محرقة الرياض ـ دروس و عبر
وكالة كيفة للأنباء

إن أثر الفعل الانساني بصرف النظر عن طبيعته كان ولازال أحد أهم المفردات التي ترسم التاريخ البشري فالذاكرة الجمعوية تحتفظ منذ النشأة بأقوال و أفعال كان لها أثرها في التأثير على السلوك العام للأفراد و إعادة صياغة القواعد التي تضبط و توجه المسار العام الذي على ضوئه يتم انسجام الانسان مع ذاته و محيطه الطبيعي.

ويقودنا هذا الحديث عن الافعال التي كان لها اثرها في فكر و تصرفات الافراد إلى الحديث عن فعل كان له هو الاخر اثره البالغ على الاقل في مجتمعنا الموريتاني إنه بدون منازع محرقة الرياض التي اثارت ضجة فكرية و عقائدية لم يسبق لها مثيل في المنطقة إن لم يجوز القول في العالم. لقد خطفت محرقة الرياض الاضواء كأهم حدث عرفته الأمة الموريتانية بعد نعمة الاستقلال لما كان لها من فضل في فضح تلك المتون الممجدة للاسترقاق و التي تسلب الناس ابسط حقوق إنسانيتهم و تدوس على شرفهم و أبدعت في الافتراء على رب السماء و الارض لنهب البلاد و إذلال العباد. لقد كانت محرقة الرياض ملحمة وهبة من العدل سبحانه و تعالى إلى شعب الحراطين الذي اكتوى و على مر العصور بنار الذل و الهوان شعب الحراطين الذي استنزف كل طاقاته و أنهكت قواه ودفع ارواحه في سبيل دولة جاحدة للجميل تبخل عليه بأبسط حقوق مواطنته.

لقد اسدت محرقة الرياض صفعة موجعة للمرتزقة الاستعباديين الذين يقتاتون بالباطل من عرق جبين مساكين تم التلاعب و الضحك على عقولهم عقودا عديدة من الزمن والتحجج بشرع الله كذبا لإهانة خلقه الذي كرمه و اخلفه في أرضه. إن محرقة الرياض أو محرقة برام كما يحلوا للبعض تسميتها أماطت للثام عن مجتمعنا فقسمته إلى اربع عينات أو فئات:

الفئة الاولى و يمكن تسميتها بالانعتاقيين الذين كانوا على مستوى رفيع من الثقة بالنفس والايمان بالخطوة و كانوا السند و الداعم الاساسي لزعيمهم الروحي الذين يرون فيه مخلص البلاد و العباد من الظلم و الاضطهاد و يستنون بسنته لما راو فيه من صدق وإخلاص لقضيتهم ولقد اظهرت هذه المجموعة صورا من النضال و الصمود قل نظيرها فنالت بذلك إعجاب و تعاطف اوساط واسعة في الداخل و الخارج. و قد كان للمناضلة ليلى منت احمد ولد أخليف، أم العبيد كما تحب ان تسمي نفسها، دور كبير في رص صفوف المناضلين و بث روح الحماس و الصبر في نفوسهم فكانت حريصة على أن تكون مثالا في التصدي و الثبات في وجه آلة القمع التي تم الافراط في استخدامها و بشكل همجي و تعسفي أعاد إلى الاذهان صور القمع و البطش في حقبة النظام العنصري في جنوب إفريقيا.

اما الفئة الثانية رغم قلتها فتضم نخبة من المفكرين و الفقهاء و المثقفين نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر الاستاذ الجليل المهدي ولد لمرابط و المفكر الاسلامي الشهير محمد المختار الشنقيطي والأكاديمي الكبير بدي ولد أبنو و غيرهم و الذين أبلوا بلاء حسنا لوضع الحادثة في إطارها الصحيح مثمنين ما قام به الاخ المناضل برام ولد الداه ولد اعبيد و رفاقه إخوة النضال ولقد عملت هذه المجموعة على إنارة الرأي العام المحلي و الدولي حول ظروف و ملابسات المحرقة. و لقد كان لتحركها أثره البين في كبح جماح غضب اوساط واسعة لم تكن لديها الدراية الكافية عن كل مضامين هذه الكتب كما أن بعض المجاميع الفقهية في المحيط الاسلامي ابدت هي الاخرى امتعاضها و حيرتها من تمسك الإسلام في موريتانيا بمثل هذه النصوص التي أكل عليها الدهر و شرب ولم تصلح لا من قبل و لا من بعد لأن تكون مرجعية يعتد بها .

أما الفئة الثالثة و تتخندق فيها السلطة و غالبية أئمة و فقهاء الزور و رجال السياسة وغرماء الرجل التقليديين من بني جلدته و قاسمهم المشترك هو كرههم للرجل فالسلطة منزعجة من تنامي المعجبين به في الطبقات المسحوقة و خاصة في الاوساط الشبابية القوة الحية لكل مجتمع و يرى البعض أن هذا التخوف في محله لذا تم منذ البداية رصد و تسخير كل الوسائل العمومية لإغراء و تخويف المناضلين لوأد التسونامي الانعتاقي لكن باءت كلها بالفشل فجاءت حادثة الرياض لتكون صيدا سمينا و مناسبة يندر مثلها للانقضاض على الرجل و الإجهاد عليه.

أما أئمة العار فلا يخفى على أحد استفادتهم المباشرة و المنفعة التي يجنونها من وراء الاسترقاق و كل الممارسات المصاحبة له و يرون في افكار الرجل التي تفضح سكوتهم و تواطؤهم على الكذب خطرا يهدد مكانتهم و نظرة المجتمع لهم و على الامتيازات التي يتوارثونها أبا عن جد.

ويتفق رجال السياسة و غرماء الرجل من بني جلدته على خطورة تنامي جمهوره و سحبه البساط من تحتهم و استحواذه على الرأي العام الوطني و الدولي حيث أصبحت تحركاته و انشطته مادة خبرية تتهافت عليها وسائل الاعلام المحلية و العالمية بشكل لم يسبق له مثيل لذا فإن أي اختفاء للرجل سيساهم لا محالة في انتشالهم من أعماق بحر النسيان و يعيد إليهم قسطا من الاعتبار.

أما الفئة الرابعة و الاخيرة من هذا التصنيف فينحشر فيها المرتزقة و المأجورون و ضعفاء العقول و العامية من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة تم جلبهم من المساجد و الأسواق لاصطناع المظاهرات الساخطة المطالبة بإعدام الرجل و رفاقه و قد استخدمت في هذه الحملة كل وسائل التأثير النفسي و المادي و العقائدي و لعبت أجهزة الاعلام الرسمي من تلفزيون و إذاعة وكذا أغلب المواقع الالكترونية دورا كبيرا في تهييج و رفع شحنة الغضب لدى هؤلاء لكن بفضل الصمود و جهود التوعية التي قام بها الانعتاقيون أدركت غالبية هذه الفئة حقيقة الامر فأحجمت عن المضي في تلك الحملات المغرضة ولم تبق إلا ثلة منعزلة من المرتزقة المترددين تبحث لنفسها عن مخبئ إلى حين...

و خلاصة القول أنه ما لم تتضافر جهود كل ساكنة البلاد و تصدق نواياها في العمل سويا على مراجعة كل الفقهيات المتداولة و إعادة تكييفها لتتماشى مع ما يرضاه الله و رسوله لخلقه و إنه ما لم تتحمل السلطة مسؤولياتها في إعادة الاعتبار لكل الشرائح المظلومة بدون استثناء و إتاحة الفرص للجميع و الابتعاد عن الغبن و تذويب كل الفوارق و إنه بدون إشاعة ثقافة المحبة و الاخاء و الاحساس بالانتماء إلى الوطن الواحد بدون كل هذه و تلك فإن البلاد لن تكون أبدا بمنئى أو بمأمن من الانزلاق إلى ما قد لا تحمد عقباه نسأل الله السلامة.

السلام عليكم


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2012-12-29 05:05:03
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article2496.html