النقل الجوي،
حصيلة سنة من كوفيد 19 والآفاق
بقلم فال منكوس *
"خلال 65 يومًا، خسرت حركة النقل الجوي ما اكتسبته على مدى 65 عامًا". كانت هذه هي العبارة التي أدلى بها الرئيس المدير العام لشركة الطيران الألمانية لوفتنزا (LUFTHASA) السيد كرستن اسبور (Carsten Spohr)، مخاطبا مساهمي المؤسسة في يوم 5 مايو الماضي .
تتسم الأضرار بعنف لا يصدق حيث أعلنت خمسة عشرة شركة طيران على الأقل في عام 2020 نهايتها: شركة الخطوط الجوية الإيطالية (ALITALIA)، ميامي للطيران الدولي (MIAMI AIR)، شركة طيران لفل (LEVEL) ، خطوط جنوب إفريقيا الجوية (SOUTH AFRICAN AIRWAYS) ، إلخ. "وأفلست ما بين 20 و30 شركة أخرى"، ذلك ما أعرب عنه بكل أسف ألكسندر دي جونياك (Alexandre de Jiniac) المدير العام للمنظمة الدولية للنقل الجوي (IATA). حيث ذكر أنه بدون مساعدات إضافية لشركات الطيران، فلن تبقى على قيد الحياة. "
حسب التقرير السنوي لشركة بيانات الطيران العالمية سيريوم (Airline Insight Review) (CIRIUM) ، الذي نُشر بتاريخ 29 ديسمبر الماضي، شهدت الرحلات التجارية النظامية في العالم أكبر انخفاض، حيث تم تسجيل 13600 رحلة فقط وذلك عند وصول الحظر الجوي ذروته في 25 إبريل 2020, هذا مقارنة بأكثر أيام السنة ازدحامًا، 3 يناير 2020 الذي عرف أكثر من 95000 رحلة تجارية نظامية وهوما أدى إلى انخفاض استثنائي بنسبة 86%.
وطبقًا لتقرير منظمة الطيران المدني الدولية، الذي نُشِرَ بتاريخ 20 يناير 2021، تقلصت حركة الركاب العالمية في عام 2020 بنسبة 60% مقارنة بعام 2019 لتعود إلى مستوياتها المسجلة في العام 2003. هكذا تمت خسارة ما يقارب عقدين من النمو في هذه الصناعة وبسبب هذه الجائحة تكبدت شركات الطيران حول العالم خسائر بلغت 370 مليار دولار في سنة 2020.
كما تكبدت المطارات ومقدمو خدمات الملاحة الجوية خسائر بلغت 115 مليار دولار و13 مليار دولار على التوالي. إن هذه الوضعية، بحسب منظمة الطيران المدني الدولية، "تثير التساؤلات حول جدوائية اقتصاد قطاع الطيران وتهدد ملايين وظائف الشغل حول العالم".
يشير تحليل البيانات الواردة من تقرير سيريوم (Cirium) إلى أنه في عام 2020، سجلت شركة ساوث ويست للطيران (Southwest Airlines) ، الشركة الرائدة في مجال الطيران منخفض التكلفة (Low Cost)، أكبر عدد من الرحلات الجوية على مستوى العالم (وفي أمريكا الشمالية)، بلغ مجموعها 896300 رحلة. وفي الوقت نفسه، تصدرت الترتيب في آسيا والمحيط الهادئ خطوط جنوب الصين الجوية (China Southern Airlines) (520500 رحلة)، وريان أير (Ryanair) في أوروبا (210200 رحلة)، وآزول (Azul) في أمريكا اللاتينية (144800 رحلة)، والخطوط الجوية القطرية (84100 رحلة) في الشرق الأوسط. وفي قارتنا الإفريقية، تحتل الخطوط الجوية الإثيوبية (Ethiopian Airlines) المرتبة الأولى بـ 43200 رحلة.
وضعية السياحة
كان عام 2020 هو الأسوأ في تاريخ السياحة العالمية، حيث انخفضت بنسبة 74%، وبسبب قيود السفر الناتج عن الإجراءات الاحترازية (إغلاق 100% من الوجهات السياحية العالمية) تقلص عدد السواح بين مختلف دول العالم بمقدار مليار سائح.
كما شهد هذا القطاع انخفاضًا في الناتج بقيمة 1300 مليار دولار أمريكي في عام 2020، من أصل 1500 مليار دولار أمريكي كانت هي ما تحقق في العام 2019. وللتذكير، يمثل هذا الرقم "أكثر من 11 ضعفًا للخسارة المسجلة خلال الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008"، ذلك حسب منظمة السياحة العالمية في تقريرها السنوي المنشور بتاريخ 28 يناير.
وطبقا لهذا التقرير، تهدد الأزمة ما بين 100 إلى 120 مليون وظيفة شغل مباشرة في جميع أنحاء العالم، أغلبها في مؤسسات صغيرة ومتوسطة الحجم منها 20 مليون وظيفة شغل مباشرة مهددة في إفريقيا، حيث كانت أضرار هذه الأزمة اقتصادية أكثر منها صحية.
لقد صرح الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية، زوراب بولوليكاشفيلي (Zurab Pololikashvili) قائلا: "لقد تم القيام بالكثير لضمان سلامة الأسفار الدولية لكننا ندرك أن الأزمة هيهات لها أن تكون قد انتهت. تعد المواءمة والتنسيق ورقمنة التدابير للحد من مخاطر السفر المرتبطة بـ كوفيد 19، والكشف والتتبع وشهادات التطعيم، أساسية لتوفير أسفار آمنة يمكن ان تفح الباب أمام استئناف السياحة".
استنادًا إلى سيناريوهات منظمة السياحة العالمية، يمكن افتراض أن السياحة الدولية ستستغرق عامين ونصف إلى أربع سنوات للعودة إلى مستويات العام 2019.
الحصيلة في إفريقيا
على الرغم من أن القارة السمراء تعتبر أقل معاناة نسبيًا بالجائحة، إلا أن الأضرار التي لحقت بالنقل الجوي ليست مهملة. حسب معطيات المنظمة الدولية للنقل الجوي، انخفضت حركة المرور في إفريقيا بنسبة 58% وبلغت الخسائر 14 مليار دولار. وهو ما أدى إلى أن توقف أربع شركات طيران عملياتها بما في ذلك خطوط جنوب إفريقيا الجوية (South Africa Airlines) وتم وضع اثنتين أخريين قيد التسوية القضائية كما هو الحال بالنسبة لشركة طيران موريشيوس (Air Mauritius).
تكبدت شركات أخرى كثيرة خسائر قياسية ولم تَبقَ حتى الآن إلا بفضل دعم حكومات دولها. هذه هي حالة الخطوط الملكية المغربية التي سجلت خسائر فاقت 320 مليون يورو ووضعت خطة إعادة هيكلة مع إعلان إلغاء 858 وظيفة عمل،
منها أكثر من 600 غادروا الشركة بالفعل في سياق عمليات التسريح الاقتصادي والمغادرة الطوعية، وبيع الطائرات لتقليل الأسطول وتخفيض تكاليف الاستغلال، إلخ.
إن الخطوط الجوية الإثيوبية، أقوى شركة طيران في القارة، هي واحدة من القلائل في العالم التي أنهت عام 2020 مسجلة أرباحا. ومع ذلك، فقد عانت من خسائر فادحة في الإيرادات خلال العام الماضي على الرغم من تكيفها السريع مع الأزمة من خلال التركيز على نقل البضائع وإعادة الأفارقة الذين تقطعت بهم السبل في العديد من البلدان.
هذا وقد أعلنت جمعية الخطوط الجوية الأفريقية (AFRAA) إنها لا تتوقع عودة إلى الحالة العادية في إفريقيا قبل 2023 أو حتى 2024.
في موريتانيا:
كان عام 2020 عام أزمة اقتصادية في موريتانيا أكثر منه عام أزمة صحية. تم إغلاق الحدود الجوية لمدة 7 أشهر تقريبًا، من منتصف مارس إلى منتصف سبتمبر. كان لهذا الإغلاق المفاجئ والشامل لنشاط الطيران آثاره السلبية على القطاع بأكمله. وبحسب الأرقام والمعلومات التي تم تداولها بين المهنيين فقد تم تسجيل البيانات التالية:
قامت شركة أفروبورت (AFROPORT)، التي تسير مطار نواكشوط، بتسريح حوالي 50 موظفًا. ألغت وكالة سلامة الملاحة الجوية في أفريقيا ومدغشقر (ASECNA) جميع أنواع المزايا لموظفيها، ومهدت الطريق للمغادرة الطوعية للأطر في مقرها بداكار وذهب العديد منهم بالفعل. كانت وكالات السفر، التي يبلغ عددها حوالي 100 قبل الأزمة، توظف ما يقارب 1500 شخص.
واليوم اختفت الغالبية العظمى من هذه المؤسسات. وفي قطاع الفنادق، أعلن إفلاس ما لا يقل عن 3 فنادق كبيرة، بما في ذلك واحد من الفنادق ذات الأربع نجوم القليلة في نواكشوط (فندق الطفيلة).
قد يتساءل المرء كيف عاش كل هؤلاء الأشخاص ضحايا Covid19 في العام 2020.
الموريتانية للطيران (MAURITANIA AIRLINES) هي شركة طيران فتية، تضررت نسبيًا من الأزمة بفضل قلة الالتزامات الشهرية والإيجارات المستحقة الدفع على طائراتها. ومع ذلك شهدت انخفاضًا في حجم مبيعاتها بنسبة 48% في عام 2020 مقارنة بعام 2019. وقامت بنقل 98.000 من الركاب فقط في عام 2020 بدلاً من 280.000 في عام 2019. كما استفادت من بعض عمليات شحن البضائع في العام المضي جنت من خلالها الشركة دعمًا ماليًا. ومع ذلك، تظل مساعدة الدولة ضرورية لضمان بقاء هذه الشركة.
الآفاق والعواقب على الصناعة
على الرغم من أن هذه الأزمة غير مسبوقة، فإنه لا يمكن تصور مستقبل بدون نقل جوي. لكن كيف يمكن أن يبدوذالك؟ وما هي التغييرات التي يمكن توقعها بعد هذه الأزمة؟ إن ظهور العوامل التالية قد يؤثرر على أقتصاد الطيران في مستقبله.
• من العولمة إلى الإقليمية
أظهرت دراسة حديثة أنه منذ بداية الأزمة ومع وجود القيود على الأسفار الدولية تم الاعتماد أكثر على التبادل الثنائي بين دول الجوار في نفس المحيط الإقليمي لتعزيز المخزونات والاحتياطات. وقد تبقى هذه الوضعية قائمة بسبب قيود منع السفر بين الدول.
وفي هذا النطاق يظهر أحدث تقرير صادر عن منظمة الطيران المدني الدولي (المذكور أعلاه) أنه في حين تم استئناف الأسفار بين دول نفس الإقليم، والتي هبطت من متوسط 250 مليون مسافر قبل الأزمة إلى 100 مليون حاليا، فإن عدد المسافرين الدوليين يبلغ 20 مليون، وهو أقل بكثير من معدل 160 مليون قبل الأزمة.
• تراجع نظام منصات الربط في المطارات (HUB)
تعتمد شركات الطيران التقليدية الكبيرة على منصات ربط مركزية يتم فيها ربط الرحلات القصيرة المدى برحلات المسافات الطويلة. ويتم توجيه الركاب في شبه المنطقة إلى نفس النقطة (HUB) قبل التوجه إلى مطارات الوجهة النهائية. إن هذا النموذج من الربط (منصة على شكل نجمة) المسمى هب (HUB) يخلق شبكة قوية، تمكّن شركات الطيران الكبيرة من بلوغ وفرات في الحجم وإقامة حواجز متينة تمنع من دخول منافسين جدد.
ولكن هذه العمليات لا تتم إلا بموافقة الركاب. حيث أن الوجهات تترتب عليها مسارات طرقية متعددة. وفي الظروف العادية، قد تتم مراجعة تلك المسارات نظرا لظروف مناخية مما قد يكون مصدر اعتراض من المسافرين. أما في حالة الأزمات الصحية، فإن منصات الربط تشكل مناطق خطر رئيسي على المسافرين لأنه من الصعب ضمان توفير معايير التباعد الاجتماعي في المطارات.
إن الترابط القائم بين الرحلات قصيرة المدى والرحلات طويلة المدى يمثل عائقا كبيرا، هو الآخر أمام عودة هذه المنصات إلى نشاطها الطبيعي. فالنقص في الرحلات طويلة المدى يعني بالضرورة بالنسبة لشركات النقل التقليدية تقليص عدد الرحلات القصيرة المدى. وغياب هذه الأخيرة يجعل من المستحيل ملأ المركبات بالمسافرين للقيام بالرحلات طويلة المدى.
يمكن لشركات الطيران منخفضة التكلفة (Low Cost) التي تستغل نموذج الربط المباشر من نقطة إلى أخرى أن تكون أكثر قدرة على الاستجابة لهذ المتغيرات من خلال فتح وإغلاق مسارات تتجاوب مع تقلبات العرض والطلب والظروف الصحية الطارئة.
• تقهقر رحلات الأعمال
لقد أدى غياب أسفار الأعمال والاجتماعات الحضورية إلى تبني البدائل بشكل مكثف، مثل مؤتمرات الاتصال المرئي والتعاون الافتراضي، الخ. ومن المحتمل، بناء على ذلك، ألا تستعيد رحلات الأعمال المستوى الذي كانت عليه قبل الأزمة. وإذا كانت البدائل الحالية باستطاعتها إظهار قدرتها على زيادة الإنتاجية، فستصبح هذه الرحلات استثنائية وفقط في الاجتماعات السنوية، كما كان قبل 65 عامًا.
• تطور الشحن
حتى الآن، كان نقل البضائع أمرًا هامشيا بالنسبة لقطاع الطيران. ولكن منذ العام الماضي، نما هذا النشاط بشكل كبير في نفس الوقت الذي كان فيه تراجع عدد المسافرين. لقد كان إغلاق المتاجر بسبب الاجراءات الاحترازية وتطور التجارة الإلكترونية من السمات البارزة لهذه المرحلة. وقد شهدت شركات الشحن العملاقة مثل فيديكس (Fedex) ودهشل(DHL) و يوبيس (UPS) زيادة في نشاطها التجاري بنسبة 14,9% خلال عام 2020.
• توطيد أو تجميع السوق
لقد أصبح بإمكان شركات الطيران الكبيرة أو ذات الوضعية المالية الجيدة الاستحواذ على شركات طيران أصغر أو التي أنهكتها آثار الأزمة. على سبيل المثال، استحوذت الخطوط الجوية الكورية (Korean Airlines) في جنوب غرب آسيا على منافستها المحلية آسيانا (Asiana).
وفي أوروبا، اشترت مجموعة إياجى (IAG)(الخطوط الجوية البريطانية(British Airways) ، إبيريا (Iberia)، إير لينكس (Aer Lingus) و شركتي الطيران منخفضة التكلفة فيولينغ (Vueling) و لفل (Level)) شركة ار يوربا (Air Europa) بنصف السعر الذي عرضته لشرائها مباشرة قبل الأزمة وهو مليار يورو في نوفمبر 2019. وفي إفريقيا، قدمت الخطوط الجوية الإثيوبية (Ethiopian Airlines) عروضا للاستحواذ علي الخطوط الجنوب إفريقية (South African Airways) وطيران موريشيوس(Air Mauritius) ، والخطوط الجوية الكينية (Kenya Airways)
• تخطيط أكثر ديناميكية لشركات الطيران
نتيجة لتقلبات التراخيص والظروف التي أحدثتها أزمة كوفيد 19، فقد أصبحت برمجة مواسم الرحلات تتراوح بين ستة إلى ثمانية أسابيع بعد أن كانت في العادة من ستة إلى ثمانية أشهر. وتعمل شركات الطيران على تطوير ردود أفعال سريعة لمواءمة الاسعار واستغلال أساطيلها الجوية بالشكل الأمثل.
• إجراءات التباعد
إن التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى تسهيل إجراءات السفر في المطارات. وستصبح المعلومات الاستباقية الآنية هي المعيار الفعلي. وعلى أي حال، فإننا نسير بشكل متزايد في اتجاه إجراءات سفر تلعب فيها الآلة الدور الأكبر مما يؤدي إلى إجراءات تباعد أكثر بين البشر.
• سحب أو تغيير استخدام بعض الطائرات
إن الطائرات الأكثر استخدامًا حتى الآن هي A320 وB737 أحادية الممر، ويعود ذلك أساسًا إلى استئناف الرحلات الداخلية مقارنة بالرحلات الدولية. ومع الانخفاض الكبير في حركة المرور، سيكون هناك بشكل بديهي فائض من الطائرات. لا تزال نسبة 30% من الأسطول جاثما ويبدو الطلب المستقبلي بطيئًا في العودة إلى مستوياته العادية وسيتم التخلص تدريجيا من الطائرات الكبيرة مثل A380 وB747 في وقت أقرب مما كان متوقعًا. بينما سيتم تحويل طائرات أخرى إلى طائرات شحن لدعم الطلب على هذه الخدمة.
• أولوية تشغيل الجيل الحديث من الطائرات
ستكون طائرات الجيل الأخير هي المفضلة لأنها الأقل استهلاكا للوقود الذي يمثل أكبر تكلفة بالنسبة لشركات الطيران. وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الجيل من الطائرات يعتبر الأكثر احتراما للبيئة وهو ما يتناسب مع السياسات الجديدة لشركات الطيران في هذا المجال "سماء أكثر خضرة". لهذه الأسباب، فإن شعبية طائرة مثل ايرباص «Airbus A321 neo» لها ما يبررها. وبما أن طائرة بوينغ «Boeing 737 Max» ذات ممر واحدً وهي من الجيل الحديث فستكون هذه المرحلة مثاليًة لعودتها إلى العمل.
• استئجار الطائرات بدل شرائها
قد تلجأ غالبية الشركات إلى مناورات "البيع وإعادة الاستئجار" التي تتمثل في بيع الطائرات ثم استئجارها من المالك الجديد. والهدف من هذه العملية هو الحصول على السيولة التي تعتبر ثمينة في أوقات الأزمات. وتتجاوز حاليا نسبة استئجار الطائرات 50%، وبذلك تصبح هذه الطريقة هي النمط الرئيسي لاقتناء الطائرات.
متى نرى نهاية هذا الكابوس؟
إلى متى ستستمر هذه الوضعية السيئة؟ يتوقع محللو المنظمة الدولية للنقل الجوي (IATA)، وكثيرون آخرون عودة محتملة في العام 2023 لحركة الطيران إلى مستوى مشابه لما كان عليه في نهاية العام 2019. في حين يرى آخرون مثل المنظمة الأوروبية لسلامة الملاحة الجوية يوروكنترول (EUROCONTROL) أن ذلك سيتحقق في أحسن الأحوال في العام 2024، وذلك بشرط انتهاء الجائحة خلال صيف 2021. وفي حالة عدم الحصول على أي لقاح فعال، فإنهم يتوقعون استمرار الأزمة إلى غاية عام 2026 أو حتى 2029.
هل سيكون اللقاح كافيا للقضاء على الجائحة؟
إن انطلاق حملات التطعيم بعث الكثير من الأمل في استئناف الرحلات الجوية وعودة الحياة إلى طبيعتها. وتتزايد الضغوط على الحكومات لتسريع اعتماد وثيقة تثبت اللقاح (جواز التطعيم).
سيسهل جواز التطعيم هذا تسيير الرحلات الجوية والمراقبة على الحدود، حيث سيتمكن الأشخاص الذين أخذو اللقاح من السفر دون قيود أو رقابة أو حجر صحي عند الوصول. وسيستعيد بذلك المسافرون الثقة، وتُستأنف أنشطة السفر والسياحة بعد عدة أشهر من التوقف.
وتؤيد الدول التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على السياحة، كليونان وإسبانيا ومصر والإمارات، مثل هذا الحل.
لكن منظمة الصحة العالمية، من جانبها، قد حرصت مؤخرًا على التخفيف من حماس مؤيدي هذا الإجراء. حيث تعتبر المنظمة أنه من السابق لأوانه النظر في تعميم جواز االتطعيم ذلك لأن عملية التطعيم ما زالت في مراحلها الأولى. ويمكن أن يُنظر إلى إدخال جواز السفر الصحي على أنه طريقة لجعل اللقاح إلزاميًا، مما قد يزعج بعض الشعوب. إن إدخال جواز التطعيم من شأنه أن يمنع سفر مليارات الأشخاص الذين يعيشون في بلدان لم يتوفر بعد فيها اللقاح.
إن المنظمة الدولية للنقل الجوي والتي تضم الشركات التي توفر 80% من الرحلات الجوية الدولية، تدعم بقوة جواز السفر الصحي هذا وقد طورت جواز التطعيم ترفل باس (Travel Pass). في حين تعهدت شركات مثل طيران الإمارات (Emirates Airlines) والاتحاد للطيران (Etihad Airways) بأن تكون من بين الشركات الأولى في العالم التي تختبر هذا الجواز.
وبالإضافة إلى المشروع الخاص بالمنظمة الدولية للنقل الجوي، فإنه يتم اختبار العديد من جوازات السفر المماثلة في جميع أنحاء العالم. مثلا كومون باس (CommonPass) حاليا قيد التجربة من قبل فرجين آتلنتيك (Virgin Atlantic) ويونايتد ارلاينز (United Airlines) ولوفتنزا (Lufthansa) وجت بلو (JetBlue) والخطوط الجوية السويسرية .(Swiss International Airlines) وفي الولايات المتحدة، لا تزال شركة أيبم (IBM) في مرحلة تطوير بطاقتها الصحية الرقمية. وأخيرًا، تقوم الخطوط الجوية السنغافورية حاليًا باختبار اوكي باس (AOK Pass) على رحلاتها بين اليابان وسنغافورة، حيث تستخدم آلية قارئ الشيفرة السريع للتعرف على الركاب. وحسب وسائل الإعلام المتخصصة، سيتضمن ترفل باس (Travel Pass) أيضًا نظامًا مشابهًا.
موقع كوارتز (Quartz) الأمريكي يري أن النقاشات الحالية حول جواز السفر الصحي تشبه كثيرا تلك التي سبقت ظهور جواز السفر التقليدي. حيث إن توحيد العمل بهذا الأخير لم يتم الا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
وقد يخف هذا الحماس بقوة بعد ظهور السلالات المتغيرة الجديدة. وقد أعرب ألكسندر دي جونياك، مدير المنظمة الدولية للنقل الجوي، عن أسفه قائلاً: "إن التفاؤل بشأن الاستئناف السريع والمنظم للسفر الجوي في العالم، الذي نشأ عن وصول اللقاحات، قد أضعفته موجات جديدة من العدوى والتحولات الجديدة للفيروس".
ولن ننهي هذا المقال دون مسحة من الأمل.
هناك عالم موازٍ لا يرتدي فيه أحد تقريبًا أي قناع، وقد عادت فيه الحركة الجوية المحلية إلى 95% من مستواها القياسي في نهاية عام 2019. هذا البلد هو الصين. هناك، كل شيء كما كان من قبل، أو يكاد يكون تقريبا. حتى "أسعار تذاكر الطائرات طبيعية هناك"، كما أدلى رئيس اتحاد النقل الجوي الدولي. ووفقا له، فإن هذا الانتعاش الصيني يثبت أن الرغبة في العودة إلى الأجواء مازالت كما هي. ولكن هل سيكون ذلك كافيا؟
(*) فال منكوس
اقتصادي، خريج المدرسة الوطنية للطيران المدني في تولوز، فرنسا
نواكشوط بتاريخ 5 مارس 2021