موريتانيا تدفع ثمن الحرب على مالي
وكالة كيفة للأنباء

تتأثر موريتانيا، البلد العربي الذي تمتد حدوده الجغرافية مع جمهورية مالي على أكثر من ألفي كلم، بشكل كبير بالحرب الفرنسية على جارتها، بالرغم من سياسة النأي بالنفس التي اتخذتها الحكومة الموريتانية. وتزداد معاناة المحافظات المتاخمة لمالي والتي تعاني جفافا قاحلا بسبب انعدام الامطار التي يعتمد عليها ابناؤها في الزراعة والرعي وتربية المواشي.

خسارة المراعي بعد السياحة

وبينما لا تتمتع مالي بمنفذ بحري، وتستورد 90 في المئة من وارداتها عبر موانئ بحرية موريتانية، وهي البلد الأكثر فقرا في القارة السمراء، فإن تأثر الموريتانيين بالحرب يتجاوز تلك الصادرات الموريتانية من الأسماك ومواد البناء، والصادرات المالية من الحبوب والحمضيات. وقد تراجعت الصناعة السياحية، التي من أبرزها قرار فرنسا عام 2007 إلغاء رالي باريس ـ داكار. وهذا كانت خمسون في المئة من محطاته تتموضع على الأراضي الموريتانية، فكان موسما مدرا للدخل يكسب خلالها سكان الشمال والشرق الموريتانيون ما يعينهم خلال أيامه الثمانية. لكن تلك الخسارة لا تقارن بنتائج الحرب. ففي مطلع شهر ايار/ مايو من كل عام يبدأ البحث عن مراع في مالي المجاورة، وقد اعتاد الموريتانيون، الذين يملكون وفق إحصاءات رسمية ما يزيد على العشرين مليون رأس من الجمال والأبقار والأغنام على تلك الزيارة الموسمية للمنتجعات المالية التي تتمتع بموسم أمطار مبكر، فيقومون بتغذية غالبية مواشيهم. وهذا تقليد يعود الى قرون، وهو أحد أنماط الارتباط الشعبي بين البلدين، ضمن تواصل دائم من خلال علاقات تجارية وعرقية. فموريتانيا لا تعرف الأمطار قبل شهر تموز /يوليو، وتعتمد على مراعي جارتها، في بلد يرى فيه العربي في شمال مالي أن الموريتانيين يشكلون امتدادا عرقيا وقبلياً له. وتشكل قبائل "كنته" وبطونها التي ينحدر منها الشيخ سيدي المختار، وهو واحد من ابرز الزعامات الروحية (قام السلفيون بتدنيس ضريحه في الشمال المالي)، ويعيش أسلافه وقسم من أحفاده في موريتانيا.

اللاجئون الماليون... والموريتانيون

وظل تقاطر اللاجئين الماليين على الأراضي الموريتانية تحت السيطرة طيلة سيطرة الجماعات الإسلامية المسلحة على الشمال المالي خلال عام 2012. غير انه مع بدء الحرب الفرنسية في الاسبوع الثاني من كانون الثاني/يناير 2013، بدأت مسألة النازحين تشتد. في المجال الإنساني، استقبلت موريتانيا أكثر من من مئتي ألف لاجئ. وازدادت معاناة اللاجئين الهاربين من هول القتال تفاقما بعد اكتشاف موريتانيين ينتهزون فرصة المساعدات، ويهجرون قراهم في الشرق الموريتاني ويسجلون أسماءهم على أنهم لاجئون في مخيمات الإيواء من أجل أخذ المساعدات التي تعطيها هيئات الإغاثة الدولية. وهو عائد للفقر والجفاف القاحل. واليوم، بعد المعارك الضارية، بدت مخيمات اللاجئين في "امبره" و"باسكنو" شرقي موريتانيا عاجزة عن استقبال الموجودين فيها أصلا، فكيف بالقادمين الجدد، علاوة على مشكلة السكن، ما قلص من الحصص الغذائية المقدمة من قبل المنظمات الدولية العاملة في المخيمات وارغم الحكومة الموريتانية على التدخل وتقديم مساعدات في المدينة، يحتاج اليها فقراء موريتانيا، وهم أبدى من سواهم بنظر الموريتانيين.

رفض العودة

ومع تراجع الجماعات الاسلامية المسلحة من الشمال المالي، خاصة من مدن "كيدال" و"تينبكتو" و"غاوا"، ومع عودة بعض اللاجئين إلى الشمال المالي رفض غالبية اللاجئين الماليين في الشرق الموريتاني العودة الى قراهم بسبب التصفيات العرقية التي تعرض لها ذووهم من العرب والطوارق. وكذلك تظاهرت مئات من اللاجئات الماليات رفضا لعودتهن الى بلادهن. وقالت نازحات في مخيم "امبره"، شرقي موريتانيا، انهن لا يعتزمن العودة إلى ديارهن في شمال مالي ما لم يتم التوصل إلى اتفاق ما بين الحكومة في باماكو والحركة الوطنية لتحرير أزواد المستقرة في مدينة "كيدال"، أقصى الشمال المالي. سوء تغذية وأمراض ويعاني اللاجئون اليوم خطر سوء التغذية الحاد، وتقول منظمات إنسانية إن الأطفال والنساء معرضون للموت. فمنظمة "اطباء بدون حدود" تقدر أن واحدا من بين كل خمسة أطفال من اللاجئين في مخيم "امبره" الذي يوجد فيه خمسة وخمسون ألف نسمة، يعاني سوء التغذية، وتؤكد أن سبعين في المئة منهم لم يتلقوا تطعيما ضد مرض الحصبة. ووسط هذه التطورات، سارعت موريتانيا مطلع شهر نيسان/ ابريل الى ايفاد بعثات من الجهاز الموريتاني للاحصاء، بقصد تعداد اللاجئين بشكل رسمي.

مراجعة للتاريخ

طيلة الاعوام الخمسين الماضية، لم يعش ابناء الشمال المالي استقرارا يذكر. ففي العام 1963 ثاروا على موديبو كيتا رئيس مالي الأسبق الذي واجههم بقمع شديد، وعمليات ابادة. وفي مطلع تسعينيات القرن الماضي قاد اليساري السابق إياد أغ غالي، رئيس تنظيم أنصار الدين حاليا، ثورة على سلطات باماكو. واليوم يدفع هذه الشعب العربي والطوارقي الثمن في محيط يعاني الاضطراب، ومنشغل عنهم. وهو ما انتقده قادة الحركة العربية الازوادية في اكثر من مرة، ووجهوا نداءات متكررة للبلدان العربية المحيطة للتدخل، حيث سلطات باماكو هي الخصم والحكم. ولعل الرابح الوحيد من الحرب في جارة موريتانيا، هو وسائل الإعلام الموريتانية التي تشكل اليوم المتنفس الوحيد لأمراء الحرب، وبينهم موريتانيون، وبعض الماليين من الطلاب السابقين في الجامعات الموريتانية.

نقلا عن السفير العربي


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2013-05-07 17:00:00
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article3611.html