أسدل الستار مساء أمس على الحوار الذي انطلق منذ شهر بين ما أصبح يعرف بالأغلبية الرئاسية المدعمة ومجموعة من أحزاب المعارضة، وسط كلمات مشحونة بالحماس والرضا عن النتائج التي تم التوصل إليها. ومع أنه لا ينبغي الجزم بأن النتائج التي تم التوصل إليها جاءت مخيبة للآمال خصوصا في ظل الحملة الإعلامية المتفائلة التي رافقت الحدث، إلا أن أقل ما يمكن أن توصف به هو أنها جاءت متواضعة ودون المستوى المطلوب لطمأنة مختلف الفاعلين.
ويكمن الفشل الرئيسي للحوار في تناسي القائمين عليه حقيقة الأزمة الدستورية التي تعرفها البلاد والتي كانت السبب الرئيسي في القبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات. فقد تجاهلت الوثيقة النهاية أية إشارة إلى هذه الأزمة وفشلت في تحديد أي موعد للانتخابات المقبلة كما أنها تجاهلت بالكامل الاحصاء المثير للجدل الذي يعطل إمكانية إقامة لائحة انتخابية كاملة وتوفير بطاقات هوية لكل الموريتانيين. وهو ما يعني أن الأزمة الدستورية التي ولد الحوار لتجاوزها مستمرة إلى أجل غير مسمى. ذلك أن التساؤل الرئيسي اليوم هو متى ستصبح موريتانيا قادرة على تنظيم انتخابات؟
فشل الحوار أيضا على صعيد سد الباب أمام التغييرات غير الدستورية للسلطة، لأنه لم يقترح أكثر من حماية منفذي الانقلابات السابقين من العقاب بينما جاءت ترتيباته المتعلقة بتجريم الانقلابات وتحريم السياسة على الجيش تحصيل حاصل ولم تستطع أن تمس لا وضعية المجلس العسكري الأعلى المشكل من انقلابيين سابقين ولا الوضعية الخاصة لكتيبة الأمن الرئاسي التي كانت المعارضة تصر على تغيير وضعيتها.
وفشل الحوار أكثر فيما يتعلق بإقامة نظام شبه رئاسي أو على الأقل في انتزاع ولو صلاحية واحدة من صلاحيات رئيس الجمهورية. فأي معنى لأن يصبح الوزير الأول مسؤولا أمام البرلمان وكل صلاحيات الرئيس الذي يعينه ويقيله لم تتزحزح قيد أنملة؟ هل يريد المتحاورون القول للرأي العام بأن البرلمان أصبح بإمكانه إسقاط الوزير الأول؟ أو لم يكن البرلمان قادرا على ذلك من قبل؟ أم أن هناك بنودا سرية ستجعل لمسؤوليته أمام البرلمان معنى؟
فشل الحوار أيضا في محور التحديات الأمنية والارهابية لأن التوصية المتعلقة بهذا الخصوص لم تتضمن أكثر من الموقف التقليدي للسلطة، كما جاءت التوصية المتعلقة بإصلاح القضاء عامة مثلها مثل محور الحكامة الرشيدة الذي خلا على وجه الخصوص من أية إشارة تتعلق بالشفافية في التسيير أو بتدقيق شامل في تسيير السلطة الحالية.
وفشل الحوار أيضا في أنه لم يترفع عن استصدار التوصيات على مقاسات بعض المشاركين فيه، مثل القضاء على جزء من النسبية في الانتخابات البلدية، استهداف زعيم المعارضة، تجريم الانقلابات اللاحقة وتمجيد السابقة، اشتراط المشاركة مرتين في الانتخابات البلدية وعدم الحصول على 1 في المائة لسحب تراخيص الأحزاب، تصويت الجيش وحده قبل يوم الاقتراع...
فشل الحوار أيضا لأنه تجاهل المعارضة الغائبة عن الحوار ولم يوجه لها أية إشارة أو دعوة وترك الأمور تسير وكأن كل الطبقة السياسية مجمعة على نتائج هذا الحوار أو كأن الأزمة السياسية انتهت بمجرد التوقيع على التفاهمات بين السلطة والأحزاب المشاركة معها في الحوار.
لم يفشل الحوار على مستوى تلك المحاور فحسب، بل تضمن تناقضات تضع علامات استفهام كبيرة حول مدى مصداقية نتائجه. فاللجنة المستقلة للانتخابات أنيطت بها مسؤولية الإشراف الكامل على الانتخابات، غير أنها عليها أن تعتمد في الجانب الأهم من عملها على إدارة خاصة في وزارة الداخلية! كما أنه في الوقت الذي تم فيه التوصل إلى اتفاق يجرم تنفيذ الانقلابات ودعمها، لم يجد رئيس الجمهورية حرجا في الإشادة بانقلابي 2005 و 2008 باعتبارهما أفضل الطرق لتصحيح الاختلالات!
كل ذلك لا يعني أن نتائج الحوار لم تتضمن إجراءات مهمة خصوصا لتدعيم الأحزاب السياسية ودعم مشاركة المرأة في الحياة البرلمانية، غير أنها لا ترقى لمستوى التطلعات وليس بإمكانها حتى أن تشكل دليلا على الرغبة في الانفتاح والاعتراف بالأخطاء.
أقلام