شغل هذا السؤال الرأي العام الموريتاني، منذ اليوم الأول الذي غادر فيه رئيس الجمهورية البلاد متوجها إلى فرنسا لاستكمال علاجه، ثم تدحرج مع مرور الوقت ككرة الثلج، ليتحول شيئا فشيئا، إلى العنوان الرئيس للجدل السياسي القائم حاليا.
والواقع أن لا أحد في موريتانيا يملك اليوم جوابا قاطعا لهذا السؤال، الذي أزاح كل نقاط الاستفهام الأخرى عن الواجهة، وتحول إلى هاجس مزمن لدى الجميع، سواء تعلق الأمر بالنخب السياسية أو الثقافية أو الإعلامية أو الجمعوية أو حتى بالمواطن البسيط. ومع ذلك يمكن أن نميز في هذا الإطار، بين وجهتي نظر تتقاسمان الشارع الموريتاني، في الوقت الحالي:
الأولى، تتبناها الأغلبية وتشاطرها إياها بشكل أو بآخر "المعارضة المحاورة" أو الجناح المعتدل في المعارضة الموريتانية، وخلاصتها أن صحة الرئيس تتحسن باطراد، وان عودته القريبة إلى البلاد، باتت مسألة وقت لا غير. ويعضد أصحاب هذا الرأي مقولتهم، بالصورة الواردة من باريس مؤخرا، وبالمكالمات الهاتفية التي أجراها الرئيس محمد ولد عبد العزيز، خلال الأيام الأخيرة، مع عدد من المرجعيات الدينية والسياسية في البلد. وأما وجهة النظر الثانية، فتقول بها "المعارضة المقاطعة للحوار" أو الجناح الراديكالي في المعارضة الموريتانية، ومفادها أن الرئيس لن يعود قبل أربعة أشهر على الأقل، وأنه حتى وإن عاد بعد هذه الفترة، فلن يكون بمقدوره الاضطلاع بمهام الرئاسة. ويدعم أصحاب هذا الرأي وجهة نظرهم، بكون الرئيس لم يظهر بالصوت و الصورة، منذ سفره إلى باريس، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الصور الثابتة والمكالمات الهاتفية، ليست أدلة يستأنس بها في مثل هذه الحالات. هذا الجدل الذي فرض نفسه وبقوة على المشهد السياسي الوطني، وجعله يسير وفق إيقاعه وتوقيتاته، من المنتظر أن يتصاعد وبشكل كبير، خلال الفترة القادمة، مع اقتراب الذكرى الثانية والخمسين، لعيد الاستقلال الوطني. فكل المؤشرات تشير إلى أن يوم ال28 من شهر نوفمبر الجاري، سيشكل محطة هامة ومنعطفا جديدا، في يوميات هذا الأخذ والرد، وذلك نظرا لعدة اعتبارات: ففي هذا الموعد، ستكون قد مرت خمسة وأربعون يوما بالتمام والكمال، منذ إصابة الرئيس بالطلق الناري، كما أن جلسة مجلس الوزراء الخاصة بالمصادقة على قانون الموازنة العامة لستة 2013، ستصبح أكثر إلحاحا، إضافة إلى أن الفعاليات المخلدة لذلك اليوم، "الخطاب الرئاسي وحفل رفع العلم"، تقتضي ظهور رئيس الجمهورية في الصورة بشكل أو بآخر. ووفقا للمعطيات المتوفرة حاليا، يمكن أن نتلمس ثلاثة سيناريوهات محتملة: 1 السيناريو الأول: العودة الكاملة: ويعني أن يعود الرئيس قبل أيام من حلول هذه الذكرى، فيترأس اجتماعا لمجلس الوزراء ويلقي خطاب الاستقلال ويشرف بنفسه على حفل رفع العلم في باحة القصر الرئاسي. وفي هذه الحالة سيتلاشى الجدل السياسي القائم حاليا شيئا فشيئا، قبل أن يختفي نهائيا، لتعود الأطراف السياسية إلى المربع الأول، الذي كان قائما قبل حادثة ال13 من أكتوبر. وبذلك تكون موريتانيا قد أغلقت القوس الخاص بإصابة الرئيس، وبدأت مرحلة جديدة، سيكون على ولد عبد العزيز أن يحدد ملامحها.
2 السيناريو الثاني: نصف عودة ومؤداه أن يكتفي الرئيس محمد ولد عبد العزيز، بخطاب "بالصوت والصورة" يوجهه للشعب الموريتاني من باريس، بمناسبة ذكرى الاستقلال، وأن يظهر فيه وهو بصحة جيدة، وبذلك يكون الرئيس قد قطع نصف المسافة، في طريق عودته من رحلته العلاجية. ومن شأن هذا الأمر أن يساهم كثيرا، في إخماد جذوة الجدل الحالي، حتى وإن بقيت بعض مخلفاته، في انتظار أن تكتمل الصورة، بالعودة النهائية لولد عبد العزيز إلى أرض الوطن.
3 السيناريو الثالث: بقاء الوضع على ما هو عليه ويتلخص هذا السيناريو، في عدم تحقق أي من السيناريوهين السابقين، بحيث لا يعود ولد عبد العزيز إلى أرض الوطن، وفي نفس الوقت لا يظهر في أي خطاب تلفزيوني. وهذا السيناريو هو الأسوأ، بالنسبة لأصحاب وجهة النظر الأولى، إذ سيعضد ذلك من حجة أصحاب الرأي الثاني، مما يعني أن حالة الجدل ستزداد حدة، وأن الطرفين سيدخلان في سباق مع الزمن، وهو ما سيجعل الساحة السياسية، مفتوحة على كل الاحتمالات. ومهما كان نوع السيناريو الذي سيحدث يومها، فالمؤكد هو أن احتفال الموريتانيين هذا العام، بالذكرى الثانية والخمسين لاستقلال بلادهم، سيكون له طعم خاص، وأن أنظار جميع الأقطاب السياسية ستتجه خلال الأيام القليلة القادمة، نحو يوم ال28 من نوفمبر، باعتباره "لحظة فارقة"، سيكون لها شأن كبير، في رسم معالم المشهد السياسي الوطني، لما بعد "النيران الصديقة".
آراء حرة