أرسل الحزب الحاكم الأسبوع الماضي بعثات "تحسيس" من أجل تجديد الانتساب و تجديد الولاء ل"رئيس الحزب" المعرف بمحليا ب"رئيس الفقراء" رغم أن الأجواء غير ملائمة لذلك؛ فالبلدُ يعيش أزمة اقتصادية، و ديونه و أسعاره مرتفعة، و عُملته في تدهور، و المنمّون يشكون من انعدام الدعم الحكومي، و مُعظم قطاعات الدولة عاجزة عن تقديم الخدمات اللائقة للمواطنين!!
رغم كل ما سبق فإن ذلك لم يثنِ الحزبَ الحاكم عن إرسال رسله المبشرين و المنذرين؛ المبشرين للمنتسبين و أصحاب الولاء و المنذرين للمشاغبين و المخالفين لسياسات الحزب و رئيسه. و السؤال المطروح -بقوة- هو من سينتسب للحزب الحاكم في هذه الظروف الصعبة و في هذه السنة الشهباء؟!
مَن سينتسب للحزب الحاكم؟
إن الجواب التقليدي عن هذا السؤال هو أن الشخصيات التالية ستكون في مقدمة المنتسبين و الداعين إلى تجديد الانتساب و المهرولين إليه -بقوة-:
كل رجل أعمال كبير أو متوسط صَنَعَه النظام أو حماه أو تعاملت معه السلطات المحلية .
كل شيخ قبيلة أو عشيرة سيبيع "القطيع" فداء للحزب.
كل مورّد للدولة و الولاية.
كل موظف كبير أو متوسط -وطنيا و محليا-
كل رئيس مصلحة أو قطاع يخشى على منصبه.
كل راغب في التعيين و الترشيح للمناصب العامة
المنتخبون المحليون الراغبون في الحفاظ على مناصبهم أو الترقّي في سُلّم الترشيحات و التعيينات!!
أما الطبقات المسحوقة و الموظفون الصغار و بقية الفقراء و المساكين فلن ينتسبوا إلا تحت طائلة الإغراء بحلّ مشاكلهم، أو خوفا من حصول ما لا تُحمَدُ عقباه؛ لأن "الدولة لا تعارَض"!! و "المخزن لا يمكن الوقوف في وجهه"!! و قد استخدم "حزب الدولة" وسائل الإغراء و التخويف في أكثر من مناسبة!!
لكن معاناة السكان - و خاصة المنمّين و الطبقات الفقيرة المسحوقة- و ما شاهدوه من تعثّر برامج التنمية تجعلهم هذه المرّة أكثر قوّة و صلابة و قُدرة على رفض الحزب و سياساته و ساسَته؛ فطريق كيفة- بومديد لم يكتمل، و طريق المستشفى الجديد لم يبدأ بعد، و تزويد كيفة و قرو و أقورط و الملكة و كوروجل بالمياه مشاريع بعيدة المنال، و مشروع الجامعة حلم -إن لم يكن خيال!! و أما فقراء باركيول و ساكنة "مثلث الفقر" فليس حالهم بأحسن من بقية السكان!!
و قد أحسن الأستاذ سيدي محمد ولد الهادي -في مقاله المنشور على وكالة كيفة للأنباء يوم أمس الاثنين بعنوان :" أنا مِن مدينة كيفة إذن أنا لن أنتسب للحزب الحاكم" - حين قال :
" على أي أساس ننتسب ، ونحن في ثاني مدينة من حيث الكثافة السكانية تغرق في القمامة وتعاني من أزمة عطش استثنائية ؟
ولماذا ننتسب ، ونحن نكاد نعجز عن توفير لقمة العيش بسبب ارتفاع الأسعار ؟
وكيف ننتسب لحزب لا نستحق عند حكومته شربة ماء ؟
وما فائدة انتساب لا يضيف جديدا للتغطية الصحية المتردية ولحالة التعليم المأساوية ؟
أليس من الجميل على هؤلاء "الساسة" أن يكونوا مجتمعين لقيادة مسيرة شعبية حاشدة للمطالبة بالماء وأعلاف المواشي وتخفيض الأسعار ؟
ألم يكن حريا بهؤلاء النخب أن يكونوا مجتمعين بقبائلهم ومجموعاتهم لإنشاء صناديق للتكفل بالمرضى والمعوزين أو حل مشكل من مشاكل السكان ؟" (انتهى الاستشهاد).
الولاء المجاني:
رغم أن معظم سكان ولاية لعصابة و موريتانيا -عموما- هم من المنتسبين للحزب الحاكم -بالقوة أو الفعل كما يقول المناطقة - (و قد قيل إن عدد المنتسبين لهذا الحزب سنة ٢٠١٠ بلغ ٨٥٠ ثمانمائة و خمسين ألفا، و قد يكون من ضمن المنتسبين "أموات" تم تسجيلهم بعد وفاتهم!!) إلا أن هذا الولاء مجاني لا تترتب عليه فائدة، و لا يحصل منه مقصود، فلم يتمّ القضاء على الفقر، و لم تتحقق التنمية، و لم تجد هذه القواعد منفعة من انتسابها للحزب الحاكم - الحالي و ما سبقه- و اكتفت بانتظار وعود عرقوب و الوقوف في الساحات تحت زمهرير الشمس الحارقة و التصفيق لمن استعبَدَها و احتَقَرَها مِن سَاسَة و شيوخ قبائل و رجال أعمال لا ترى وجوههم الناضرة و سياراتهم الفارهة إلا في موسم كهذا!!
نصيحة للوزيرة و المستشار:
بعثَ الحزبُ الحاكم لأهل لعصابة الوزيرةَ المنتدبة لدى وزير الخارجية المكلفة بالشؤون المغاربية و الافريقية و بالموريتانيين في الخارج و مستشارَ الوزير الأول، و قد عقد الحزب اجتماعاته في "فندق ولد كَيّه" و حتى يكونوا على اطلاع بأحوال سكان كيفة فإني أنصحهما -و الوفدَ المرافق لهما- بالقيام بجولة سريعة في المدينة غير بعيد من الفندق المذكور و ليبدأوها بحي "أدباي المطار" و لينظروا حال أولئك الفقراء المعوزين الذين لا يتوفرون على مياه صالحة للشرب، و لا يجدون مساكن تحمي أجسادهم من لهيب الشمس الحارقة، و لا مصادر مالية لهم؛ فلا الدولة وفّرت لهم مشاريع تسمح لهم بالعمل، و لا منحتهم مساعداتٍ ماليةً تخفف عنهم وطأة الفقر و الحرمان!!؟ فلماذا ينتسبون لحزب يقود حكومة لم توفّر لهم أبسط متطلبات العيش الكريم؟ و ما الذي سيترتّب على انتسابهم لهذا الحزب؟
نتيجة الانتساب و فوائده:
لقد لخّص أخي الدكتور الشيخ ولد سيدي عبدَ الله -في تدوينة له- نتائج الانتساب للحزب الحاكم حيث يقول:
" هل سيوفر الانتساب لحزب UPR الماء الشروب لساكنة تمبدغة وكيفة؟..هل سيوفر العلف لأنعام ساكنة الشرق وهم الذين يواجهون قحطا مكشرا؟
أليس من الصفاقة أن يشارك وزراء التعليم والصحة والتجهيز في حملة لإغراء الناس بالانتساب؟
وكأني بوزير الصحة يقول لهم : انتسبوا فقد رفعنا سعر معاينتكم أضعاف ما كنتم تدفعون..
وكأني بصاحب التعليم يذكرهم بفضيحة النجاح في السنة المنصرمة، انتسبوا فنحن أفشل أمم الدنيا في التعليم" (انتهى الاستشهاد).
و مع كل ما سبق ذِكْرُه فإنني أجدد الدعوة هنا إلى أَن يرفض سكان لعصابة الانتساب للحزب الحاكم حتى يتم تزويد عاصمة الولاية بالماء و حتى يكون لها جامعة و حتى تتحقق المتطلبات الدنيا من التنمية في بقية أرجاء الولاية. فهل يفعلون؟