كثيرة هي أوجه الفساد، ومتعددة هي أشكاله وأنماطه، ولعل من أخطر تلك الأنماط والأوجه ما هو مرتبط بذلك الفساد المُشرع قانونيا، والمسكوت عنه من طرف الجميع، رغم ما يُنهب من خلاله من ثروات هذا الشعب الفقير.
لا أحد يستنكر ذلك الفساد، لا صحافة تتحدث عنه، ولا نائب برلمانيا يثيره في نقاشات البرلمان، ولو بشكل عابر، وبالطبع فلا مواطن يستنكره من خلال تنظيم وقفة أو احتجاج ضد ممارسيه.
إنه فساد ظل يمارس خارج التغطية، لذلك فقد يكون من المناسب، بل من الملح جدا، أن يتم الحديث عنه في هذا اليوم الذي يصادف اليوم العالمي لمكافحة الفساد.
فعلينا أن نعلم بأنه في كل يوم من أيام السنة ينهب وسيط الجمهورية 200.000 أوقية من ثروتنا، ودون أن يؤدي أية خدمة مقابل هذا المبلغ الكبير. أما المجلس الدستوري فإنه يبتلع يوميا 274.387 أوقية من ثرواتنا. في حين أن المجلس الإسلامي الأعلى ينهب يوميا 185.000 أوقية، حتى مجلس جائزة شنقيط، والذي توقفت جائزته لثلاث سنوات فإنه ظل يبتلع يوميا 184,000 أوقية، أي 67 مليون أوقية سنويا. ونفس الشيء سيحصل مع المجلس الأعلى للفتوى وللمظالم المشكل أخيرا، والذي تشير كل الدلائل بأنه لن يختلف عن المجالس والهيئات المذكورة آنفا.
ولمعرفة عدم جدوائية تلك الهيئات والمجالس دعونا نطرح الأسئلة التالية:
ـ ما هو الانجاز الذي حققه مكتب وسيط الجمهورية منذ تأسيسه في بداية التسعينات وحتى اليوم، مع العلم بأن الميزانية السنوية لوسيط الجمهورية تزيد على سبعين مليون أوقية؟
ـ ما هو الضرر الذي كان سيلحق بالشعب الموريتاني لو لم يكن هناك وسيط للجمهورية؟
ـ هل هناك مواطن موريتاني واحد قدم له وسيط الجمهورية أية خدمة مهما كانت بساطتها؟
وللإجابة على هذه الأسئلة فيكفينا أن نتتبع أخبار وسيط الجمهورية في الإعلام الرسمي حيث لم يذكر هذا الوسيط ولا لمرة واحدة، وهو يقوم بإنجاز أي مهمة من المهام المحددة له قانونيا، والتي من بينها:
ـ استقبال شكاوي المواطنين المتعلقة بنزاعات لم تتم تسويتها في إطار علاقاتهم مع إدارات الدولة.
ـ صياغة رأيه بشأن النزاعات بين المواطنين و الإدارة، وإرسال هذا الرأي لرئيس الجمهورية، إذا ما طلب منه الرئيس إبداء الرأي، هذا فضلا عن تقديم تقرير سنوي عن حصيلة نشاطه.
لقد تتبعت أخبار الوسيط الحالي، فوجدت أنه منذ تعيينه أو تنصيبه قام بنشاط واحد، تمثل في سفر إلى فرنسا للمشاركة في الملتقى السادس لمنظمة الآمبوديسمان والوسطاء في البحر الأبيض المتوسط، والذي تم تنظيمه في العاصمة الفرنسية من 11 إلى 14 يونيو من السنة الجارية.
هذا هو النشاط الوحيد الذي قام به وسيط الجمهورية الحالي، ذلك الوسيط الذي تخصص له الحكومة 200.000 أوقية يوميا من أموال شعبها الفقير.
فما الذي استفاده المواطن الموريتاني من مشاركة وسيط الجمهورية في ملتقى نظمته مجموعة وسطاء لم نسمع عنها من قبل ونجد صعوبة كبيرة في نطق اسمها بشكل صحيح؟ ذلك سؤال سأترك لكم الإجابة عليه، ولكن من قبل الإجابة، عليكم أن تعلموا بأن وسيط الجمهورية لم يتم تعيينه وتوفير تلك الموارد الطائلة لمكتبه لكي يخدم المواطن، وإنما تم تعيينه فقط من أجل إرضائه هو، ومن أجل أن توضع بين يديه ميزانية يتصرف فيها كما يشاء وبالطريقة التي يشاء، وبعيدا عن أعين المشاغبين والحساد.
والحقيقة أن ذلك لا يقتصر على الوسيط فقط، بل يتعداه ليشمل كل المكاتب والهيئات الاستشارية الأخرى، فعلى سبيل المثال، فإن أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي لم يتم تعيينهم لكي يقدموا استشارات للحكومة، فهم بتركيبتهم الحالية ليست لهم القدرة ولا المؤهلات لتقديم تلك الاستشارة حتى ولو تولدت لديهم الرغبة لتقديمها. إن أعضاء هذا المجلس إنما تم اختيارهم كغيرهم من أعضاء المجالس والهيئات الأخرى لكي يستفيدوا من مورد من موارد الدولة، لا لكي يقوموا بتحقيق خدمة للمواطن.
ومن مهام المجلس الاقتصادي والاجتماعي المحددة له، والتي لم يقم بها في أي وقت من الأوقات، بل ولا يستطيع القيام بها بتشكيلته الحالية، يمكننا أن نذكر: إبداء الرأي ـ إجراء دراسة عن أي مشكلة تمس الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ـ اتخاذ المبادرة بتدارس المسائل الاقتصادية والاجتماعية، والقيام من أجل ذلك بما يلزم من دراسات ومسوح وتحقيقات مع الاعتماد على نتائجها لإصدار آراء أو اقتراح الإصلاحات التي يرى أنها قد تعزز النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وهو فوق ذلك يمكن له أن يضطلع بمهمة التوسط لحل النزاعات الاجتماعية.
إن تلك المجالس والهيئات إنما تم تأسيسها من أجل تشريع نهب جزء كبير من ثروة الشعب الموريتاني، لا من أجل تقديم خدمات ملموسة لهذا الشعب، لذلك فإن رؤساءها وأعضاءها لا يزال يتم اختيارهم بنفس تلك الطريقة الغريبة التي يتم بها اختيار من سيتم توشيحه في كل عام بمناسبة الاحتفال بذكرى الاستقلال، حيث يوشح في كل ذكرى عسكريون ومدنيون يظهرون فجأة مع تلك التوشيحات، ويختفون بعدها، لأنه ليس لدى أي واحد من أولئك الموشحين، ما يمكنه من الاستمرار في الظهور بعد انتهاء الاحتفالات المخلدة لذكرى الاستقلال.
تصبحون على انتفاضة شعبية ضد الفساد...