مقدمة عن المسلمين في أمريكا:
يزيد عدد سكان الولايات المتحدة عن ثلاثمائة و سبعة و عشرين 327 مليونا ، و من بين هؤلاء ملايين من المسلمين تختلف تقديراتهم و تتراوح بين (ثلاثة ملايين و أربعمائة و خمسين ألفا 3.450.000 طبقا لدراسة نشرها "منتدى بْيوو" سنة ٢٠١٧ ، و تقدر منظمات إسلامية العدد بثمانية 8 ملايين ) و يشكل المسلمون نسبة تترواح 0.08-1.5 ٪ من السكان.
و يعتبر الاسلام الديانة الثالثة -من حيث عدد الأتباع- في الولايات المتحدة بعد المسيحية (٧٣٪) و اليهودية (٢.١٪) إذا لم نعتبر الإلحاد atheism -أو عدم اتباع دين Irreligion / Unaffiliated دينا ( حيث يوجَدُ أكثر من ٢١٪ من الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم ملحدين أو ير مؤمنين بأي دين أو مذهب).
و طبقا لدراسة نشرها "مركز بيو للأبحاث Pew Research Center” سنة ٢٠١٨ فإنه بحلول عام ٢٠٤٠ فإن الاسلام سيحل محل اليهودية و يُصبح الديانة الثانية في الولايات المتحدة، و بحسب الدراسة نفسها فإن عدد المسلمين سنة ٢٠٥٠ يُتوقع أن يكون ضعف عددهم سنة ٢٠١٧.
و بالنسبة للمسلمين الجدد فإن نسبة ٦٤٪ من الأفارقة الأمريكيين،و ٢٧٪ من البيض، و ٦٪ من اللاتين، و البقية (٣٪) من أعراق أخرى.
و المسلمون في أمريكا متنوعون، و يعتبر الإسلام -في أمريكا- من أكثر الديانات و المذاهب تنوعا على كل المستويات : العرقية و العمرية و العلمية و العملية، و بحسب دراسة لوزارة الخارجية الاميركية (سنة ٢٠٠٩) فإن الآسيويين يشكلون نسبة ٣٤٪ بينما يمثل الأفارقة الأمريكيون ربع المسلمين (٢٥٪) و نسبة العرب الأمريكيين تزيد عن ذلك قليلا (٢٦٪) و هناك عرقيات أخرى تمثل نسبة ١٥٪ من المسلمين الأمريكيين.
التدين و الالتزام في الجالية المسلمية الامريكية:
و تُعتبر الجالية المسلمة من أكثر الجاليات تدينا -في أمريكا- فطبقا لدراسة نُشرت سنة ٢٠١٤ فان نسبة ٦٤٪ من المسلمين عبّروا عن أهمية الدين و الالتزام في حياتهم ( مقارنة ب٥٨٪ من الكاثوليك)، و هي أعلى نسبة في الدراسة.
التعليم في الجالية المسلمة:
طبقا لدراسة نشرها معهد السياسية الاجتماعية و التفاهم ISPU -و هو مؤسسة إسلامية بحثية في ولاية متشيغان- فإن المسلمين لديهم نفس المستوى التعليمي لدى الكاثوليك و البروتستانت ،لكن الدراسة أوضحت أن من المحتمل أن نسبة ٧٣٪ من المسلمات سيواصلن دراستهن الجامعية و العليا مقارنة ب٥٧٪ من الرجال، و تُشير درسات أخرى إلى تحقّق ذلك و زيادة عدد النساء المسلمات الحاصلات على شهادات عليا على الرجال المسلمين.
و يعتبر المسلمون ناجحين في مجالات علمية عديدة منها الطب ( حيث تبلغ نسبتهم ٥٪ من عدد الأطباء الأمريكين) و الهندسة و العلوم- بصفة عامة- و الحمد لله رب العالمين.
المساجد في أمريكا :
يعتبر الاسلام قديماً في أمريكا،و ثمة دراسات تشير إلى وصول المسلمين للمنطقة قبل "اكتشافها" من طرف كريستوفر كولومبس (١٤٩٢) حيث تذكر بعض الوثائق الصينية التاريخية (Sung Document سنة ١١٧٨) بعض البحارة المسلمين الذين وصلوا ل"مُولانْ بّي" التي هي امريكا -بحسب بعض الدراسات،
و قد كان هناك بعض المستكشفين المسلمين الأوائل مثل : سعيد بن حدو( المعروف ب"استيفانكو" 1500-1539) و الذي كان له دور كبير في اكتشاف "فلوريدا" و آلاباما.
و لكن من المؤكد أنه في بداية القرن الثامن عشر الميلادي كنت هناك مساجد بناها "العبيد" المسلمون الدين تم إحضارهم من غرب افريقيا، و مِن بين هؤلاء العالم المسلم "أيوب بن سليمان جالو (١٧٠١-١٧٧٤- Job Ben Solomon) في جزيرة "كَنت بولاية ميريلاند Kent Island, Maryland” و هو من أصل سنغالي، و قصته مشهورة.
و نظرا لأهمية المسجد في حياة المسلمين فقد قاموا ببنائها حيثما حلوا و أقاموا، و قد تسارعت وتيرة بنائها -و الحمد لله- رغم بعض العوائق الإدارية و السياسية التي تتعلق بها، و في هذا الإطار -و بحسب دراسة نشرها أستاذ الدرسات الاسلامية بجامعة كنتاكي : الدكتور إحسان بَگْبِي فإن عدد المساجد -سنة ٢٠١١-بلغ ٢٠١٦ مسجدا، و هو ارتفاع زاد على نسبة ٧٤٪ مقارنة بسنة ٢٠٠١ عندما كان عدد المساجد ١٢٠٩ مسجدا- و الحمد لله-و السبب في ذلك -بعد فضل الله تعالى- يعود لعدد المهاجرين الجدد، و لحاجة المسلمين الى وجود مراكز إسلامية و موسسات تعليمية و خدمية تضمن لهم الثبات على الدين و عدم الانحراف، و لا يزال عدد المساجد -و الحمد لله- في ارتفاع نظرا لوجود "الحرية الدينية" و تمتّع المسلمين و مؤسساتهم بنفس الحقوق التي تتمتع بها الطوائف الأخرى طبقا للتعديل الأول من الدستور و القوانين المنبثقة عنه،و التي تمنح حرية العبادة و التديّن و التجمّع و التعبير، و تمنع الإكراه و التضييق فيما يتعلق بذلك.
رمضان في أمريكا:
بعد هذه المقدمة المتعلقة بالمسلمين و أعدادهم و مؤسساتهم نصل للحديث عن رمضان في أمريكا، و رمضان في أمريكا -بحق- له طعم خاص يفقده الكثيرون في البلدان الاسلامية، حيث تختلط فيه كل الأعراق و الفآت المسلمة و تتّحد و يكون شهرا مليئا بالعبادة و المتعة و الفائدة و الأخوة الإيمانية.
كما يكون شهر دعوة للإسلام و توضيح لعقيدة المسلمين و ثقافتهم، و تتم دعوة الكثير من غير المسلمين لحضور الافطار-في المساجد و البيوت- و التراويح و الدروس، و يتم استدعاء ممثلين حكومين و قادة مجتمع مدني و ديني للمشاركة في هذه النشاطات ،كما يقوم بعض الأئمة و الدعاة و مسؤولو بعض المساجد بالمشاركة في صلوات أو محاضرات و عروض عن المسلمين في رمضان، و يشرحون أركان الاسلام و أخلاقه و آدابه و بعض ما يتعلق برمضان من أحكام و حِكم.
و يتم تنظيم إفطار جماعي بصيغ مختلفة في مختلف المساجد و من أشهر ذلك:
١- إفطار مفتوح و شامل بشكل يومي-طيلة أيام رمضان-:
و غالبا ما يتم الإعلان عن ذلك بأشهر أو أسابيع قبل رمضان من أجل الحصول على متبرعين يوفرون ذلك أو يدفعون ثمنه لبعض التجار المحليين،و يمكن أن يشترك أكثر من شخص أو جهة في ذلك.
٢- إفطار محدود نهاية الأسبوع: و يكون أكثر تنوعا و قد يحضره مدعوون كثر.
٣- إفطار مشترك يُعرَف بPotluck Iftar و يقوم كل شخص أو عائلة باحضار وجبة / وجبات معينة و يتم توزيع ذلك على الحاضرين ، و لعل هذا أشبه بحال الأشعريين -قوم أبي موسى رضي الله عنه الذين "إذا أرملوا جمعوا طعامهم في إناء واحد ثم اقتسموه؛ أَلا إنهم مني و أنا منهم" كما جاء في الحديث.
كما يتم توفير السحور بالنسبة للمعتكفين في العشر الأواخر، و تقوم بعض المساجد بنصب خيم توفر فيها الشاي و العصائر و المشروبات و بعض الحلويات طيلة الليل.
عوائق و مشاكل في رمضان:
يعاني المسلمون قبل رمضان و أثناءه من مشاكل عديدة تُضاف إلى مشاكلهم الأخرى، و يعود سبب بعض هذه المشاكل إلى التنوع الثقافي و العرقي و المذهبي لهم، حيث يتبع الآسيويون و بعض الشاميين المذهب الحنفي، و يتبع أهل غرب و شمال توفيقاً المذهب المالكي، و يتبع معظم الشاميين المذهب الشافعي و لذلك تاثيرات على أحكام بداية الشهر و نهايته ، و الاختلاف حول مسألتي الرؤية و الحساب الفلكي فيما يتعلق بتحديد بداية الصوم و نهايته، و كذلك بعض الأحكام الفقهية الأخرى المتعلقة بالصوم و زكاة الفطر و الكفارات.
و قد تسببت هذه الخلافات في شرخ بين كثير من المساجد و المجموعات خلال السنوات الماضية، و بدأ بعض المساجد الصيام و لم يصم آخرون، و أفطر بعضهم و البعض صائمون، و ذلك بسبب الاختلاف في "آلية" تحديد الشهر و نهايته، و اتباع بعضهم لدول محددة في هذا الأمر.
و قد بدأ كثير من المساجد يتبع رأي "المجمع الفقهي لأمريكا الشمالية" Fiqh Council of North America التابع للجمعية الاسلامية لأمريكا الشمالية ISNA و هي أكبر منظمة إسلامية يتبع لها ثلث المساجد -تقريبا -و يعتمد هذا المذهب على تحديد أول أيام رمضان و شوال بالحساب الفلكي، و يتبع مكة في تحديد بداية ذي الحجة و يومي عرفة و عيد الأضحى المبارك، و مع ذلك فلا تزال ثمة مجموعات أخرى تلتزم بالرؤية و تتعبّد بها مثل Chiacgo Hilal Committee لجنة الأهلة بشيكاغو، و لكن النقاش بين الطرفين خفّت حدّته ، و مال أصحابه إلى المقولة المعروفة : "و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، خصوصا و أن الخلاف قديم منذ عهد ابن عباس "حديث كُريب" و "مطرف بن عبد الله الشخير" و الإمام أبي العباس بن يريح الشافعي"
كذلك من الأمور التي عانت منها الجالية المسلمية -في السنوات الماضية- مسألة عدد ركعات التراويح بين متعصب لثمان ركعات و بين من لا يرى غير العشرين -مع الوتر-و لكن المسألة حُسمت في معظم المساجد -من خلال إداراتها- إما باتباع أحد المذهبين ، او بالتلفيق بينهما بصلاة ثمان ركعات مع إمام محدد، ثم يوتر و ينصرف- و قد ينصرف قبل أن يوتر- ثم يأتي إمام آخر فيُكمل العشرين.
و مِن الخلافات التي عانى منها المسلمون في رمضان -في الأعوام الماضية- مسألة دفع قيمة زكاة الفطر -كما هو مذهب الحنفية و معاذ بن جبل رضي الله عنه و الشوكاني- بينما يرى أتباع المذاهب الفقهية الاخرى عدم جواز ذلك، و يتعصب البعض منهم حتى يصل حدّ التفسيق و التبديع للأحناف.
و أختم المشاكل بمشكلة تحديد العيد و الاحتفال به، حيث يعود ذلك لآلية تحديد بداية السهر و نهايته،و كثيرا ما انقسمت الجالية بسبب ذلك،و قد رأينا مساجد حجزت قاعات لمدة يومين -انتظاراً لروية هلال شوال- و قد قامت بعض الولايات مثل ولاية نيويورك بجعل يومي العيد عطلة مدرسية، و هو ما حدا ببعض المنظمات الى اعتماد الحساب الفلكي لتحديد ذلك بشكل مضطرد.
و ختاما فإن لرمضان في أمريكا نكهة لا توجد في كثر من البلدان الإسلامية، و ذلك لِما يتجسد فيه من أخوة إيمانية و بذل و إنفاق و عبادة و إعمار لبيوت الله من طرف الرجال و النساء و الأطفال ،و يزداد ذلك في العشر الأواخر مع الاعتكاف التام-أو الجزئي- و وجود أئمة من الأطفال و المراهقين -يشبهون عمرو بن سلمة-و كثير منهم من غير العرب و لكن الله وفّقهم لحفظ القرآن و ترتيله غضا طريا كما أنزل؛ مما يجعل رمضان -في أمريكا- شهر التوبة و الرحمة و المودة و المؤاخاة؛ فاللهم تقبل من الصائمين و القائمين و المنفقين و اغفر للمسلمين في كل مكان و احفظهم من كل سوء و زدهم من بركاتك و فضلك -يا رب العالمين-.