یقول لنا المثقفون بأن المعارضة ھي "قوة أو قوى سیاسیة تحمل مشروعا جذریا لقلب المجتمع" أو ھي "أفراد أو مجموعة
یختلفون مع الحكومة على أساس ثابت وطویل الأمد" أو "قوة توازن في وجھ السلطة"...
حین نتساءل الیوم عن مشروع المعارضة وعن طول نفسھا وحتى عن وجودھا، فلا نجد أكثر من ذكریات ممتعة حول بناء ضخم
حولتھ عوامل التعریة إلى ھیكل متھاوي الأركان، أو على الأصح حول حلم جمیل تم اغتیالھ؟ ألیس من الأجدى إذا أن نترك جانبا تلك
التعبیرات المنمقة والفضفاضة، لنتحدث بدلا منھا عن أطلال المعارضة، أو في أحسن الأحوال عن "ما تبقى" من المعارضة؟
في السابق كانت المعارضة تمتلك القدرة على التحدي، تحلم بالتغییر وتمتلك الإرادة لتقدیم شتى التضحیات في سبیلھ، حینھا رفضت
الوضع القائم ونجحت في توحید صفوفھا بل في دمج قواھا الأساسیة، أما الیوم فتبدو غیر واثقة من نفسھا وغیر مكترثة لمستقبلھا!
ودخل الجمیع في صمت ثقیل، اختفى قادة المعارضة في صمت لا یعرف لماذا ولا متى ینتھي.
كانت المعارضة بعد كل معركة –خلال مسیرتھا المشحونة بالتضحیات والانجازات والھزائم- تنبعث من رمادھا مثل طائر الفینیق
لتلملم جراحھا ولتحافظ على شعلة الأمل مضاءة في نھایة النفق.. غیر أن وصول الرئیس محمد ولد الشیخ الغزواني للسلطة حطم
فیما یبدو- أسطورة الطائر الفرید، أو على الأقل استطاع أن یحتجزه في البرزخ لفترة أطول.
ھل یتعلق الأمر بنھایة المعركة التي خاضتھا المعارضة الدیمقراطیة خلال العقود الماضیة -بكثیر من الكفاحیة وقلیل من العقلانیة-
وإعلان الانتصار النھائي للخصم؟ أم لا یعدو الأمر أن یكون تكتیكا طالما انتھجتھ المعارضات "المرھقة" حین تبدأ الانتقال من طور
التحدي وفرض الإرادة لتدخل مرحلة الاستجداء؟ وأیة أسباب تلك التي یمكن أن تقود إلى مثل ذلك المصیر المأساوي؟
بسرعة یعود المثقفون والمفكرون إلى قاموسھم الأنیق لیتحفونا بالحقیقة الناصعة: إنھ "الانغلاق الفكري" و "الاختناق التنظیمي" و
"العجز عن التأقلم مع تحولات المجتمع"، بینما الواقع الذي علینا الاعتراف بھ –ولو كان مرا- ھو أن المعارضة كانت قد أصیبت –
منذ الانفجار الكارثي للساحة السیاسیة بعید انقلاب 2005 -بجرثومة التحول والتي دفعتھا مع مرور الوقت لتصبح جزء من النظام!
لقد فقد الجمیع –وإن بدرجات متفاوتة- "نقاوتھم" وبراءتھم الأولى بعد أن وقع المحظور! تساقط الجمیع –كأوراق الخریف- سواء
في أحضان الرئیس ولد الشیخ عبد الله أو في أحضان العسكر من قبلھ ومن بعده، أي أن المعارضة في نھایة المطاف سقطت في
أحضان النظام الذى بنت مشروعھا على أساس تدمیره وبالتالي فقدت مبرر تمیزھا وحتى وجودھا!
اقلام