قنبلة الدخان المسعودية
وكالة كيفة للأنباء

خمس دقائق كانت كافية للرئيس مسعود كي يحكم أن صحة رئيس دولتنا المصاب تتحسن!،..لم يستسغ الكثيرون ذلك، واندفع بعضهم ليرمي الرجل بالكذب، وبأنه باع ذمته، وو...، وشخصيا لا أعتقد أن تاريخ الرجل النضالي يمكن أن يتلاشى حتى يسقط في ذلك الدرك الأسفل بتلك الصورة المدوية.

طريقة السيد مسعود في الابتسام، ورومانسيته الطافحة من كلماته وهو يصف كيف ذكر الرئيس المصاب بالماضي بينهما، وكيف أن ذلك دليل على استمرار صحته العقلية!، كل ذلك يوحي بأن الرجل قد يكون صادقا في مكالمته، صادقا في نقل حيثياتها، حتى برغم صوت الرئيس المصاب الذي لم يكن طبيعيا بحسب تعبير ولد بلخير!.

وحسب اعتقادي فإن خرجة مسعود الإعلانية عن صحة رئيس الجمهورية، وقبل مهرجان المعارضة الذي يريد تحديدا علنيا ودقيقا للوضع الدستوري لللسلطة الآن، جعلت الرجل مشاركا في حياكة شيئ يراد له أن يبدو غامضا، كثيفا، أسودا يحجب أفق نوايا الجنرالات وترتيباتهم المستقبلية للحكم.

كان كلام مسعود قنبلة دخان، و يطلق العسكر قنابل دخانية لتغطية تحركاتهم الهجومية في المعارك،...كان مسعود حد السكين التي ستذبح الشعب تحت أحذية الجنرالات نهائيا " قصد ذلك أم لم يقصد"!.

لقد خلقت أزمة "الرصاصة الصديقة" ثقبا كبيرا في السياسات العسكرية الاستراتيجية في منطقة الساحل كلها!.

منذ بضع سنين استطاع الجنرالات الموريتانيون وعلى رأسهم الرئيس الجنرال محمد ولد عبد العزيز، إقناع الغربيين وعلى رأسهم فرنسا أنهم يشكلون الدرع الحقيقي ،في وجه تنامي وتوسع انتشار تنظيم القاعدة في بلاد المغرب ومنطقة الساحل، ذلك أن جنرالاتنا بدوا دوما مستعدين لقطع خطوات استثنائية وجريئة، في الحرب على القاعدة، واستطاعوا تمرير مطارداتهم للقاعدة في مالي، بغية إنقاذ الرهائن الفرنسيين، تحت يافطة الحرب الاستباقية على العدو ، وإبعاده عن ثغورنا الشرقية، وبذلك أثبتوا أنهم قادرون على أن يكونوا رقما مهما في الحرب الوشيكة على القاعدة في مالي.

غير أن أهم ما اعتمد عليه جنرالاتنا الحاكمون في بقائهم في الحكم، رغم موجات الربيع العربي المتلاحقة والقريبة جدا، ورغم تغير الحكم في فرنسا لصالح ذوي النفس اليساري الاشتراكي، هو أنهم سوقوا أسطورة رعب لفرنسا وأمريكا وأروبا كلها مفادها: لدينا مساحة مليونية، بها تضاريس صعبة جدا، ونخشى أن تستحوذ عليها القاعدة، لو ضعفت القبضة الأمنية العسكرية الحاكمة!، ستكون موريتانيا عندئذ افغانستان أخرى، و سيكون من الصعب بل من المستحيل عليكم معاشر الغربيين القضاء على تواجد تنظيمات الارهابيين بعد ذلك، ولربما يتمددون إلى السنغال، والمغرب، وربما إسبانيا وووو.....!!..إنه الرعب القادم من الغرب ليهز الغربيين!.

لقد انبرى الغرب كله لدعم حكومة الرئيس الجنرال، وتغاضى حتى عبثها الدبلوماسي في علاقاتها مع إيران، وسوريا، والصين،وفنزويلا....، وتغاضى عن صرخات أصدقائه من المعارضين الموريتانيين، كل ذلك كان من أجل مصالحه الاستراتيجية في المنطقة، والتي بات يعتبرها منطقة خطر حقيقي بحسب آخر التقارير الاستراتيجية الفرنسية والامريكية الرسمية.

لكل ذلك فإن رصاصة الثالث عشر من أكتوبر ، والتي كانت "صديقة" بحسب تعبير الرئيس الجنرال المصاب بها، لم تكن كذلك بالنسبة للغرب ، لأنها انطلقت عشية القرار الأممي القاضي بتجهيزخطة عسكرية فعالة لدول المنطقة " ومن بينهم بلادنا"، لمواجهة القاعدة في مالي، خلال شهر!، لقد عرقلت الرصاصة كل المخطط.

إن التحرك الدبلوماسي المحموم الذي انطلق مباشرة بعد حادثة "الرصاصة الصديقة"، لا يمكن أن يفسر إلا أنه محاولة لتلافي شيئ سيئ جدا.

وليس هناك ماهو أسوء من انتخابات ومرحلة انتقالية، في بلد كان من المنتظر أن يغدو منصة متقدمة فعالة للتدخل في مالي!،...فالانتخابات عادة تعيق الحرب لأسباب براغماتية معروفة، ولأنه من المفترض لا أحد من المرشحين " المهمين"، سيؤيد قرار التدخل العسكري لبلادنا ،ولو بشكل غير مباشر في مالي.

كاستنتاج تحليلي يمكننا أن نقول إن الجنرالات الحكام الآن، أرادوا من خلال إتصالاتهم المباشرة وغير المباشرة، ومعهم حلفاؤهم الغربيون، أن يهيئوا السياسيين المعارضين لمرحلة يجمد فيها الوضع السياسي على ماهو عليه الآن، مع وعود بتنظيم مرحلة انتقالية بعد انتهاء مهمتهم القتالية في مالي.

ولربما أدى تردد بعض السياسيين، و عدم استعدادهم لخوض تجربة دعم العسكر من جديد، وعدم ثقة البعض الآخر في وعودهم، إضافة للرفض "المفاهيمي" لدى قلة من السياسيين للتعامل مع العسكر، كل ذلك في اعتقادي أدى بالجنرالات للبحث عن سيناريو بديل.

لم يكن هناك أفضل من تفجير قنبلة دخانية مسعودية، ستعمي عيون الشعب عن طلبات المعارضة بتعديل وتوضيح الوضع الدستوري للرئيس المصاب، وتجعل مهرجانهم يمر بسلام دون كبير تأثير!، وتجعل الوضع الحالي يستمر طويلا جدا حتى في ظل غياب الرئيس عن المشهد، ذلك أنه سيكون حاضرا بشكل إعلامي أو إعلاني كل ما اقتضت الضرورة، وزاد الالحاح المشاكس!.

كان صوت الرئيس المصاب واهنا، وربما ستكون صورته التي قد تبث بعد ساعات ( كما يشاع)شاحبة كذلك، وكان خطاب الرئيس مسعود للاعلاميين عن مكالمته لرئيس الجمهورية حالما، لكن كل ذلك يصنع ويضيف قوة استراتيجية جدية لأهمية دور العسكر الجنرالات في الحكم، والاستمرار فيه ولو من وراء ستار، كذلك ترى أمريكا وفرنسا...، فهل تقبلون أيها الموريتانيون؟؟؟!


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2012-11-01 04:18:31
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article2088.html