يوم احتقر الوزير المدرسين وتجاوز حدود اللباقة (مقال )
وكالة كيفة للأنباء

استطاع وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي المندفع في الحزب الحاكم ودون عناء أن يجمع عشرات أطر وزارته أساتذة ومعلمين وبحضور أهم رجالات حزب الإنصاف ، وذلك بهدف نقل صور حية ونشر خطاب للرأي العام وللحكومة مفاده أن الأسرة التربوية بشكل كامل هي داعمة للحزب الحاكم في الإستحقاقات المرتقبة، وبعد ترشيحاته المثيرة للجدل، وفي مجمل حديثه أمام الحضور وفي تحد سافر لكل قيم الإحترام ونكأ لجراح لم تندمل بعد حين رفضت اغلبية هذا الحزب في البرلمان بالأمس القريب منح أي امتياز لهؤلاء يأتي الوزير لمصادرة آرائهم والإلتزام بإسمهم بالولاء لحزب الإنصاف جاعلا من برامجه التي لم يسود لها بعد عصا سحرية لحل كل مشاكل القطاع.

إننا في هذا الصدد لا نحسد الوزير على النجاح فيما فشل فيه أسلافه على مدى عقود من المحاولات ،وتعذر ذلك عليهم رغم ما كان من ظروف وبيئات سياسية أكثر ملاءمة في أكبر دكتاتوريتين عرفهما البلد أيام ولد هيداله ومعاويه.

لم يعد أحد يتصور يوما أن يتدحرج الوضع إلى هذه الدرجة من التردي وفي وقت قياسي، فقد أعيى النقابات المهنية ونشطاء المدرسين الحاملين لهمهم أن يجتمع عشرة منهم على ما يصلح شأنهم ويرد اعتبارهم ويتدارك القليل الباقي من كرامتهم التي يدوسها العسكري البسيط وعامل الغابات والبواب ومدير الشركة فضلا عن الوالي والحاكم وكبير الجند فعند هؤلاء جميعا لا يساوي المدرس شيئا مذكورا وأصبح اسمه عند الذاكرين"أكريراي".

وفي غمضة عين يتواجد هؤلاء في اللحظة غير المناسبة لتلقين الكبار بعد الصغار دروسا في النفاق السياسي والمحاباة والتجرد المطلق من أدنى درجات الكبرياء والنخوة وهم الأكثر غنى عن ذلك ولهم من الهموم والمشاكل ما يشغلهم عن إهدار ذلك الوقت والخروج بذلك المظهر المشين.

لقد كان مؤسفا حقا أن يساق من يعهد إليهم بتعليم الأجيال الفضيلة بذلك الشكل المهين فيسمحون لأنفسهم بلعب ذلك الدور المسرحي السيئ الإعداد والإخراج .

إنه أمر يحز في القلب ويجعلك تتمزق من الداخل وإنه لمدعاة للقلق والخوف من المستقبل.

تصور معي لو تنادى المدرسون بهذا الحجم للمطالبة بحقوقهم المهنية والمادية والمعنوية المهدورة .

تصور معي لو اجتمعوا بهذه القوة والتوحد من أجل فرض تحسين نوعية التعليم ورفع الأجور وتنفيذ نظام الأسلاك.

تصور معي لو كان هذا الاجتماع من أجل تدارس النتائج المخجلة، التي تحققت في الامتحانات الوطنية من أول سنوات الإصلاح المزعوم إلى فجر إطلاق المدرسة الجمهورية.

لكم يا معشر المدرسين شأن يغنيكم: مئات المدارس مغلقة وعشرات المدرسين عزفوا عن التعليم فتفرقوا في الداخل والخارج يطلبون رزق الله بعد أن صارت رواتبهم لا تشتري وصفة واحدة لطفل مريض.

لكم ما يشغلكم عن هذا الحشد فأنتم الأحوج و الأفقر بين جميع الناس "فلا تريدون علوا في الأرض ولا فسادا".

لقيتها ليتني ما كنت ألقاها

تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها

أثوابها رثة والرجل حافية

والدمع تذرفه في الخد عيناها

بكت من الفقر فاحمرت مدامعها

واصفر كالورس من جوع محياها

إن المهمة التي أوكلت لكم هي أن تقوموا بالعمل التدريسي على الوجه الأكمل وبكل إخلاص و تفان وعلى ذلك تتقاضون راتبا زهيدا لا منة لرئيس أو غيره فيه عليكم فهو مدفوع من ضرائب يؤديها الجزار والغسال وبائعة الحلوى والمساويك وغيرهم.

يجب على المدرس تلبية رغبة رؤسائه فيما يخدم العملية التربوية وطبقا للقوانين والنصوص التي تنظم ذلك المجال ،أما أن يطمع هؤلاء في إملاء آراء ومواقف سياسية على المدرس فذلك هو أبشع مظاهر الإهانة والاحتقار فلكل واحد حزبه الذي يريد وتياره السياسي الذي يرغب ومذهبه الفكري الذي يروم.

أنتم صفوة المجتمع وأنتم النخبة لما تسلحتم به من علم وثقافة ولما حباكم الله به من وعي ونضج فكيف تنهارون إلى هذا الحد وكيف ترضخون لأساليب الابتزاز والترغيب والترهيب.

انتم وحدكم من يستطيع قبض راتبه والتمتع بحريته والتمكن من كرامته والجلوس بعيدا عن أوكار التصفيق والتمجيد والكذب على الشعب.

أيها المدرسون أتطمعون مقابل موقفكم هذا أن تظفروا بإذن للصيد، برخص للتنقيب،بقطع أرضية في (الصكوك اوتفرغ زينه) بمقاولات ، بتوظيف أبناء أو زوجات ، بتعيين أبناء القبيلة ، بامتيازات أخرى.؟

قطعا لا فكيف لا تحرصون على ربحكم ورصيدكم الوحيد : الكرامة والإباء؟

ماذا قدم النظام للمدرسين حتى ينفضوا إليه بعد أن تحول التعليم إلى مدارس خاصة وأخرى عسكرية وثالثة تمييزية لا يرتادها غير أبناء الحاكمين والأغنياء ثم انتقل التعليم العام الذي هو مكان أبنائكم من الكارثة إلى المأساة.

لقد أسأتم بفعلتكم هذه إلى أهليكم و وطنكم الذي يعيش جحيما من العطش والجوع وغلاء الأسعار ويواجه أسوء مراحل تدني الخدمات في كافة الميادين .

يجثم على صدوركم من الهم والغم ما يصرفكم عن دعم خزب لم يفلح في تقارب وجهات نظر فرقائه وفشل في إقناعهم في اللعب بروح الفريق كما طلب منكم معاليه حزب عبثي يفرق الموريتانيين حزب أسس لإشباع نزوات العسكر ، وترسيخ حكم الفرد ونفوذ القبيلة وسرقة الحلم الديمقراطي وتمزيق لحمة الشعب.

ما هي الفائدة التي ينتظرها المدرس أيها المجتمعون من منتخبين سيلقي بهم هذا الحزب رغما عنكم مسيرين ومشرعين؟

ما مصلحة المدرس في نظام حكم متخلف يتحالف مع كبار الضباط والتجار ورؤساء القبائل والمشعوذين والسماسرة والأطر؟

إنها لمفارقة عجيبة فقد كان يفترض أن يقود المدرسون جميع هؤلاء إلى حيث يختارون فيفرضون الإصلاح ويسهمون في توجيه قطار البلاد وتثبيته على السكة بدل أن يصبحوا دمى تافهة في أيدي رسل حزب كرتوني لا يملك رؤية ولا برنامجا تمتطيه زمرة من عبدة المنفعة وسدنة المخزن.

هل يمكن أن يتم التعامل مع أصحاب العربات ورعاة الغنم وما سحي الأحذية وغيرهم من الفئات التي لم تتح لها فرصة التعلم بنفس الأسلوب الذي اقتيد به قدوتنا معشر المدرسين ؟

هل يمكنكم بعد هذا اليوم المشؤوم أن تقدموا دروسا لأطفال أمتكم في التربية المدنية وفي قيم المواطنة وحول امتثال الصدق والتحلي بالشجاعة و نبذ النفاق والجبن والكذب؟

صحيح أن أكثرية الحاضرين لهذا الحشد غير موالية للنظام وغير جادة فيما تعلن غير أن ذلك لا يليق بمنزلة المربي ورسل العلم والحق فهم مصدر الإلهام بكل الخصال والمزايا الفاضلة وهم المصباح الذي ينير الطريق للجميع.

قبيح على المثقف الناضج، المربي المتعلم أن يؤمن بأشياء تافهة زائفة يرفعها نظام همجي ظلامي مستبد ، وأقبح من ذلك أن يتظاهر بعكس ما يضمر فتلك علامات التزحزح إلى الدرك الأسفل من النار.

النهاه ولد أحمدو

22442289


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2023-03-27 12:43:12
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article36521.html