قال تعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "و أماالزبد فيذهب جفاء أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"صدق الله العظيم.
أثناء مرور قافلة الحرية بكيفه، وخلال مبيت الوفد في هذه المدينة القديمة، جائنا الأستاذ السيد ولد صمبه انجاي الذي أعلن - بسرعة وبتحمس فاجأنا كلنا- استعداده لتمثيل منظمة إيرا، بصفة مؤقتة، في كيفه. وبالفعل تم قبول طلبه نظرا إلى أنه أستاذ فلسفة يخدم في هذه الولاية، ومن المفروض أن يكون لقراره أساس صلب، ونظرا لكونه تلميذ قديم لاحد قادة إيرا مما مكنه من الحصول على ثقتنا دون أن نبحث عن خلفياته ومآربه. وهكذا رجع الوفد إلى انواكشوط وترك السيد ولد صمبه انجاي في حالة قبول مبدئي مع حالة تربص في انتظار تنظيم زيارة له ولكل المناطق التي مرت بها القافلة من أجل مساعدة المنخرطين الجدد مثله على تشكيل ممثلياتهم ومكاتبهم بصفة متأنية ورسمية.
وبالتالي فعلاقتنا بالسيد ولد صمبه انجاي بدأت منذ أقل من شهرين فقط، ولم نتحدث معه أكثر من ساعة واحدة حول إجراءات انخراطه وأساليب نضالنا وثوابتنا الفكرية والحقوقية. مع ذلك فاجأنا بإصدار بيان استقالة من منظمة لم يكمل بعد إجراءات انضمامه لها! ويتحدث كما لو أنه مناضل من السابقين الأولين والصفوف الأمامية! وذلك لمجرد إعلان الحكومة عن وكالة ما تزال تنتظر نقاشا برلمانيا، وما تزال قضيتها معروضة للنقاش أمام المكتب التنفيذي لإيرا نفسها التي لم تصدر موقفا رسميا منها، وإن تناولها بعض قادتها بآراء جيدة تتماشى مع نظرتنا للأمور.
لقد تبين من الفترة القصيرة التي قضاها "الأستاذ" ممثلا غير رسمي لمنظمتنا أنه لم يستوعب مبادئ إيرا التي تقوم أساسا على الصدق والعفة والشهامة والصبر والانضباط والتأني عند إعطاء الخبر. فلأول مرة في تاريخ نضالها تعتذر إيرا لشخص عن شكوى تقدمت بها ضده في مسألة ذات علاقة بالإسترقاق، وذلك بسبب تعجّــل ولد صمبه انجاي. فقد تقدم السيد ولد صمبه انجاي بشكوى ضد النقيب المختار ولد آكجيل لكونه منع سيدة من الزواج بدعوى أنها عبدة له. وتبين في ما بعد أنه أخطا في حق هذا النقيب وظلمه وقذفه بمنكر القول وتقوّل عليه زورا. فكان لابد لإيرا، انطلاقا من صدقيتها ومصداقيتها، أن تعتذر رسميا للنقيب وتسحب تلك الاتهامات التي انبنت للأسف على فبركة من رجل يبدو أنه في عجلة من أمره كله.
لقد قرأنا اليوم رسالة وجهها السيد الاستاذ لرئيس الدولة ووقعها بوصفه ممثل إيرا في العصابه، وهو بالنسبة لنصوص المنظمة مجرد واحد من عناوين إيرا إلى حين التنصيب الفعلي لممثلياتها. وبالتالي فالمنظمة تعتبر استقالته متسرعة شأنها في ذلك شأن انخراطه في إيرا أصلا وشأن شكواه ضد النقيب. أما عن محتوى الرسالة، فإن المنظمة غير معنية به لأن الاستقالة موجهة إلى جهة أخرى ليست إيرا قطعا (وذلك تسرع آخر). ولكننا نقدم، بوصفنا جزء من الراي العام، بعض الملاحظات المبدئية على بعض ما ورد فيها :
قال "الاستاذ" إن إنشاء وكالة لمحاربة آثار الرق "قطعت ألسنة المتاجرين بالقضية". والواضح أن هذا الحدث لم يقطع إلا لسانه هو؛ فلعله الوحيد المتاجر بها، والدليل على ذلك هو سرعة دخوله في إيرا، وسرعة شكواه من النقيب، وسرعة تراجعه عن الشكوى، وسرعة خروجه من إيرا، وسرعة رد فعله على الوكالة، وتقديمه لاستقالته إلى رئيس الجمهورية! (أول شخص في التاريخ يقدم لرئيس دولة استقالته من منظمة مدنية حقوقية مستقلة حرة وغير عمومية و غير معترف بها رسميا . إنها مسخرة القرن).
إن الوكالة ـ كما قال رئيس إيرا من قبل ـ لن تنجح في مهمتها بدون الإنعتاقيين ..فهي سوف تحارب مخلفات الرق، أما إيرا فتكافح الرق نفسه كممارسة. وليست الوكالة المعنية سوى ردة فعل خجولة من النظام على تصعيد إيرا وإظهارها نهارا جهارا زور وكذب كل الدعاوي الصادرة عن النظام وأزلامه ومتصيدي الوظائف ونكرانهم للرق على الرغم من صدق وجدية الشكاوي كلها إذا ما استثنينا قضية النقيب ولد آكجيل التي هي من مسؤولية الأستاذ المتربص.
لقد كان على ولد صمبه انجاي أن يعلم أن الهيئات والمؤسسات لو كانت كافية لكان الرق قد قضي عليه منذ زمن بعيد. وهنا نذكر السيد الاستاذ بأن فكرة إنشاء وزارة لمحو الأمية كان الهدف منها محاربة آثار الرق ! فما هي النتائج؟ وفكرة إنشاء وزارة التنمية الريفية كان الهدف منها محاربة آثار الرق. فما النتيجة؟ وفكرة إنشاء بنك القرض الزراعي كان لمحاربة آثار الرق. فما النتيجة؟ وإن إنشاء مفوضية حقوق الإنسان والعمل الإنساني والدمج كان لمحاربة آثار الرق. فمن المستفيد وما النتيجة؟ وإن إنشاء اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان كان لهدف محاربة آثار الرق ! فمن المستفيد وما النتيجة؟
كان على أستاذ الفلسفة الذي يفهم أكثر من غيره علاقة الفكرة بالواقع، أن ينتظر مرحلة التموضع لكي يقيم هذه الوكالة التي هي مجرد مشروع قانون قد يموت في المهد إن لم يولد ميتا كهيئة الإفتاء والمظالم و المحكمة السامية والمسجد الكبير. وهو مصير محتوم لهذه الوكالة إذا لم ترافقها الإرادة الصادقة لفعل شيء جديد ومخالف لكل ما قيم به حتى الآن. فهل نحن قادرون على ذلك؟
ثم إن سبب إفلاس المشاريع التي تكون دائما في البداية طموحة وتنطلق من فكرة جيدة هو التصفيق والزغردة والرسائل المفتوحة والتهانئ السابقة لأوانها وملتمسات التأييد. خاصة أن أصحاب تلك التبريكات المعروفة يتركون غالبا أرقام هواتفهم لـ"من" يريد الاتصال عليهم !
لقد أعلن السيد ولد صمبه انجاي أن إنشاء وكالة لمحاربة مخلفات الرق قد قطع لسانه، و أعلن أنه كان متاجرا بالقضية و أعلن أنه يعرض بضاعته للبيع و أنها لن تبور مادامت المسؤولية تابعة لرئيس الجمهورية. أما نحن فطموحنا لموريتانيا عموما وللحراطين خصوصا يتجاوز ذلك بكثير. وسنبقى صامدين منافحين إلى أن يتحرر آخر مسترق في هذا البلد و تتحقق المساواة و العدالة بين كل المواطنين.