يمنح الدستور، والقوانين المعمول بها في موريتانيا صلاحيات واسعة للوزير الأول، ويتبع له جميع الوزراء، وهم مسؤولون أمامه، وينفذون تعليماته، باعتباره منسق العمل الحكومي، وحلقة الوصل بين الوزراء، ورئيس الجمهورية، إلا أنه خلال السنوات الأخيرة أطلت ظاهرة جديدة على العرف الإداري في موريتانيا، ألا وهي ظاهرة الاستقطاب داخل الحكومة، وظهور “لوبيات” متباينة داخل الحكومة، وبروز وزراء يعتبرون أنفسهم وزراء من الدرجة الأولى، باستثناء غيرهم، ويحاول هؤلاء تجاوز الوزير الأول نحو رئيس الجمهورية أحيانا، وأحيانا أخرى يرفضون تنفيذ تعليمات الوزير الأول، ويتحدثون في مجالسهم الخاصة عن عدم انسجامهم تحت إرادته، وبات البعض يطلق على هؤلاء الوزراء “المشاكسون”.
فور تعيين الوزير الأول الحالي المهندس يحي ولد حدمين، بدأ الحديث عن “تطهير” الحكومة من وزراء يدينون بالولاء لسلفه الدكتور مولاي ولد محمد لغظف، حيث تمت تصفيتهم واحدا تلو الآخر.. ولد جلفون، وبا عسمان، وهند بنت عينينة…، والقائمة تطول، لكن مع مرور الوقت ظهر وزراء جدد “مشاكسون” وليسوا من طائفة ولد محمد لغظف بالضرورة، ومن أبرز هؤلاء الوزراء حاليا:
محمد عبد الله ولد اوداعه، وزير التجهيز والنقل..
وزير سابق في الحكومة، ومدير سابق للشركة الوطنية للصناعة والمناجم، وهو اليوم وزير للتجهيز والنقل، وهي الوزارة نفسها التي ظل يشغلها المهندس يحي ولد حدمين إلى لحظة تعيينه وزيرا أول، كما أن شركة اسنيم – التي تولى ولد اوداعه إدارتها في فترة طفرتها الذهبية- تعتبر الشركة التي أمضى فيها الوزير الأول ولد حدمين مشواره الوظيفي المهني، وتقلد فيها مختلف المناصب، حتى تقاعد فيها، ويتمتع ولد اوداعه بعلاقات خاصة مع المحيط الاجتماعي لرئيس الجمهورية، وفضلا عن هذه العوامل، يعتبر ولد اوداعه نفسه منافسا قويا على منصب الوزير الأول، رغم احتكار ولاية الحوض الشرقي لهذا المنصب في الغالب، عوامل كلها جعلت ولد اوداعه ضمن الوزراء المشاكسين، وقد طفى على السطح خلاف بينه، والوزير الأول في ملفات تتعلق بوزارته، من بينها تصفية شركة أنير، وتحضيرات الاستقلال في كيهيدي، حيث أسند الوزير الأول معظم تجهيزات الاستقلال لوزارة الإسكان، وهو ما رأى فيه ولد اوداعه تعديا على صلاحياته، باعتبار التجهيز والنقل هو المسؤول عن ذلك.
كمبا با، وزيرة الوظيفة العمومية والعمل وعصرنة الإدارة..
وهي سيدة يصفها البعض ب”الصندوق الأسود” لولد عبد العزيز، وعملت سابقا في الرئاسة، وارتبط اسمها بما تسميه المعارضة بفضيحة صناديق أكرا، وتحظى هذه السيدة بشعبية كبيرة في ولاية كوركل، وظلت تحجز مكانها في التشكيلة الحكومية، ومرت على العديد من الوزارات، ويتحدث الجميع عن خلافها الواضح مع الوزير الأول، وفرضها لبعض القرارات، وتعيين مقربين منها في مناصب كبيرة، مستعينة بقربها من رئيس الجمهورية.
إسلك ولد أحمد إزيد بيه، وزير الخارجية…
يعتبر هذا الرجل من أقرب المقربين من الرئيس ولد عبد العزيز، واختاره لإدارة ديوانه في فترة بالغة الحساسية، وهو رئيس سابق للجامعة، استطاع تحجيم الغضب الطلابي ضد النظام في فترة كان النظام يخشى أن تشكل الجامعة منطلقا لثورة شبابية ضد النظام، ويعرف ولد أحمد إزيد بيه بالدهاء، والرزانة، وقلة الكلام، ويستفيد من خدمات صديقه المقرب، وزميله في الجامعة أحمد ولد باهيه، مدير ديوان رئيس الجمهورية، ويعتبر ولد أحمد إزيد بيه نفسه منافسا حقيقيا على منصب الوزير الأول، للاعتبارات السابقة، ولانتمائه لولاية الحوض الشرقي، وهو من الوزراء القلائل الذين احتفظوا بعضوية الحكومة، مع فاصل قصير أمضاه رئيسا للحزب الحاكم، وهي ثقة كبيرة من رئيس الجمهورية.
هذا، وبات المراقبون يتحدثون عن تأثير “الوزراء المشاكسون” على سير العمل الحكومي، وانسجامه، خاصة وأن الوزير الأول المهندس يحي ولد حدمين يحظى هو الآخر بدعم شبه مطلق من رئيس الجمهورية، وبعض الدوائر النافذة في النظام، لذلك لا يبدو تجاوزه من قبل الوزراء المشاكسين سهلا، وهو ما خلق نوعا من توازن القوة أثر سلبا على تنسيق العمل الحكومي، وبات حديث الصالونات السياسية، في انتظار تدخل من الرئيس ولد عبد العزيز لترجيح إحدى الكفتين.
يتواصل…
الوسط