أصدر نقيب المحامين، الأستاذ أحمد سالم ولد بوحبيني، تقريره عن العدالة - فصل اكتوبر 2011. وقدم الأستاذ لوحة سوداوية قال فيها ان "سجن نواذيبو (مثلا) زاد على قدرته الاستيعابية بـ 120%"، وأن "السجناء، عندما يريدون النوم، يتوزعون على فرق تتبادل". وأردف تقرير النقيب يقول: "شهد الفصل السابق تراجعا للعدالة في موريتانيا.
وإن بإمكان بعض الأمثلة أن تؤكد هذا المنحى. وبنشرنا واستنكارنا لهذا التراجع، فإننا نبدي تعلقنا بـمُـثـُـل العدالة ونستجيب لواجب الحيطة الذي يعود إلينا بطبيعته.
من المؤكد أن تعاونا مثمرا بين سلك المحامين والسلطات، كان بإمكانه أن يكون الإطار المثالي لطرح وحل مشاكل عدالتنا، تلك هي فناعتنا، لكن الغياب التام لهذا الإطار يجعل طريق التعميم تظل وحدها المتاحة، وبالتالي فإننا نسلكها هنا باعتزاز.
والحقيقة أن غياب هذا الإطار ليس إطلاقا بسبب عدم السعي في طلبه، وأنصع تجليات ذلك تكمن في سلسلة الرسائل (التي ظلت بلا جواب) الموجهة إلى رئيس الجمهورية بغية حصول مجلس هيئة المحامين على لقاء معه كما هو الشأن تقليديا بعد كل انتخاب.
بيد أننا نفتأ مقتنعين أن التعميم يبقى واحدا من أكثر الوسائل فاعلية للمشاركة في تبيان الخروقات والمخالفات بهدف وحيد يكمن في سد الطريق أمام مثل تلك الممارسات.
1- تبعية العدالة للسلطة التنفيذية
إن أنصع مثال على تلك التبعية هو، بلا شك، طرد قاض ومعاقبة زملائه من أعضاء المحكمة لأنهم برأوا. فكل شيء في هذا الملف كان خرقا للإجراءات. فإجراء الإحالة كان من اللازم بشأنه أن يتصل الوزير بالمجلس الأعلى للقضاء، وليس اللجنة التأديبية مباشرة، وعلى هذه أن تجتمع بكامل أعضائها، لكن الأمر انتهى بها إلى خيار إقصاء ممثلي القضاء تعسفيا.
قضاة يعاقبون لأنهم برأوا، وقضاة يعينون كي يدينوا.
لقد عـُـهد بالملف، موضع التبرئة، إلى قضاة آخرين، لكن هل سيكون بمقدورهم أن يقوموا بمقاضاة سليمة، مع علمهم مسبقا أن التبرئة خطأ تأديبي يقود إلى الطرد؟
هل اختيروا كي يعقدوا محاكمة سليمة؟ أم اختيروا ليعقدوا محاكمة وفق قراءة السلطة التنفيذية، بعبارة أخرى: محاكمة هدفها الإدانة؟ هل اجتمعت أدنى الشروط الأولية لمحاكمة منصفة؟ هل من المنطقي أن نعهد بمصير صيدو كان، المعتقل الوحيد في هذا الملف، إلى قضاة مدعوين أصلا إلى الإدانة و"تحرم عليهم التبرئة"؟.. هؤلاء القضاة الذين بدأوا التجاوزات بحقه، تطبيقا لتعليمات السلطة التنفيذية، بقيامها باعتقاله التعسفي الحالي دون أمر بالإيداع من لدن المحكمة العليا ودون أن تنطق هذه بإبطال مفعول التبرئة، مخالفة بذلك أحكام المواد 118، 112، 560.
أليس لنا أن نعبئ أنفسنا لنمنع هذه المحاكمة التي تتهيأ والتي ترمز لنهاية استقلال القضاء؟
إن هذا الملف يشكل فرصة، ليس للتنديد بتدخل السلطة التنفيذية في عمل السلطة القضائية فحسب، بل أيضا للتعبير عن الاشمئزاز من ضعف قضاتنا الذين لا يملكون ردة فعل تجاه احتقارهم. فلا هم قاموا بأية خطوة تضامنية مع زملائهم الذين كانوا موضعا لإجراءات تأديبية ظالمة، ولا هم عبروا عن اشمئزازهم من طرد زملائهم المنتخبين في سبيل الدفاع عن مصالحهم لدى الهيئات التأديبية. لقد عجزوا عن ردة فعل واحدة في مواجهة ما هم ضحية له من دوس.
والأخطر من ذلك أن رئيس الغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف، إضافة إلى رئاسته لهذه الأخيرة، أصدر حكما علنيا، ثم غيّر مضمونه في اليوم التالي بتدخل قوي من السلطات، في حين أصبح الملف موضع مراجعة ولم يعد من ضمن صلاحياته.
وتحت ضغط التعليمات يقبل قاض محول للمحكمة العليا إلغاء قراراته معتبرا إياها غير مؤصلة.
هذه هي الأمثلة المقلقة بالنسبة لاستقلال القضاء والتي يتعين علينا إدانتها.
وأخيرا فإن ودادية ونقابة القضاء أصبحتا ملحتين أكثر من أي وقت مضى. وإننا نناشد المعنيين بوضع هاتين الهيئتين التي ستمكنان القضاة من الدفاع عن مصالحهم وتحررهم من القيود.
2- السجون
السجون، التي يمنعنا وزير العدالة من زيارتها رغم مضي ثلاثة أشهر على طلباتنا ورسائلنا، تعرف هذه الأيام وضعا مزريا.
سجن الصحاري (السلفيون):
تفرض المعاهدات الدولية لكل شخص معتقل بعض الشروط والمعاملات التي في مقدمتها وضعه في مؤسسة رسمية، فيما بدا أن المساجين المعروفين بـ"السلفيين" تم تحويلهم إلى مكان سري في جهة ما. وإن المبررات التي صاغها رئيس الجمهورية، عندما وصف مصيرهم بأنه أحسن من مصير ضحاياهم، لم تكن مقنعة. "إنهم معتقلون في مكان ما من الطبيعة، كما يقول، بينما فقد ضحاياهم الحياة". هذه الأرواح التي نأسف لها لا تبرر المعاملة القاسية المخصصة للمعتقلين. وإنه من الواجب وضع حد لهذه الوضعية غير القانونية.
سجن نواذيبو:
يتجاوز سجن نواذيبو 120% من طاقته الاستيعابية بحيث أن المساجين، من أجل أن يناموا، يتوزعون على فرق تتبادل. وإن حضور الكثير من الأجانب، الضعفاء بطبيعتهم والذين لا يستفيدون من الرعاية، مقلق جدا. وتمر مأساة هؤلاء السجناء بدون أن تكون مثار اهتمام من قبل السلطات خاصة الإدراية والقضائية بانواذيبو.
سجن الأطفال:
لم يعد سجن الأطفال موجودا، فكل الجهود التي بذلت خلال السنوات الأخيرة بهدف ضمان فصل القصّر عن البالغين، وفقا للمعاهدات الدولية، باءت بالفشل. وقد مات طفل مؤخرا داخل السجن.
سجن دار النعيم:
إن الإدارة غائبة ولا تسيّر ما بداخل السجن حيث يسود الرعب. فخمسة أشخاص على الأقل محكوم عليهم بسنة من السجن ودفع الدية، أنهوا محكوميتهم، بيد أنهم، نتيجة لفقرهم ، ما يزالون في السجن منذ سنوات بسبب ضيق ذات اليد (فمنذ 13 سنة ينتظر بعضهم داخل هذا الكهف لأنهم لا يملكون ما يدفعون به الدية.. 13 سنة!).. هل هذا يليق في دولة تحترم نفسها؟. وإن من بين سجناء دار النعيم من هم في حالة توقيف تحفظي منذ سنوات (3 سنوات لبعضهم).. هل يمكن تصور هذا في ظل دولة تحترم نفسها؟.. لقد أنهى سجين بدار النعيم محكومية 3 سنوات لكنه بقي في السجن لأن ملفه ضاع.. هل يمكن تصور هذا في ظل دولة تحترم نفسها؟.. 4 نساء يقبعن في السجن منذ سنتين وثلاث سنوات بذريعة أحكام إضافية (الجلد...).
2- المحاربة المزعومة لاختلاس المال العام.
كما أتيح لنا أن نذكر في عديد المرات، فإن العدالة لا تـُـسَـيّـر ملفاتها.
فاللجوء إلى العدالة كثيرا ما يتم لنمنح الشكل المطلوب للقرار السياسي باعتقالِ أو إطلاق سراحِ، والأمثلة لا تـُعجز في هذا المقام.
ومع مصير العدالة المحزن، يمكننا أن نعتبر الأشخاص (المعنيين بالاعتقال أو إطلاق السراح) سجناء سياسيين، ونعتبر مكافحة اختلاس المال العمومي شكلا من أشكال تصفية الحسابات.
فالعدالة عاجزة عن أن تمنحهم الحق في محاكمة ولو كانت غير منصفة وبدون ضمانات، إلى حد أننا وصلنا إلى تجاوز الفترات القانونية للتوقيف التحفظي إلى التوقيف التعسفي (مثال ذلك مفوض حقوق الانسان محمد الأمين ولد الداده المعتقل تعسفيا منذ 27 سبتمبر 2011 والذي نطالب بإطلاق سراحه فورا وبدون شروط).
لقد تم دوْس القواعد الأساسية للمحاكمة لدرجة أن أعضاء المحكمة ينسحبون لتقديم الحكم بعد أن اختتموا الجلسات، وبدلا من الخروج بحكم منطوق، كما يفرض القانون، يقررون إعادة المحاكمة (أحمد ولد خطري). متناسين، ربما، أنه بعد المداولات عليهم ، عبر المتاح، أن يجيبوا على الأسئلة المتعلقة بالتجريم أو غيره، كما بالتخفيف أو التشديد، والعقوبة. وليس بمقدورهم، ولا يجوز لهم، الخروج إلا للنطق بالحكم. ولا شيء يبرر قرار إعادة المحاكمة، خاصة نقص الأدلة، وكأن المحكمة تحس بأنها مرغمة على إيجاد أدلة. فالأدلة من شأن المدعي، ونقص الأدلة يستفيد منه المتهم.
انظروا إلى حالة هذا الموظف الذي أوقف دون أن يوجه له أي إنذار حتى يومنا هذا، مع أنه قابع في السجن منذ أكثر من سنتين. وهناك حالة أخرى حصل صاحبها على إنذار 4 أيام بعد إحالته للسجن، بينما المادة 166 من قانون الجنايات واضحة بهذا الخصوص حيث تجعل من الإنذار تمهيدا ضروريا لكل متابعة. "يعذر قبل البدء في أية متابعة من طرف عون الدولة المكلف بالتحقيق بإرجاع الأدوات أو إحضارها أو الأموال العمومية أو البضائع أو غير ذلك من الأشياء أو الأوراق...".
يحدث تارة أن يحل قضاة التحقيق محل الإدارة في تقديم الإنذارات.
وفي إطار مكافحة اختلاس المال العام، فإن الإجراءات فاسدة، ولا تهتم الإدارة بتقديم ملفات يوثق بها، بالإضافة إلى أنها لا تفرض أية شروط. فكثيرا ما يوقف الأشخاص ثم يتبع ذلك بحث طويل عن الأدلة مع قرينة تجريم جلية.
بعض الملفات، التي أتمسك بنسخ منها، تضم شهادات من مهنيين يعلنون أن "المفتشين يفتقرون إلى الكفاءة ولا يجيدون التعامل مع أنظمة المعلوماتية التي من خلالها يقومون بتحقيقاتهم". وفي ملف آخر يصف المفتشون المعطيات التي يعملون عليها بـ"غير الجديرة بالثقة والفوضوية وغير المرتــّـبة"، إلا أن ذلك لا يمنعهم من الوصول، في تسرع تام، إلى مُحَصّـلة باختلاس المال العام، ولا يمنع ذلك العدالة من اعتماد الملف مع متابعات مبنية أساسا على تلك التقارير.
إذا ما وُضع شرف الأفراد وحريتهم على المحك، يجب، قدر الإمكان، أن تكون الوقائع ثابتة بحيث يتم إبرازها وفق عمل مهني يحترم الإجراءات".