ظلت مقاطعة كنكوصة بولاية لعصابه "الاستثناء السياسي"بالمنطقة، فمنذ بداية التعددية السياسية في البلد استطاع تحالف الأطر والوجهاء المصطفين دوما إلى جانب حكام البلاد أن يستمروا في السيطرة "المجانية" على الجماهير وسوقها إلى صناديق الاقتراع لتصوت لما يشيرون إليه وبأبسط التكاليف التي لا تتعدى في بعض الأحيان تقديم مصباح(ظواي) أو قليل من ذخيرة "بوفلكه" إلى "مسؤول القرية" أو ملحفة تافهة تقدما زوجة "البطرون" لنظيرتها في بيت "المسؤول المحلي".
لقد ملكت هذه المجموعة الضيقة رقاب الآلاف من المواطنين دون أن تقدم لهم شيئا، فالفاقة والعوز والعطش والحرمان هي ما يعيشه الفركان" و"آدوابه" " ولكسور" الذين يعيشون على هامش الحياة دون أن يشفع لهم سخاؤهم مع من يدفعون بهم كل مرة إلى الكراسي الهزازة والسيارات الفارهة والظلال الوافرة وإلى الكؤوس الصفراء والحمراء.
تتم العملية وتغلق صناديق الاقتراع أبوابها في مقاطعة كنكوصه فلا يجد المواطنون من يردهم إلى قراهم رغم حماس "الساسة" أول النهار في تمكين هؤلاء المساكين من التصويت.
يتوارى "البطارين" في انواكشوط وفي الخارج تاركين الآلاف يندبون حظهم العاثر فإذا حان الموسم عادوا لتكرار نفس "المؤامرة" وهكذا دواليك دون أن يستفيد الضحايا من الدروس ودون أن يتفكروا ولو لحظة في مرارة تجارب الماضي فهم مشدودون كل مرة بتهييج العواطف القبيلة التي تعمي أصحابها فلا يطلقون نظرات العقول.
يفتقر سكان هذه المقاطعة الكبيرة إلى الحد الأدنى من التغطية التعليمية والصحية ولا يجدون "شربة" ماء لأطفالهم وتظل غالبية السكان مضطرة في المناطق الحدودية للعلاج ولجلب المياه الصالحة للشرب من الجمهورية المجاورة.
هناك عشرات القرى التي تفتقد إلى أي عنوان للدولة وهناك من مظاهر الفاقة والفقر ما لا عين رأت ولا خطر على بال بشر.
لم يجلب الأطر ولا المنتخبون نفعا مهما كان تافها ، لا مشاريع تنمية، لا مرافق أو مصالح اجتماعية ، لا قروضا أو منحا زراعية.
هم مواطنون مجبرون على التصويت دوما ضد مصالحهم ومستقبلهم مدفوعين بطبقة لا تهتم إلا بمصالحها الضيقة والمتاجرة بالبرآء في سوق النخاسة السياسية.
لقد عجزت جميع الأحزاب التقدمية أن تجد لها موطئ قدم في هذه المنطقة التي استطاع فيها "تحالف الاقطاع والمخزن" أن يدجن جميع السكان تقريبا بالترغيب والترهيب ويحولهم إلى أسرى لا يرون طريقا للهروب.
لقد عاد هؤلاء مجددا وبدأوا في ممارساتهم الهدامة وباشروا تنفيذ مخططاتهم لتكريس الواقع المر على السكان؛ حيث باتوا يحشدون هذه الجماهير هنا وهناك ، و في زمن الهدنة السياسية، وكأنهم يستعجلون أي طارئ من وعي أو صحوة أو رفض يتسرب خلسة إلى عقول هذه الجماهير المغلوبة على أمرها، المتعطشة على من يفك أسرها و يخرجها من حجيم مؤامرة عمرت لعقود.