سيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني!
وكالة كيفة للأنباء

بداية أبارك لكم وللشعب الموريتاني نجاحكم في الانتخابات الرئاسية التي نظمت خلال شهر يونيو ٢٠١٩ سائلا الله العلي القدير أن يوفقكم ويسدد على الخير خطاكم.

كنت قد كتبت رسالة مطولة إلى الرئيس الذي سينتخب ، دون عنوان محدد ، نشرتها قبل الحملة الانتخابية.

وهذه رسالة مختصرة موجهة إليكم بصفتكم الرئيس الجديد للجمهورية الإسلامية الموريتانية ، تتضمن بعض الأفكار التي أرجو أن تفيدكم في مهامكم المتشعبة .

أول مهمة ينبغي التركيز عليها، حسب تقديري، هي تقييم فترة الرئيس المنتهية ولايته تقييما مجردا للوقوف على ما وقع فيها من أخطاء لتلافيها وأخذ الدروس والعبر منها، لأن شرط النهايات تصحيح البدايات.

- هناك ملفات لا تحتاج إلى موارد مالية وإنما إلى تغيير في المناهج والأساليب في التعامل مع الناس والتركيز على الأولى فالأولى مع أهميتها الرمزية :

— إلغاء تعليق صورة الرئيس في المكاتب والدوائر الرسمية وإن كان ولابد فلتعلق صور كل الرؤساء السابقين بدءا بالأب المؤسس الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله .

— في حال الزيارات التفقدية لأحوال المواطنين ، الاكتفاء بعدد قليل من معاونيكم من المعنيين باحتياجات الناس وإلغاء المسيرات الكرنفالية أو ما يعرف باجتماعات الأطر الاستعراضية لما تسببه من إهدار لموارد الشعب والدولة وتضييع للعمل فضلا عن أنها ترسخ ظاهرة التملق والتزلف التي تهدم قيم المجتمعات.

— لا تتخذوا بطانة تجعلكم خصما للمعارضين أو المواطنين عموما فجودة أدائكم وعدلكم بين المواطنين وإنجازكم على أرض الواقع كل ذلك يغني عن دفاع الموالين بحق أو بباطل .

— إن جاءكم شاعر يثني عليكم بما فيكم أو بما ليس فيكم فارشدوه إلى عدم الحاجة لإذلال نفسه ووجهوه لاستخدام موهبته في تطوير نفسه وتعليم غيره.

— لا تعينوا قريبا أو صديقا في منصب أو مسؤولية لمجرد أنه قريب أو صديق وكذلك وجهوا أجهزة الدولة بعدم محاباة أقربائكم أو أصدقائكم في صفقات الدولة ، بل ينبغي أن يكون المنهج في ذلك هو الشفافية والعدل وحياد الدولة .

— اشركوا جميع فئات وشرائح المجتمع بصورة عادلة في المناصب والمسؤوليات. يشتكي بعض إخوتنا من أن معظم المناصب الوزارية والسفراء ورؤساء الشركات تتقلدها شريحة واحدة من المجتمع..

- خصصوا جانبا من منصة تنصيبكم لمجموعة من أكثر أبناء البلد فقرا ومن جميع الشرائح ،وستلاحظون ما سيترك ذلك من أثر طيب في نفوس المواطنين.

— في ملف العلاقات الخارجية ، ابعدوا البلد عن الاصطفاف والتحالفات وكونوا على مسافة متساوية من جميع الأشقاء والأصدقاء ولتعلموا أن موريتانيا تحتاج إلى الجميع.

وفي الملفات الكبرى أرجو التركيز على المجالات التالية وهي متزاحمة وملحة بحيث يصعب تمييز ايها أولى :
- ركزوا على ملف الأمن الداخلي ،وأمن المدن الذي تدهور تدهورا خطيرا خلال السنوات الماضية . ولا تلتفتوا إلى تفسيرات بعض رجال الموالاة الذين يهونون من موضوع الأمن بمقارنة بلدنا بدول كبرى تعاني من تدهور الأمن. وهذا قياس مع الفارق من زاوية معينة ، فمن أراد أن يقارن فليقارن بالصورة الكاملة . فهل وصلنا إلى مستوى التقدم العلمي أو التكنولوجي أو التعليمي أو الصحي لتلك الدول ؟ إذن فهل يرضينا أن نماثلهم فقط في الجوانب السلبية ؟ . أعتقد أنه بمراجعة السياسة الأمنية ووضع خطة شاملة لمعالجتها فبإمكان رجال أمن بلدنا أن يؤمنوا البلاد والعباد بإذن الله . — ملف الفقر : تقول بعض الإحصائيات إن نسبة الفقر في بلدنا تقدر ب ٣١% وحسب مصادر أخرى فإن النسبة تزيد على ٥٠% . على أية حال، الوقائع تظهر بوضوح انتشار الفقر في طول البلاد وعرضها، ومن السبل السريعة لمعالجته : النزول إلى المناطق الفقيرة : آدوابة وما شابهها لتأمين أسس حياة كريمة لهذه الشرائح .

— زيادة رواتب الجنود والضباط في مختلف الأجهزة الأمنية

- زيادة رواتب المعلمين والأساتذة والأطباء والمهندسين وجميع العاملين في الدولة ومؤسساتها وتشجيع القطاع القطاع الخاص على خطوة مماثلة .

من مؤشرات التنمية :

الاهتمام بملفات التعليم والصحة والبنى التحتية ووضع خطة عملية وطموحة لنقل موريتانيا من ترتيبها الحالي في مؤشرات التنمية (دون ١٤٠) إلى ترتيب ضمن العشر الأوائل. ولن يأتي ذلك إلا بنهضة تنموية شاملة مع الاستخدام الأمثل للموارد . ولعل البداية في هذا الاتجاه تكون بإعادة فتح المراكز العلمية التي أغلقت خلال الشهور الماضية بقرار سياسي ، لأن إعادة فتح هذه المراكز يخدم العلم والتعليم ويمثل بادرة طيبة للانفتاح على كل الاتجاهات الفكرية والعلمية في البلد وذلك يصب بإذن الله في مصلحة النهضة التعليمية.

ومن أهم وسائل تحقيق التنمية المستدامة الشاملة، الاستفادة من تجارب الدول التي نهضت في فترة زمنية قياسية مثل ماليزيا وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتركيا ورواندا، علما بأن حجم مواردنا يفوق حجم موارد بعض هذه الدول .

- ومن وسائل بناء نهضة تنموية شاملة ، تطوير النظام المصرفي ، ومن أفضل سبل تطويره إعلان أسلمته مع مراعاة التدرج. صحيح أنه قامت في بلادنا تجربة للتمويل الإسلامي لكنها لم تنضج بعد ولم تعكس الصورة الصحيحة للنظام المالي الإسلامي القائم على مبادئ العدل وتساوي الفرص .

وهو نظام ، إن طبق بشكل صحيح، ستجني منه بلادنا الكثير من المغانم مثل :

- تشجيع المبادرات الاستثمارية التي تزيد الثروة وتخلق فرص العمل لأن نشاطه يقوم على الأصول الحقيقية ويقلل من الأنشطة القائمة على المداينات، والديون اليوم هي إحدى أكبر أسباب الكوارث والأزمات المالية سواء على مستوى الأفراد والمجتمعات أو الدول.

- التمويل الإسلامي لديه الكثير من الآليات لمحاربة الفقر : القرض الحسن ، التبرعات ، إنظار المعسر ، الأوقاف فضلا عن الزكاة التي هي أحد أركان الإسلام .

فالتمويل الإسلامي يقوم على ركنين أساسين تحتاجهما التنمية وهما : الإنتاج القائم على تشجيع الاستثمار وزيادة الثروة أما الركن الآخر فهو توزيع الثروة ، حتى لا تكون دولة بين الأغنياء، وفق الآليات المختلفة المعروفة.

- غير أن أهم مزايا نظام التمويل الإسلامي هو إيجاد بديل للنظام القائم على الربا ، والربا هو أكبر الكبائر. يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللّه ورسوله. دراسة التجارب التنموية المتميزة

اسمحوا لي ، سيادة الرئيس، بهذه المناسبة أن أقدم لكم بصورة مختصرة الأسس التي قامت عليها نهضة سنغافورة كما يرويها أحد كبار المسؤولين في تلك البلاد ..

كان دخل الفرد في سنغافورة إبان حقبة الاستقلال ٥٠٠ دولار وكان البلد يعيش مثل الدول الفقيرة في إفريقيا . قرر رئيس وزراء سنغافورة النهضة بالبلاد فركز على التعليم وأقام النهضة على الأسس التالية :

MPH

- M : Meritocracy

- P : Pragmatism

- H : Honesty

- يعني الأساس الأول أو الدعامة الأولى الاستحقاق أي أن التعيين في الوظائف إنما يكون بحسب الكفاءة والقدرة والتميز في الأداء والعطاء ، فابتعد السنغفوريون عن تعيين الأقارب والأصدقاء لأنهم يريدون بناء بلدهم بأفضل الكفاءات ، وهذه قاعدة إسلامية أصيلة إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ .

- أما البرجماتية فتعني الانفتاح على جميع الأفكار الإيجابية العالمية فإذا وجدوا ما يفيدهم في النظام الاشتراكي أخذوا به وإن وجدوا جوانب إيجابية في الرأسمالية طبقوها وهكذا وهذا أيضا مبدأ إسلامي عظيم "الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا " ، ((وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا )) .

- اما الأساس الثالث فهو الأمانة والبعد الكامل عن الفساد وأسبابه، فمثلا سجنت الحكومة السنغافورية في إحدى المرات نائب وزير ليس لأنه سرق مالا عاما وإنما لأنه ذهب في إجازة على حساب أحد رجال الاعمال، وهذه ممارسة رائعة لردع الفساد لأن هذا المسؤول قد يحابي رجل الأعمال هذا ويقدم له خدمات لا يستحقها فيضر بالمصلحة العامة . أرادت الحكومة في سنغافورة بذلك أن تبين للناس أنها تبدأ بمحاربة الفساد على مستوى كبار المسؤولين وليس على مستوى الصغار ، وهذا المنهج- معاقبة الصغار وترك الكبار - هو الذي جعل الدول المتخلفة تزداد تخلفا. وهذا كذلك مبدأ إسلامي أصيل ( ولا تفسدوا في الأرض ) ، ( إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ... ).

بتطبيق هذه المبادئ نهضت سنغافورة وحصلت على شهادة تخرج بامتياز من فئة الدول المتخلفة لتتبوأ مكانا مرموقا بين الدول المتقدمة.

صعد دخل الفرد في سنغافورة من ٥٠٠ دولار إلى عشرات الآلاف من الدولارات.

وقد وثق رئيس وزراء سنغافورة، لي كوان ،هذه التجربة في كتاب يستحق القراءة.

واستمرت سنغافورة في نهضتها وتقودها اليوم السيدة حليمة يعقوب وهي إمرأة مسلمة أنجزت منذ تسلمها الرئاسة ١٠ ألاف مشروع وهي تصلي الفجر في المسجد مع بعض موظفاتها وتستقبل المواطنين بعد الصلاة ليعرضوا عليها مشاكلهم. يبلغ الناتج المحلي اليوم لسنغفورة ٣٠٠ مليار دولار.. في بلد لا يتجاوز سكانه ٦ ملايين نسمة ومساحتها محدودة جدا ومواردها قليلة لكنها الإرادة والاستثمار في العقول.

كيف نستفيد من هذه التجارب الرائدة؟

يمكن ذلك من خلال تشكيل فريق من الخبراء الموريتانيين لدراسة هذه التجربة مع تجارب الدول الأخرى التي نهضت مثل ماليزيا وتركيا ورواندا وكوريا الجنوبية للتوصل إلى اقتراحات عملية لنهضة موريتانيا تمهيدا لإخراجها من دائرة الدول المتخلفة لتحجز لها مقعدا ضمن الدول المتقدمة، وليس ذلك أمرا مستحيلا. وبعد أن يقدم الفريق توصياته يدعى لورشة عمل لمناقشة هذه التوصيات والمقترحات، يحضرها رواد التنمية في العصر الحديث في مقدمتهم الدكتور محاضر محمد رائد النهضة الماليزية الحديثة ، وتستخدم نتائج الورشة أساسا لبناء خطة لاستراتيجية تنموية شاملة.

سيادة الرئيس لا يخفى عليكم أن الموريتانيين استبشروا بكلمتكم في إعلان الترشح وقد تضمنت معان راقية من أبرزها إنصاف من سبقكم من الرؤساء، وهذه نقطة مهمة ينبغي أن يدركها الجميع وهي أن التاريخ لا يبدأ مع رئيس معين ، فتجاهل الماضي مسألة عبثية.

أمامكم تحديات كبيرة فالبلد ، لم يقلع بعد على طريق النهضة والبناء وأنتم أهل بإذن الله لقيادته إلى الأهداف المنشودة إن استفدتم من أخطاء من سبقكم.

واخيرا أرجو أن ترفضوا خطابا قد يتكرر على مسامعكم كما سمعه من سبقكم ألا وهو خطاب " الفرعنة" الذي يجعل شخص الرئيس "سوبرمان" لم تعرف البلاد مثله ، فلا تلتفتوا لمثل ذلك الخطاب واسعوا لترسيخ عمل المؤسسات ، لقد ولى عهد الزعيم الملهم .

وركزوا على العمل والإنتاج واستمعوا بصورة خاصة إلى خطاب المعارضة الناضجة التي تبين لكم الأخطاء فذلك أفضل من الصورة" الوردية" التي ترسمها الموالاة لحاجة في نفس يعقوب ، وقد تكون بعيدة عن الواقع.

يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :

إن أحب الناس إليّ من أهدى إليّ عيوبي.

وليكن هدفكم أن تكون موريتانيا من النماذج التي يحتذى بها في السلم الاجتماعي وفي التنمية وفي الازدهار. إذا غامرت في شرف مروم .. فلا تقنع بما دون النجوم.

إن عملية البناء التنموي في بلد متخلف ليست نزهة بل هي شاقة لكنها سهلة إن استخدمنا لها المفاتيح الصحيحة وهي باختصار : العدل ومحاربة الفساد والقطيعة الكاملة ،قدر الاستطاعة، مع الربا، مع تخطيط برؤية وبعد نظر وتنفيذ بدقة وشفافية.

وتقبلوا تحياتي وتقديري ..

المواطن الموريتاني

الهادي بن محمد المختار النحوي


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2019-07-03 08:38:12
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article25389.html