أيام تمضي .. وأسابيع تمر .. ولحظات عصيبة يعيشها المواطن القلق على مصير بلده .. , الموظفون في مكاتبهم لا يعرفون من آلت اليه مسؤولية بلدهم بعد حادثة الرصاصة الصديقة .., لا يعرفون القائد الحالي ولا المرجعية العليا المتعهدة بادارة الشأن العام .., وهل الصورة التي تزين الجدار المكتبي هي المتبقي فقط من أطلال ذلك الفارس اللغز .. وأنه آن الوقت لأن تترجل وتنزل من عليائها .
الموالي تخلى عن المكاء والتصدية .. وخرج عن مسارح الرقص والتصفيق .. ووقف صامتا .. تقيده الحيرة وتكبل لسانه .. لم تعد بيانات الطريق واضحة .. فلاذ بالصمت .. وآثر الغياب نشدانا للسلامة .. وتلمسا لإستكمال آجال الطهر قبل حلول مرحلة أخرى , المعارض الأهوج لملم شمله وأشياعه وترك الثورة والرحيل.. فقراء الكبة وأحياء الصفيح يشقون الطريق للتعرف على من آلت اليه الأمور ليتمكنوا من رفع المظالم إليه وحل التداخلات , كل شيئ يحبس أنفاسه في موريتانيا .. ويستشرف المستقبل الغامض في بلد مفتوح وبلا أسرار .. العرافات والدجالون ينسجون من الأخبار ما لايتأيد ولا يستقيم .
شهر كامل وسفينتنا متوقفة .. الأساتذة المحولون يترنحون لا يعرفون الوجهة الصحيحة لرفع عرائضهم وشكاواهم .. ولا الجبل الذي يهرعون اليه .. أهل المظالم يتيهون في بحر من الصمت والضباب .. أين المسؤول عن شؤوننا ؟ وهل يمكن للسمكة أن تعيش بلا رأس ؟
لا أخبار عن فخامة الرئيس في شاشتنا الصغيرة .. لا تدشين ولا مقابلات .. لا اعتصام ولا احتجاج .. الطيف بكامله أوقف مدحه وتدبيجه وتشبثه .. وتوقف عن تمرده وعصيانه وشعوذته ..وكأن المعارضة والموالاة يتقاسمان عنه خبرا لا يزال طي الكتمان .. لم يحن بعد أوان نشره .. وأن مؤامرة يحيكها هذا الثنائي بدت أنواؤها تلبد سماء السياسة الوسخ .
خبر واحد تلهج به ألسنة البعض .. ويتردد صداه في أطراف الوطن هاتفني الرئيس فقال بأنه سيعود قريبا .. مسعود ولد بلخير فتح هذا الباب الذي جابه آخرون ولد أبو المعالي .. بيجل .. عبد السلام .. الخليل .. ألخ والرواية تأخذ صحتها ومصداقيتها من عدالة الراوي واتساق المروي مع المنطق والحقائق المشهودة .. ولن أزيد في مقام الرجال على أنهم عدول مرضيو الرواية .. لكن اختبار المتن وعرضه على منهج النقد سيجرده من كل قيمة .
عزيز ذلك الفارس الذي لا يتحمل الجدران ولا الظلام .. عاشق الأضواء والتصريحات .. حي يرزق وصحته على ما يرام يقبل الاعتكاف شهرا كاملا عن فقرائه .. في مشفى بيرسي .., لقد أصر وتحدث ليلة إصابته التي تعتبر نظريا - إذا سلمنا بصحة المهاتفات - هي الأصعب والأكثر حرجا ..والمفروض أن تتحسن الأمور مع الزمن عن ما كانت عليه يوم الحادث .. وليست رسالة العيد المقروءة سوى لغز مشفر .., فإذا كان الرئيس حيا وقادرا على الكلام حاضر الذهن لماذا لا يخاطب أمة كاملة بدل أفراد ولماذا لا يبدد بالحديث المتلفز اليها- عند ما قامت الحاجة الى ذلك - كل الشائعات والتقولات التي ملأت الصحف والصالونات .. أليس في الأمر تطمين يحتاجه الشارع أكثر من حاجته الى تبسيط الحمى القلاعية ..فضلا عن رغبة الرجل المعروفة عنه وهوسه بالحديث .
إقالة أو تعيين أو قرار من أي نوع قد يكون دليلا على أن الرجل موجود قادر على الفعل .. كما يشكل توجيها للحيارى الى الجهة التي تتكفل بإدارتهم .. والمعلوم أن السفر في أعرافنا الإدارية وممارسات السلطة الموريتانية لا يعيق اتخاذ مثل هذه الإجراءات .. وليست حادثة إقالة وزير الخارجية حمادي ولد حمادي وما تبعها لدبلوماسي في تونس يوم عطلة من داخل فندق يقيم به بتونس عنا ببعيد .
وهنا لابد من البحث عن تفسير للمهاتفات التي نشر هؤلاء وأذاعوها .. وليس من سبيل الى ذلك إلا بواحد من التفسيرات الآتية :
التباس حصل بين الواقع والحلم وحاصل ذلك أن المهاتفة وقعت في النوم إذ يحصل عادة خلط لكبار السن وللأطفال بين الواقع والحلم فيتوهمون أن بعض الواقع حلم وبعض الأحلام واقع .
مزحة يقوم بها بعض المحترفين في محاكات الأصوات , وقد انطلي ذلك على الحذاق الحازمين , وهؤلاء المحترفون كثر في بلادنا ..وقد وقع الكثيرون في شراكهم, حينما اتصلوا بالبعض بلسان معاوية وحنجرته واعلي , ولم يشك أي منهم في أن المتصل هو معاوية وإعلي .
جني يساوم القوم ..أعاذنا الله وإياكم من الجنون والبلاوي ويتحتم عرضهم على مشفى روحي ., حتى لا يستفحل الأمر .
