عندما يجري الحديث عن التهميش غالبا ما تتجه الأنظار نحو الأقليات العرقية، ويم التركيز غالبا على التهميش الثقافي خاصة إذا كانت هذه الأقليات تتحدث بلغة مختلفة ولديها ثقافة وعادات مغايرة.
و قد تحدثت القيادية التاريخية في الحركة الوطنية ل "مجابات" عن الحوار المرتقب و القضايا الأساسية المطروحة من أجل تعايش سلمي بين كافة مكونات الشعب. وبالنسبة للنائب كادياتا فإن المشاكل المطروحة ليست ثقافية فقط ،وانما هي مشاكل تتعلق ببنية الدولة وعدم الانتباه لها يعني عدم الرغبة في حل مشاكل الدولة.
وبالنسبة للحوار تقول النائب أنه "أمام استمرار إصرار المعارضة على المطالبة به، بدأ النظام نوعا من التجاوب مع هذا المطلب لكن من دون أن يسميه حوارا، بل تشاورا، وهو ما أكده رئيس الحزب الحاكم خلال الاجتماع التمهيدي الذي تم منذ أيام. وبالرغم من ذلك تستمر المعارضة في القول بأن ما تسميه السلطة تشاورا هو نفسه الحوار الذي تطالب به، الشيء الذي لم نعتده على مستوى المعارضة. والحقيقة أن السلطة لا تريد الحوار، وأن المعارضة لا تملك قوة ضغط لإجبارها على القبول به".
س1: اتخذتم قرارا مؤخرا بعدم المشاركة في التشاور الوطني المزمع تنظيمه، ما مبررات اتخاذ هذا القرار في وقت جنحت فيه كل الطبقة السياسية تقريبا إلى الجلوس على طاولة واحدة من أجل البحث عن حلول لمشكلات البلاد؟
أشكر مجابات على إتاحة هذه الفرصة، وبالنسبة لموقفنا المتعلق بعدم المشاركة في الحوار الذي تشارك فيه القوى السياسية كلها، ربما كان هذا السؤال غير مطروح بالنسبة لنا لكوننا نفتقد الصفة المطلوبة للمشاركة، ولكنني كسياسية ومعي مجموعة سياسية لدينا وجهة نظرنا في كلما يجري في الساحة.
ألاحظ أن هذا الحوار الذي يتم الحديث عنه منذ عامين وأكثر، يتحدثون عنه في المعارضة ويطرحونه كمطلب منذ مجيء الرئيس محمد الشيخ الغزواني، وهم يسعون بشكل حثيث للوصول إليه، ونحن نعتقد أنه يمكن أن يتم في إحدى حالتين: الأولى وهي أن تكون لدى النظام قناعة بوجود مشاكل لدى البلد، وهذه مشكلة يتطلب حلها وجود إجماع وطني، حيث تمكن مناقشتها واستخلاص موقف موحد لتجاوزها.
أما الحالة الثانية فهي أن تمتلك المعارضة ميزان قوة ضاغط، لا يسمح للنظام بتسيير الأمور كما يريد، غير أنه في نفس الوقت لا يوفر القوة الكافية لإسقاطه، بل يكفي فقط لجعل النظام متأكدا من عدم قدرته على المضي بالأوضاع كما يريد. في هذه الحالة نصبح أمام طرفين كل منهما مدرك لحاجته للحوار مع الأخر، وهذا مالا نلاحظه اليوم، في وقت تخلت فيه المعارضة عن النضالات التي كانت تقوم بها وبدت مشتتة وضعيفة، وبحاجة ماسة لاستعادة عناصر قوتها، حتى يتم النظر إليها كقوة فعلية في الساحة.
لكن المعارضة بدلا من ذلك أصبحت تركز كل جهودها على المطالبة بالحوار، وهي لا تفتأ تكرر بأن البلد في أزمة، في حين أن قادة النظام -على العكس من ذلك، بدء برئيس الجمهورية ووزرائه- لا يفوتون أدنى فرصة للتأكيد على عدم وجود أزمة، وبالتالي على انعدام الحاجة إلى الحوار.
ومع ذلك وأمام استمرار إصرار المعارضة على المطالبة به، بدأ النظام نوعا من التجاوب مع هذا المطلب لكن من دون أن يسميه حوارا، بل تشاورا، وهو ما أكده رئيس الحزب الحاكم خلال الاجتماع التمهيدي الذي تم منذ أيام. وبالرغم من ذلك تستمر المعارضة في القول بأن ما تسميه السلطة تشاورا هو نفسه الحوار الذي تطالب به، الشيء الذي لم نعتده على مستوى المعارضة. والحقيقة أن السلطة لا تريد الحوار، وأن المعارضة لا تملك قوة ضغط لإجبارها على القبول به.
ولفترة استمر الحال هكذا من دون أن نعرف متى سيتم الحوار ولا من سيشارك فيه حتى الأيام الماضية، عندما وجه رئيس الحزب الحاكم دعوة لما سماها الأحزاب الشرعية المعترف بها لدى وزارة الداخلية إضافة إلى مرشحي الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لحضور الجلسة الأولى، وهو ما يعني أن السلطة ليست مهتمة وأنها تدفع باتجاه أن يحصل هذا التشاور فيما بين الأحزاب فقط. وعندها فهمت المعارضة بأن الأمر لا يتعلق بحوار ولا حتى بتشاور، إذ أنه حين تكون السلطة غير معنية بالمسألة فلن تكون لها أية جدوائية. وسبق لنا التأكيد على ذلك أكثر من مرة، انطلاقا من وعينا بأن مشكلات البلد لا يمكن حلها من خلال التصرفات غير الجدية.
أعلن الرئيس غزواني أن الحوار لن يستثني أي موضوع، برأيكم
هل هناك أمل في أن ينجح المتحاورون في حل ملفات معقدة مثل ملف الإرث الإنساني؟
تقولون بأن الرئيس محمد الغزواني صرح بأن كل المواضيع يمكن أن تناقش! أولا كما سبق وقلت لكم، هو لم يسمه حوارا وإنما تشاورا، وقد ترك المسألة فيما بين الأحزاب السياسية، بمعنى أنه هو شخصيا لن يتدخل فيها وكذلك الحكومة. ثانيا، أي معنى للقول بأنه لن يتم استثناء أي موضوع؟ في حين أن الحوار بين الفرقاء السياسيين، معارضة وسلطة حاكمة، لا يمكن أن يتم إلا حول محاور ومواضيع محددة وهامة تعرقل تقدم البلد، حيث لا يمكن تصور اتفاق طرفين سياسيين حول كل شيء اللهم إلا إذا كانا يسعيان للإتحاد أو لأن يصبحا شيئا واحدا.
وهذه مسألة خطيرة على البلد وعلى الديمقراطية، إذ لا يمكن تصور النظام الديمقراطي من دون معارضة وسلطة حاكمة، وعندما لا يكون ذلك هو الحال فلا يمكن الحديث عن الديمقراطية، ومن المؤكد أنه لا يصب في مصلحة النظام الحاكم نفسه الذي يحتاج وجود معارضة قوية تؤطر مطالب المواطنين وتعمل على حل مشاكلهم بالضغط على النظام ودفعه للعمل من أجل تحقيق هذه المطالب والقيام بالإنجازات.
والمعارضة هي الأخرى يجب أن تثق في نفسها وتعمل بجد لتكون بديلا عن النظام القائم الذي تتنافس معه ولا يجب أن تتفاهم معه حول كل شيء.
ومن ناحية أخرى، هناك مشاكل البلد المطروحة التي يعرفها الجميع منذ حوالي ثلاثين سنة، والتي تجعلنا ندور في نفس الدوامة. بعض هذه المشاكل قد لا يستدعي حوارا، فعندما نأخذ مثلا مسألة العبودية، نجد أن الجميع قد ناقشها واتفق على تجريمها والنصوص القانونية واضحة في هذه القضية، وكلما ينقص هو تطبيق تلك النصوص مع وجود إرادة سياسية تعمل على خلق ظروف تحمي ضحايا هذه الممارسة وتؤدي إلى تغيير فعلي لأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، فما الذي يمكن أن يستجد في نقاش هذه القضية؟
لكن هناك مشاكل أخرى ما تزال مطروحة، كمشكلة الإرث الإنساني والوحدة الوطنية، التي يملك كل فريق سياسي وجهة نظر يختلف فيها عن الآخر، وهي قضية لا يمكن للحوار حلها لأنها ليست مشكلة أحزاب سياسية أو برامج سياسية، وإنما مشكلة تعني الجيش نفسه، ومادام أن الجيش لم يوافق بعد على ضرورة أن يوجد لها حل يرضي الجميع، وخاصة ذووا الضحايا، فلا تمكن من وجهة نظري مناقشتها بصفة جدية، لأن البعض سيرفض مبدأ نقاشها على أساس أنها تخص ملفا تمت تسويته وطي صفحته ولا فائدة من مناقشته مجددا، فبالتالي لا أرى أن هذا الحوار يمكن أن يحل هذه القضية، كما لا أرى جدية حوار يناقش فيه كل شيء، وبالتالي فهو ليس سوى مجرد ملهاة للمواطن عن مشاكله ومحاولة لزرع أمل لحلها، لكن في الحقيقة لن يكون قادرا على حلها.
تظل مسألة التعايش بين المكونات الوطنية، مصدر قلق بالنسبة
للسياسيين الحريصين على مستقبل البلاد، ما هي أبرز العقبات التي تعترض سبيل الانسجام الوطني؟
يبدو لي أن مشكلة التعايش مطروحة لكل المجتمعات، أما خصوصيتنا نحن فتتمثل في كون هذا المشكل من تركة المستعمر زرع خلافات بين المواطنين وترك لنا حدودا غير طبيعية فرقت بين المكونات لتترك بعضها أقلية داخل دولة وبعضها أغلبية. وقد عرفت بلادنا أول هزة ضمن هذا الإطار سنة 1966 كان لها طابع ثقافي وأدت إلى مواجهات مؤسفة.
لكن البلد في تلك الفترة نجح في تجاوز تلك الوضعية لأن الشرخ لم يكن عميقا على مستوى الشعب والدولة، إذ أن القائمين على الشأن العام كانت لديهم رؤية ومستوى من التفاهم حول إدارة البلاد، وأيضا بفضل ميلاد معارضة لم تكن معترفا بها غير أنها نجحت في أن تشكل بوتقة للوحدة الوطنية وأن تجمع ضمنها مختلف المكونات وفي أن تلقي الضوء على التناقض الرئيسي القائم بين منهم في السلطة وهذه المعارضة الوحدوية بدل ترك الأنظار مركزة على التناقض المفتعل بين المكونات الوطنية.
وخلال تلك الفترة خفتت حدة المطالب المرتبطة بالهوية إن لم تكن اختفت في بعض الأحيان، لأن المعارضة الوليدة حينها تبنت جميع المطالب وأصبح بإمكان مختلف الفئات المجتمعية أن تجد من يمثلها سواء داخل السلطة الحاكمة أو تلك المعارضة.
غير أن التناقضات بين المكونات الوطنية ستحتل الواجهة بعد الانقلاب العسكري وعلى امتداد الأحكام العسكرية التي تعاقبت على الحكم. وهكذا سينطلق تعميق الهوة وتوسيع الشرخ بين المكونات إلى أن تحصل أحداث 1989 و 1990 و 1991، وتخفيف حدة هذه التناقضات وتسوية المشاكل المرتبطة بها هي مسألة تتعلق بتسيير السلطة التي هي المسؤولة عن كل هذا وهي من تسببت فيه لتستمر في الحكم كما تريد على حساب بعض المكونات وبعض الفئات.
يتعلق الأمر هنا بغياب الإرادة السياسية لتسوية هذه المشكلة، لأنه في النهاية ليس من مصلحة من يحكمون تسوية التناقضات بين الشعب بل إذكاؤها وإطالة أمدها لدرجة تجعل السكان ينسون أن النظام هو المسؤول الرئيسي عنها وهو من ينبغي الضغط عليه لحلها، وينشغلون بالمواجهة فيما بينهم.
كثيرا ما عبرت بعض المكونات الوطنية خصوصا من الزنوج الموريتانيين، عن شعورها بالتهميش السياسي والثقافي؛ ما هي أبرز مظاهر التهميش الثقافي التي تعاني منها تلك المكونات؟
بالنسبة للمشاكل فهي ليست ثقافية فقط كما سأوضح لكم، لكنها مشاكل تتعلق ببنية الدولة وعدم الانتباه لما نشاهده اليوم يعني عدم الرغبة في حل مشاكل الدولة، فمثلا عندما يكون هناك احتفال رسمي في مناسبة عيد الاستقلال سنلاحظ أن واجهة المنصة التي يجب أن تمثل الدولة الموريتانية لايظهر فيها سوى عنصر واحد، وكذلك عندما تتم الدعوة اليوم لاحتفال رسمي في قصر المؤتمرات، وكأنه لا وجود للفئات الأخرى في موريتانيا، والمثال الثاني يتعلق بالجيش الموريتاني فالضباط الساميون لايمكن أن نتجاهل كونهم جميعا من عنصر واحد، أما البقية فيمكن عدهم على رؤوس الأصابع، والجنود كذلك من نفس الفئة، وهذه وضعية غير سليمة، فالجيش الوطني لا ينبغي أن يكون ضباطه من مكون واحد وجنوده من فئة واحدة، بمعنى أن الرتب العليا والنفوذ بيد مكون والأعمال الثانوية من نصب مكون آخر، هذه بعض الأمثلة.
ويبقى التعليم مشكلة أخرى، فمن يشاهد اليوم مدارس الامتياز لايمكنه أن يقول بأن الموريتانيين متساوون في الفرص، وهذا يعود لنظام تعليمي فاسد، فمع ضعف المعدلات، فإن النجاح يبقى من نصيب مكون واحد، وهذه مشكلة لأن هذا ما يلاحظه الناس جميعا. انظروا إلى وسائل الإعلام، يكفي أن نقوم بحساب عدد الساعات المخصصة لبعض المكونات الوطنية الذي لايتجاوز 1/10 من الوقت المخصص للبث وكأن التلفزيون والإذاعة الموريتانيتين ليستا موجهتين للمكونات الوطنية الأخرى.
وقد تم طرح هذه المشاكل عدة مرات، وهذا كله موجود ولم أتحدث بعد عن فرص العمل ومجال الأعمال. لقد أصبحت الدولة كلها في يد مكون وأنا لا أقول بأن عنصر البيظان وجد كله حصته من هذا الغبن، إنما هناك أقلية داخله تتحكم في كل شيء وهي من بيدها وسائل الدولة ولديها مصلحة فيما هو قائم، والصورة التي يقدم النظام للآخرين هي أن كل البيظان لديهم مصالح في الدولة، وهذه إحدى المشاكل التي لابد للجميع أن يجد لها حلا، ولم أتحدث بعد عن الحالة المدنية.
إذن بالعودة إلى المجال الثقافي، بالنسبة لي تجب مراجعة النظام التربوي لإعطاء لكل ذي حق حقه، كما أن وسائل الإعلام يجب أن تقدم الأنباء والمعلومات للجميع ليصبح الكل متساوون في متابعة النقاشات العمومية.
فكيف تتصورون الحالة عندما يقوم الوزراء بتقديم آرائهم باللغة العربية، وكأن الآخرين لايهمهم الأمر، فنشرة الأنباء باللغة العربية تستمر لساعتين، بنما لا تأخذ النشرات باللغات الوطنية أكثر من عشر دقائق وهو ما ليس عدلا والقول بأن النشرة تم تقديمها لهم باللغة الفرنسية ليس مناسبا لأنها ليست لغتهم ولا تقدم فيها هي الأخرى كل الأخبار، فكل الأخبار المهمة يتم تقديمها في نشرة الثامنة باللغة العربية، ولا أتحدث هنا عن النقاشات في قطاعات الدولة، وهذا جزء من مشاكل كثيرة تعاني منها مكونات هذا البلد وتشعرها بالتهميش.
نقلا عن مجلة مجابات