفَه و اكْوَيكِيطْ أُلَكْرافْ

و الطارَفْ و اعْويْنَتْ لحْمامْ.

فمن يمكنه أن يهتدي إلى" عرش الطلح "غرب كيفه ، رغم أن المسافة لا تزيد على 10 كلم ؟ إذا اخبرته أن الطريق يمر ب : (الفردوس ، القدس ، الطواز ، بدر ، دبي ، طيبه) . وكيف يهتدي الخارج منها شرقا إلى "احسي البكاي" ، إذا كان عليه أن يمر ببدر ، و ليس ب "دامقت ول مربه"؟

ولا تتهمني بالكذب ، إذا قلت لك أنني شهدت عملية مسخ "العجْلاتْ" إلى "ذيباتْ" ، في كامل وعيي ، و خارج أفلام مصاصي الدماء .

و كيف لا يصاب بالدُوار ، زائر ضريح وليِنا و صالحنا الشيخ ولد سيدي ، إذا تفاجأ ب"الرشيد" شامخا أمامه ، و "لحويطات" إلى جنبه ، و "فصك" ليس ببعيد ؟ و هل نقل هذه الأماكن بعيدا عن ربوعها ، إلى" اذراع أم النور" ، هو منتهى و فائنا و تقديرنا لسيد حكمائنا و فحل شعرائنا ول آدب ؟ و هل من المحافظة على التراث ، نقل أكبر معلمة ، وأقدم مدينة بها تسمى جميع الوطن ، فكيف تعرف "شنقيط" إذا وجدتها جنوب شرقي مدينة كيفه بين" اشْطِيبْ"و" كِيكِّيه "و "القَرْبانِيات" ؟ و كيف تهتدى في واد "المَلْكَه" بين "اعديلت ول أحمد الحمد " و "أعديلت لفكارين "و" تفرغ زينه " إذا وجدتها تبدلت ب: (القدس و الرياض و بغداد و المبروك و المدينة المنورة) ؟

- و أخيرا كيف لا يحتاج بناهي ولد سيدي ، إلي دليل في "لَمسِيلَه" ، إذا وجد أن مقاطع مهمة منها - و إن كان لم يذكرها في طلعته - من قبيل : (سَيْل و اسْويْل يُورْ و سَانِي و الوَذَّانْ .) يتحتم عليه البحث عنها بين : (باب السلام و نجد و البصرة و دار النعيم )؟

و كأنني ببكار ولد إسويد أحمد تائها بمنطقة" رأس الفيل" ، متمثلا بقول الشاعر :

العَارَفْ ما لي بيهْ لَـعْــدْ *** يَغـيـْرْ الـْبـَلُّ عـارَفْ

ظَـلَّيتْ انْسَوَّلْ مـجـتْهَــدْ *** قومْ امْعاهمْ متْعارفْ

عنْ بلْ الْعارفْ كيفْ حدْ *** ما يعْـرفْ بلْ الْْعارفْ

و ذلك بعد أن وجد نفسه ، يقف بين (أم القرى و الشفاء و البلد الطيب و الصفاء)

و على الأمير إذا أهتدى ، أن يأخذ بيد صاحبه القائل :

لدى جنب رأس الفيل من قِبْلَ ساحلي *** فتاة لقاها عندنا غير زاحل

وإن كان جل القوم في الغيد واحــــلا *** فلست في غيد سواها بواحل .

النهاه ولد أحمدو

22442289


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2023-11-28 10:44:07
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article38286.html