ارتبط الرقص لدى الشعوب الأوائل بالطقوس الدينية؛ فكان نوعا من التعبير عن الشعور الجماعي.. وكنمط من شكر الله على النصر أو الحصاد الوفير أو لطرد الأرواح الشريرة..
وقد استخدمه اليونانيون لتطوير المسرح الذي كان من أهم عوامل ازدهار الحضارة اليونانية إلى جانب الفلسفة والطب وغيرهما من أصناف العلوم التي شهدت تقدما منقطع النظير في هذه الحضارة، لهذا فالرقص ليس وليد عشية وضحاها؛ إنه قديم قدم البشرية..
وبصورة دائمة، يثبت الرقص أنه فن راق، وأداة من أدوات الرفض الشعبي.. وخير مثال على ذالك (رقصة هارلم شيك( التي تعد أحدث طرق النضال التي جادت بها قريحة الشباب العربي.
و يعود ظهور رقصة (هارلم شيك) في منطقة هارلم في مدينة التناقضات نيويورك1981 حيث منعت ولاية (ديترويت) ثلاثين طالبا من متابعة دروسهم مدة خمسة أيام بعد أن أدووا الرقصة، وهناك من يقول: إن أصل الرقصة هو أستراليا وحيث إننا لسنا أمام دراسة تاريخية لهذه الرقصة؛ فإن ما نرمي إليه هو ظهور أسلوب نضالي جديد يدعى رقصة (هارلم شيك).
وكإسقاط لهذه الرقصة النضالية على المشهد السياسي العربي؛ فقد بدأها المصريون تعبيرا عن رفضهم للحيف والظلم أمام مقر حزب العدالة والتنمية في الجيزة، وأخيرا اجتاحت تونس التي اتحدت السلطة التنفيذية ممثلة في وزير التعليم بانتقاداتها الموجهة للطلبة الذين رقصوا في باحة ثانوياتهم في مدينة مهد الثورة في (سيد بوزيد) كما كان للتيار السلفي دور بالغ في مواجهة هؤلاء الطلبة العُزل، الذين لايمتلكون من السلاح سوى رقصة (هارلم شيك) التي استخدموها للتعبير عن رفضهم للسياسات العمومية المتبعة في تونس من قبل النهضة والترويكا الحاكمة التي لم تجن منها تونس إلا البؤس وزيادة معدلات الجريمة والانفلات الأمني،
وليس ببعيد عنا اغتيال الشهيد الرفيق (شكري بلعيد) وتحديا من الطلبة التونسيين الثوار في وجه الرجعية الدينية المتمثلة في السلفيين والسلطة الحاكمة نظم الطلبة التونسيون يوم الجمعة الماضي رقصة (هارلم شيك) الجماعية أمام مقر وزارة التعليم،
ومن المفارقات أنه في (بلاد السيبة) ونهب المال العام والفساد الإداري والسياسي دعا مجموعة من الحقوقيين إلى مواجهة الأفكار المتطرفة بالرقص وهو ما اعتبره بعض من نخبتنا نوعا من السفه والانحلال الخلقي وسال حبر التطرف والانغلاق كشلالات متلاطمة تضرب في أعراض أصحاب الدعوة التقدمية بلا هوادة وأملنا كبير في أن السيل الذي سيحدثه الحبر سيطهر أرض المنارة والرباط من الحيف والغبن الذي يعاني منه المواطن المغلوب على أمره؛ وسيجتث المركزية الفاحشة في إدارة شؤون البلد،
وبما أننا أمة تقليد بامتياز حتى في طريقة إلقاء الأناشيد الدينية أو النضالية عند طيف سياسي معين؛ فإني أقترح على الجميع من مولاة ومعارضة ومنظمات مجتمع مدني وهيئات شبابية وحقوقية اتباع رقصة (هارلم شيك) في ساحة (جامع ابن عباس) حتى نغسل العار الذي جنيناه على أنفسنا ونتحد وننطلق من أن موريتانيا للجميع وكل (اتلاويحة) وأنتم بألف خير.