قبل فوات الأوان! / بقلم عبد القادر ولد الصيام
وكالة كيفة للأنباء

تقترب الحملةُ الانتخابية لعام ٢٠١٨ من وضعِ أوزارها و منحِ المواطنين "صمتا انتخابيا" -عند منتصف هذه الليلة- يُعيد لهم بعض الهدوء الذي فقدوه خلال الأسبوعين الماضيين، و هي راحة ضرورية للاستعداد ليوم "الحسم" و الإختيار بين لوائح وطنية بلغت سبعة و تسعين (٩٧) لائحة مختلطة و سبعة وثمانين (٨٧) بالنسبة للائحة الوطنية للنساء ، كما بلغ عدد اللوائح المترشحة للمجالس الجهوية مائة و تسعة و خمسين (١٥٩) لائحة، و يبقى أكبر هذه الأعداد هو العدد المتعلق بالإنتخابات البلدية حيث يبلغ عدد اللوائح المترشحة لها ألفا و خمسمائة و اثنين و خمسين (١٥٥٢) لائحة!!

سيحتاجُ كل ناخب إلى بذل جهد كبير في الوصول إلى اسم و صورة مرشحه و حزبه في كل بطاقة تصويت من بطاقات التصويت الخمسة، حيث يبلغ طول بطاقة التصويت في اللائحتين الوطنيتين و في لائحة انواكشوط النيابية ستين (٦٠) سنتمترا لكل لائحة، و يبلغ طول بطاقة التصويت في المجلس الجهوي لانواكشوط عشرين (٢٠) سنتمترا، أما بقية اللوائح فتتراوح بين خمسة عشر (١٥) و ثلاثين (٣٠) سنتمترا بحسب عدد اللوائح المتنافسة.

سيكون من التحديات الهامة التي يجب على كل ناخب مواجهتها -كما ذكرتُ- الوصولَ إلى اسم مرشحه / حزبه ، و التأكّدَ من التصويت له في الخانة الصحيحة و وضع "الباء" حيث يجب أن توضَع، و من المعروف أن مجتمعنا يعاني من ارتفاع نسبة الأمية (حيث ارتفعت نسبة الأمية سنة ٢٠١٤ إلى ٤٢٪؜, بعد ما كانت ٣٥,٦٪؜ سنة ٢٠٠٨) و تبلغ نسبة النساء ٦٥٪؜ من الأميين ، بينما تعتبر نسبة الأميين من ساكني الريف ٧٥٪؜ !!

و قد ورد في "التقرير الختامي لمنتديات التعليم في موريتانيا" أن من بين كل عشرة أشخاص في موريتانيا هناك أربعة غارقون في جهل مطبق لا يقرأون و لا يكتبون!! و هو ما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة الأصوات اللاغية -أحيانا- ، أو التصويت -خطأ- لمرشح غير مقصود -أحيانا أخرى-!!

لكن هذه العقبات كلها ليست ذَا بالْ مقارنةً مع الضغوط التي استخدمتْها السلطة و حزبها الحاكم و رجال أعمالها و أمنها و بعض فقائها الذين ساروا في عرض البلاد و طولها مبشّرين و منذرين، وقد تعزّز ذلك بتحرّكات سياسية لرئيس الدولة دعما لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية في خرقٍ سافرٍ لنص و روح المادة ٢٧ من الدستور التي تقول بأنه : "تتعارض مهمة رئيس الجمهورية مع ممارسة أي وظيفة عمومية أو خصوصية و مع شغل منصب قيادي في أي حزب سياسي"، كما أن غيابَ مراقبين دولييين مستقلين و عدمَ دمج مكاتب تصويت المؤسستين العسكرية و الأمنية مع المدنيين زاد من قلق قادةٍ سياسيين و نشطاءَ مهتمّينَ بالموضوع و جعلهم يخافون من تزوير شامل و مُمنهَج يعيد الجميع إلى فترة "كوبنّي"!!

و مع اقتراب ساعات الحسم تبقى قلوب الكثيرين معلقة في انتظار ما ستسفر عنه نتائج الانتخاب -و التي قد لا يتم معرفتها- بشكل نهائي- إلا بعد يومين من الإقتراع نظرا لتعقيد العملية الإنتخابية و كثرة اللوائح و المترشحين، و لكنّ ما ينبغي التأكيدُ عليه هنا -قبل فوات الأوان- هو أننا أمام لحظة تاريخية فارقة سترسم ملامح البلد للسنوات القادمة و ربما لعقود قادمة؛ ذلك أن التصويت لمرشحي الحزب الحاكم و مَن يَدور في فلكه من المسبّحين بحمْدِ السلطة و السائرين في رَكْبِها يعني التصويت لصالح استمرار تدهور الأوضاع و ارتفاعِ الأسعار و التضخّم و زيادة الدَّيْن الوطني و كثرة ضحايا حوادث السير و الإهمال الطبي و زيادة نسبة الفقراء و الأميين و العاطلين عن العمل.

كما سيؤدي التصويتُ لمرشحي الحزب الحاكم-و الأغلبية- للنواب إلى المساهمة في تشكيل برلمان "ما قال لا قط إلا في تشهده" و قد يقوم بتعديل الدستور حتى يُحكِم الرئيس الحالي و الجيش قبضتهم على السلطة و يَقضون على كل أمل في التبادل السلمي على السلطة و المشاركة السياسية لكافة الأطراف في صُنع القرار و تسيير الشؤون العامة للبلد، و الشيء نفسه يصدق على مرشحيه للمناصب الأخرى ، حيث يُعتَبَرُ التصويت لها تكرارا للفشل و الفساد و النهب و الضرائب المجحفةِ بالمواطنين و التي تذهب إلى جيوب السياسيين و المفسدين!!

لقد جَرّب شعبنا هذا النظام -خلال "العشرية الضائعة"- و التي لاحظ الجميع فيها خلْقَ النظام لطبقةِ رجال أعمالٍ جدد، و محاربة آخرين و التضييق عليهم بحجة "محاربة الفساد"، كما اتضح للجميع تدخّل السلطة في القضاء و خضوعه المطلق لها و عدم استقلاليته، و حرمان الكثيرين من حقوقهم و تحريك الدعوى ضد آخرين لإسكاتهم أو معاقبتهم -إن لم يتراجعوا - و هو أمر حدث مع رجال أعمال فُرضت عليهم ضرائب كبيرة أرغمت بعضهم على الرجوع عن المعارضة بينما أفلس بعضهم ممن لم يغيروا مسارهم السياسي!

إن سوء و تدهور الخدمات العمومية في البلد و تقاعس الحكومة عن مُساعدة المنمّين و المزارعين و ما نتج عن ذلك من جوعٍ مشهود و نقصٍ معلوم في الثمرات و تناقص واضح في الثروة الحيوانية و ازدراء بيّنٍ لأرواح ضحايا حوادث السير جَعَلَ الكثيرين يَنقمون على السلطة الحاكمة حتى في مناطق -مِن "موريتانيا الأعماق" -مَرَدتْ على الولاء المجاني للسلطة و تقديسها.

لقد بدى لمعظم السكان زيفُ الشعارات التي ترفعها الحكومة الحالية و رئيسها، و رأوْا من فسادهم و محسوبيتهم و تقاعسهم عن خدمة الوطن و المواطنين و انشغالهم ب"مصالحهم الذاتية" ما يُحتّم عليهم التصويت ضدهم تنبيها على رفضهم لسياسات الظلم و القهر و التهميش، و لِسانُ حالهم-:

فَهَل مِن العدل أن ترضى "دَمَقرطَةً" ** تُدارُ بالظلم و التزوير و الحسد؟!! و هل مِن العدل أن ترضى "دَمَقرطة" ** تقول : لا لخيار الشعب في البلد؟!! كلا! (........) ******* (............) و عند يوم الترامي سوف نُشعلها ** حربا على الغش في بَسالة الأسد حتى يكون خار الشعب محترَما ** و يَذْهَب الغيرُ في الأدراج كالزبد!

آن الأوان لنا أن نتخذ قرارا شجاعا نختار فيه الأفضل من بين مترشحي الأحزاب المعارضة ممن لم تتلطخ أيديهم بالمال العام و لم يطبّلوا لسلطانٍ، و مِمّن يعيشون آلام الشعب و يحسّون بمعاناته، من الشباب و النساء و الرجال الذين عُرفوا بالنضال و الصبر على الحرمان و اللأواء و السعي في مصلحة الشعب، فهل نفعل ذلك قبل فوات الأوان؟ أم أننا سنضيّع هذه الفرصة كما أضعنا فرصة ذهبية سابقة؟!

حفظ الله موريتانيا و أهلها.


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2018-08-30 22:17:03
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article22820.html