لم تكن الإقالة المفاجئة للوزير السابق الشيخ سيد احمد ولد باب من رئاسة سلطة تنظيم النقل البري، والتي ضربت عرض الحائط حتى بالنظم والقوانين التي تقوم عليها المؤسسة والقاضية بمنح رئيسها مأمورية من أربع سنوات مع أنه لم يمر على تعيين الرجل أكثر سنتين!..
وإن لم يكن الإجراء الذي يحمل في مضمونه استخفافا بشخصية لها وزنها وباعها الطويل في الممارسة السياسية وتبوء المناصب السامية في الدولة، أي تأثير على الرجل ولا على مكانته الاجتماعية "المزدوجة" لما يحظى به من تقدير واحترام عند فئته الاجتماعية ولدى مجموعته القبيلة، إلا أنه شكل صدمة كبيرة في صفوف مناصريه..
غير أن قرار الإقالة هذا والذي يحمل في طياته أكثر من علامة استفهام؟ مع أنه فيما يبدو استجابة سريعة من النظام لشكاوى واحتجاجات تقدم بها ثلة من "المرتزقة" وسماسرة المصالح العامة، ممن يضيقون ذرعا من دعاة الإصلاح والنظام بسبب الحنين إلى الفوضى التي تخدم مصالحهم وتعمر جيوبهم الجائعة، دون استبعاد نظرة الحقد والدونية بدافع الغيرة والحسد التي ينظر بها هؤلاء إلى مجموعة من خيرة أبناء الوطن وأبناءه البررة تلك النظرة التي تلقى استحسانا ومباركة ـ فيما يبدو ـ من الرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد أن لاقت شريحة "لمعلمين" التي ينتمي إليها ولد باب منذ أن وصل إلى هرم السلطة قبل خمسة أعوام تغييبا وتهميشا لم يسبق له مثيل.
وإن كان ولد عبد العزيز قد كافئ ولد باب بقرار التنحية وهي خطوة تبعث على الحيرة والاستغراب، على اعتبار أن الرجل وهب نفسه وجند حزبه ومناضليه لدعم الرئيس منذ أن قرر الأخير الترشح لرئاسيات 2009، وساند نظامه ودافع باستماتة عن أداء حكومته ليكون بذلك الحزب السياسي الوحيد من ضمن ائتلاف الأغلبية ـ باستثناء الحزب الحاكم ـ القادر على حشد أنصاره في نشاطات مستمرة شملت كافة أنحاء الوطن لشرح برنامج الرئيس وحواره السياسي الذي جمعه ببعض أحزاب المعارضة، فإن قرار الإقالة لم يأخذ في الحسبان تلك الفئة المغيبة والمحرومة من نفحات التعيين والترقية بعد أن تنفست الصعداء بتولي احد أفرادها لذلك المنصب وإن كان مستنقصا أصلا لشخصية وطنية بحجم الشيخ سيد احمد ولد باب.
لا شك أن الجميع يدرك جيدا أن ولد باب ليس في حاجة إلى منصب من أي نوع وهو الذي تربع على أهم المناصب الإدارية والمواقع السياسية في البلد منذ نعومة أظافره وبجدارة واستحقاق، كما أنه لم يعد خافيا على المتتبعين لما يحدث في الساحة السياسية قيمة الحزب الذي يقوده وما يملكه من قواعد شعبية مؤثرة في كامل مناطق الوطن ـ أي أن قيمة الرجل سياسيا واجتماعيا ستبقى ثابتة ـ ما يجعله محل ترحيب من كافة الطيف السياسي ـ ليس لما يتحكم فيه من ترسانة بشرية هائلة، فحسب بل لحنكة الرجل وبعد نظره وثقافته السياسية التي تندر بين أقرانه..
فخسارة ولد عبد العزيز إن خسر ولد باب ـ وهذا ما لا أتمناه ـ ستكون مضاعفة بقل المقاييس ذلك أن ولد باب ليس شخصية عادية يعامل معها بأسلوب "مهين" تماما كما حدث في قرار الإقالة المفاجئ خصوصا وأن الرجل وهو من انجح بخبرته وتمرسه في الإدارة سلطة تنظيم النقل (حديثة النشأة) لتصبح من بين أهم المؤسسات العمومية التي تزود خزينة الدولة ـ وفي وقت قياسي ـ بمبالغ مالية معتبرة كانت تذهب قبل ذلك إلى جيوب خصوصيين، كما شغلت مئات الشباب العاطلين العمل؛ لتكون بذلك خسارة كبيرة لخدمات إطار متمكن وسياسي محنك له تاريخه الناصع في التأطير والقيادة.
فيما تكمن الخسارة الثانية بالنسبة للرئيس محمد ولد عبد العزيز في تضييع ولاء شريحة اجتماعية عريضة يصطف اغلبها خلف ولد بابه ويعتبرونه ممثلهم الأوحد في الدوائر الحكومية خصوصا بعد ظهور أصوات من داخل الشريعة تدعو للتمرد على النظام باعتباره المسؤول الأول عن تهميش تلك الفئة وحرمانها من ابسط حقوقها!.