أرسلت الشمس أشعة ذهبية "بلون الأمل" ، تنفث في الجسم حرارة تبعث على التجلد ، و على التشبث بطعم الحياة الحلو، رغم مرارة كل المنغصات .
كان ذلك غداة افتتاح الحملة الإنتخابية لاستحقاقات 2018. تلك التي قادني الفضول لحضور حفل افتتاحها، و قد كان باهتا حقا، و فيه من المفارقات ما لم يترك للحقيقة من مصداقية.
في الصباح ، انطلقت سيارتنا من حي السيف بمدينة كيفة، و كانت تجوب شوارع عديدة أسلمتنا في النهاية إلى طريق الأمل، و في ذلك عمدنا أقصر الطرق و أنظفها؛ بل أقلها أوساخا، و كنا نلقي التحية على ساكنيها من الجن و الإنس مباركة لهما على حسن الجوار و التعايش بسلام و أمان بضع سنين...
امتطت سيارتنا طريق الأمل .. و كان الأمل غايتنا و الألم هاجسنا .. و في حي النزاهة و قبل أن نودع الديار قابلت أحد أصدقاء الدراسة في دكان صغير على قارعة الطريق .. حدثني في أشياء متفرقة؛ من بينها أنه في مقدمة اللائحة الجهوية، و أن صاحب الدكان هو مرشحهم للنيابيات، فابتعت منهما بعض الأغراض و تمنيت لهما التوفيق و النجاح جملة لا تقسيطا.
تابعنا رحلتنا إلى بامبيرة جنوب ازرافية و في لحظات ودعنا المنازل و النوازل..و قرأنا من القرآن ما تيسر مستحضرين قوله تعالى "لقد جاءكم رسول من أنفسكم... الآية "
و بدأت الطبيعة تكشف بعض محاسنها على استحياء و في حياء تتوق له النفس البشرية في هذا الزمان...
فلا شيء يكسر ذلك السكون إلا رنين الهاتف الذي أبى أن يخرس في وجه هذه الطبيعة الساحرة.
كان المناخ أخاذا ، و كان العبق الفياح من السدر و الشيح الطلح و من أعشاب "التيلوم" ينسينا دخان وعود تصدح بها حناجر ساسة البلد في ترانيم الصباح و المساء، و كان هديل اليمام كأنه يخبرنا أن التغريد خارج السرب كالشرود عن القطيع، كلاهما نشاز في زمن الانصياع للأوامر و الانبطاح في المخافر .
مخرت سيارتنا أرضا مخضلة مبتلة تتباهى أحيانا ببرك أنقى و أصفى من مياهنا المعدنية أيام عذوبتها ؛ ذلك أن نسبة التدليس فيها تساوي الصفر...
هناك خفت الوساوس و ارتاح الضمير و اطمأن البال ؛ فحن القلب و استرجعت الذاكرة أيام الطفولة يوم كنت مولعا بتسلق الأشجار و الهضاب و حتى الأفكار...فأمرت بتوقف المسير لأزقزق قليلا مع العصافير بعيدا عن مكبرات الصوت كي أختبر حريتي، و أثغو مع حملان تترقب عودة الأمهات في زمن الوفر كي نخبر العزيز معا أننا "نعرف عدد الحب في السنبلة" و أننا يوم يعدل سنحسن الانصياع للأوامر و الانسجام في الجماعة و الانضباط الحزبي، و نخاف من التطرف لأن الذئب لا يأكل إلا القاصية .
وهناك أحسست أنني عدت طفلا لا أحمل هما بقدر ما أحمل يما من الآمال و حلما بسيطا بحجم عقل صانع هذا الهاتف الذكي الذي أستخدم.