نخب سياسية في يد العسكر
وكالة كيفة للأنباء

منذ أكثر من ثلث قرن من تاريخ موريتانيا الحديث، تراجعت النخب السياسية إلى الخطوط الخلفية لصالح العسكريين الممسكين بمقاليد السلطة، دون أن يكون للمدنيين دور مؤثر في قيادة البلد. صحيح أن هناك حكومات مدنية تتشكل، ومستشارين مدنيين يعينون، بل وحتى أنظمة تلبس عباءة الديمقراطية خلال العقدين الأخيرين، لكن السلطة العسكرية ظلت قطب الرحى في كل تلك الأنظمة المتعاقبة، فقط لأن النخب السياسية ظلت مقسمة بين ولاءات متناقضة لمتنفذين عسكريين، تارة باسم القبيلة وطورا باسم الجهة، وفي حالات نادرة باسم الولاء السياسي.

ورغم أن كتلا وازنة في المشهد المدني بدأت تراجع حساباتها مع العسكر منذ بعض الوقت، إلا أنها حافظت على تشنجها تجاه أي قلم صحفي أراد العودة إلى تاريخها في تمكين العسكريين واستمرارهم في الإمساك بسلطة البلد، وهي ترفع شعارات الدفاع عن الديمقراطية، التي تتجسد في مرتكز حرية الصحافة بوصفها المظهر الديمقراطي الأكثر تأثيرا وسرمدية.

جل الأحزاب السياسية، إن لن نقل كلها، وفي مقدمتهم تكتل القوى الديمقراطية في المعارضة والاتحاد من أجل الجمهورية في الأغلبية، يرفضون حرية الصحافة في نبش ماضيهم وتقييم حاضرهم والتنبئ بمستقبلهم.

وقد لا يأتي التهجم على الصحافة التي تتناول الأحزاب بالنقد والتقييم من قادتها، لكن بعض غلمانها يتولون كبر ذلك، ويوجهون سهامهم السامة لأية وسيلة إعلام أرادت أن تمارس حقها الدستوري في تنوير الرأي العام.

فمن المحاذير التي يجب على الصحافة تجنبها، برأي النخب السياسية، وصف الحزب الحاكم بالدمية التي يتم تحريكها بالروموت كونترول، أو إعادة تذكير الرأي العام بدور حزب التكتل في تشريع انقلاب 2008، أو دور حزب تواصل الإسلامي في تشريع نتائج الانتخابات الرئاسية التي أعقبت اتفاق دكار سنة 2009.. أو وضع حزب حاتم ثقله في الأغلبية لترجيح كفتها أمام المعارضة.

وعلاوة على ذلك فإن حزب التحالف يضع التذكير بدوره في إجهاض التغيير سنة 2007، ووحدة صف المنسقية بحواره مع النظام، يضعها في دائرة الموبقات السبع.

إن طبقة سياسية تسعى إلى إقامة نظام ديمقراطي حقيقي لا تحترم حرية الصحافة، وتسعى، بقصد أو بغير قصد، إلى إبقاء سيطرة العسكريين على مقاليد السلطة، لحري بها أن تراجع الشعارات الديمقراطية التي ترفعها.

لقد اعترفت الطبقة السياسية المعارضة، على لسان القيادي في منسقية المعارضة محمد ولد مولود أنها وقعت فيما وصفه بالخديعة التي مارسها العسكر بحقهم وحبر توقيع اتفاق دكار لما يجف.

الخديعة تمثلت في استدعاء الوزير الأول مولاي ولد محمد لغظف لهيئة الناخبين خلال الفترة القصيرة التي تولى فيها رئيس مجلس الشيوخ با امباري منصب الرئيس بالإنابة، وقال ولد مولود إن المعارضة فضلت الصمت حينها، وهو خطأ فادح، لأن الاتفاق نص على أن الرئيس بالإنابة هو من يستدعي الهيئة وليس الوزير الأول.

فإلى متى ستظل النخب السياسية أداة في يد العسكر، يقلبونها كيف يشاؤون، وهم الرابح الأكبر من تشرذمها وارتمائها في أحضانهم، في حين يكتفي الساسة بمزايا يغدق العسكريون بها على من والاهم ويحرمون منها من عارضهم، في لعبة أشبه ما تكون بلعبة القط والفأر؟

السفير


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2012-09-02 02:54:09
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article1732.html