تعيش عائلتا المواطنين الموريتانيين أحمد ولد عبد العزيز ومحمدو ولد الصلاحي أجواء من الفرح واستقبالات الزائرين والمهنئين في الهاتف لم تكن تتوقعها هذه الليلة وذلك فور سماعهما نبأ وصول ابنيهما إلى مطار نواكشوط قادمين من قاعدة اغونتنامو الأمريكية التي قضيا فيها أكثر من عشر سنين، وقد عبر بعضهم بالابتهال لله عز وجل والسجود له، رغم ان الخبر لم يتأكد بعد وسالت دموع شقيقات أحمد ولد عبد العزيز شوقا إلى أخ مفقود منذ أكثر من عقد من الزمن في قاعدة اغونتنامو بخليج الخنازير.
هي دموع تحكي قصة عشر سنوات من فقدان الأبناء والشوق إليهما أو حتى خبر يصل عبر المنظمات الدولية والصليب الأحمر أو صورة فوتوغرافية من أحمد ولد عبد العزيز وهو يبتسم، أو مكالمة هاتفية بصوت محمدو ولد الصلاحي، كما يتذكر الأهالي قصة رجلين اعتبرا أن وطنهما ظلمهما يوم تقاعس عنهما، ولكلا الرجلين قصة ولهما حكايتان منفصلتان وإن جمعتهما المعاناة والنسيان، كما جمعهما النسب.
ولد الصلاحي .. خيانة وطنية
لرحلة مهندس المعلوماتية محمدو ولد الصلاحي الي اغونتنامو، قصة بطلها المفوض دداهي ولد عبد الله مدير أمن الدولة في عهد نظام ابن عمه معاوية ولد سيدي احمد الطائع، الذي ظل المفوض دداهي علي مدي 21 سنة يده التي يبطش بها وأذنه التي يسمع بها. القصة بدأت مساء الثلاثاء 05 رمضان 1922 هـ الموافق 20 نوفمبر 2001،عندما غادر ولد الصلاحي منزل اهله في بوحديدة، بعد ان أفطر مع والدته وأخيه وبعد ان أم المصلين لصلاة التراويح في مسجد المنطقة، متوجها الي منزل أحد اقاربه في تفرغ زينة ليلتحق بجماعة من ابناء عمومته لتناول عشاء رمضان، وبعد وصوله المنزل بدقائق رن هاتفه وكان المتحدث المفوض دداهي شخصيا، الذي استدعاه للقدوم عليه في مكتبه بادارة أمن الدولة وهي دعوات تعود عليها محمدو ولد الصلاحي من دداهي منذ احداث الـ 11 سبتمبر .
وبعد مغادرته طواعية الي ادارة الامن بربع ساعة، اتصل ولد الصلاحي بأحد افراد الجماعة ليبلغه بان لا ينتظرونه بالعشاء وانقطع الاتصال. ولم يعد محمدو ولد الصلاحي تلك اليلة الي منزله ولا في الصباح وفي المساء اتصل احد اخوته بدداهي الذي له به معرفة، ليرد عليه بأنه كان في رحلة الي اسبانيا عاد منها البارحة الي مطار نواكشوط الذي منه ذهب مباشرة الي اطار ولا علم له باستدعاء اخيه وانه سيعود غدا الي نواكشوط. وفي الغد اتصل شقيق محمدو مرة ثانية بالمفوض دداهي، الذي اعترف له بوجود اخيه لدي ادارته وطمأنه علي حاله وأكد له انه غير معتقل وإنما هو في مكان آمن لحمايته من المخابرات الامريكية التي تلاحقه وحذره من علم الصحافة او منظمات حقوق الانسان بوجود محمدو لدي ادارة الامن لان ذلك سيعرضه للخطر وهو ما اقتنع به الاخ المسكين واقنع به والدته وأفراد الأسرة الذين حافظوا جميعا علي امتثال توصيات دداهي واعتبروه من تلك اللحظة اخا نصوحا يحرص اكثر منهم علي سلامة ابنهم وكان ذلك سببا في بدء نسيج علاقة حميمة بين الطرفين، أراد منها اهل الصلاحي الاعتراف بجميل دداهي والاطمئنان علي أحوال ابنهم وأراد منها المفوض دداهي التستر علي مؤامرة تسليم ولد صلاحي للأمريكيين بعيدا عن الانظار والتهم واراد منها منافع اخري.
واستمرت هذه العلاقة 15 شهرا، داوم خلالها اهل الصلاحي علي تلبية جميع طلبات ابنهم التي تصلهم عن طريق دداهي والتي ساور بعضهم الشك فيها نظرا لحجمها الا ان بعضهم فسر ذلك بانه ربما يكون يقدم مساعدات للقائمين علي شؤونه وحمايته، التي ظل دداهي يوهمهم بانها تحتاج الي عناية فائقة، كما كان يشرف بنفسه على إعادة ملابسه متسخة كل أسبوع الي أهله ليوهمهم بأن ابنهم ما زال في انواكشوط، وقضت إدارة الأمن تكيد للأهل سنة كاملة وثلاثة اشهر الي ان ابلغوا رسميا من طرف الصليب الأحمر أن ابنهم محمدو، قد تم اختطافه وتسليمه إلى قاعدة اغونتنامو الأمريكية، التي مر خلال رحلته اليها بكافة انواع العذاب في معتقلات الاردن وفي سجن باغرام بافغنستان مدة 8 أشهر قبل وصوله اغونتنامو، عندها انكشف لاهل الصلاحي الوجه الحقيقي لدداهي، الذي لم يكتف بتسليم ابنهم، الحامل لكتاب الله المجازى في تسع قراءات له، بل ظل يبتزهم وبحجة انه يحفظه من كيد الامريكيين الذي اتضح انه سلمه لهم بعد استدعائه له ب 48 ساعة في مطار نواكوشوط العسكري. مريم والدة محمدو ولد الصلاحي ناشدت عدة حكومات موريتانية أن تتدخل حتى تتم استعادة ابنها إليها محملة أجهزة الأمن تلك الخيانة العظمى التي قالت إنها تنتظر يوما سيحاكم فيه كل المسؤولين عن هذه الجريمة، وابيضت عيناها من الحزن وفقدت بصرها قبل ثلاث سنوات، وأخيرا رحلت مريم عن الدنيا قبل شهر دون أن تكتحل عيناها بابنها المفقود خلال هذه الفترة.
أحمد ولد عبد العزيز .. معتقل في باكستان بالتعاون مع دداهي
أما المعتقل الثاني فهو رجل أعمال موريتاني كان يمارس التجارة بين دبي وباكستان وهو أحمد ولد عبد العزيز، قضى سنوات يمارس التجارة الألكترونية في هذه البلاد، ولكن أجهزة المخابرات الأمريكية كانت له بالمرصاد حين وصل إلى مدينة كراتشي الباكستانية بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات الموريتانية، المعروفة حينها بدداهي، والتي دخلت كل بيوت أقاربه في العام 2001 بحثا عن أي معلومات تقود اليه وقام ذات مرة مفوض شرطة بتفتيش دقيق لمنزل أهل النجيب اسرة أحمد ولد عبد العزيز. ومنذ أن اعتقل أحمد ولد عبد العزيز، ولا مكالمة واحدة تصل عنه إنما هي رسائل خطية يحذف منها الكثير أو صور فوتوغرافية يحاول فيها جاهدا نزع الابتسامة من شفاهه. وبعد اعتقال ولد عبد العزيز أنجبت له زوجته الهندية طفله محمد وعمره الآن إحدى عشرة سنة وقد خضع لعملية جراحية في الرأس قبل عدة أشهر في العاصمة الهندية نيو دلهي.
هل سيطوي هذا الملف..؟
حسب المصادر المتطابقة فإن المعتقلين وصلا إلى مطار انواكشوط ولكن أجهزة الأمن قد احتجزتهما من المطار مباشرة، وهو ما يطرح مزيدا من ألأسئلة، هل وصلا حقا؟ الاثنين ام احدهما مع آخر كان معتقلا في باكستان، كما أشيع؟ فهل أجهزة الأمن التي رحلت أحدهما من وطنه وتخابرت علي الآخر، ستلحقهما بملف المعتقلين السلفيين الذين لا يعرف أحد مكانهما بالضبط؟ أم هي مجرد إجراءات أمنية بسيطة سيتم بعدها إطلاق سراحهما؟ وهل ستعتذر الدولة الموريتانية عن سنوات من التقصير في حق هذين المعتقلين على غرار ما وقع من معالجات الإرث الإنساني؟ وهل ستتم محاسبة المسؤولين المباشرين عن ما اعتبره بعض الحقوقيين أكبر خيانة وطنية وهي تسليم مواطن إلى دولة أجنبية وهي حالة نشاز في معتقل اغوانتنامو، أي حالة محمدو ولد الصلاحي الذي سلمه بلده إلى الأمريكان؟. ومهما يكن فإن أهالي المعتقلين الآن يتمنون فقط أن تكتمل الفرحة ويتأكدوا من وصول المعتقلين ويطلق سراحهما ويتنفسان الحرية حتى ولو كلفهم الأمر طي هذا الملف والعفو عن كل المتورطين فيه.
هل ستكتمل فرحة اهل الصلاحي وأهل عبد العزيز، بعودة ابنيهما؟!!
هذا ما نرجوه.
موقع ديلول