قبل الربيع العربي لم يكن أي متابع ينتظر أن يتحرك الشارع العربي ضد القمع والاستبداد، بل كان الوضع العام يشي بالعكس؛ حيث كل الأنظمة العسكرية ورّثت الحكم بسهولة لنفسها أو بدأت في ترتيب نقل السلطة من الأب إلى الابن في ظل حالة من الاسترخاء الكامل بسبب انسداد الأفق وشيئ من الرخاء النسبي ورغم ذلك ثار الشارع العربي فجأة ومن دون مقدمات.
يبدو أن ربيعا عاصفا سينطلق هذه المرة من مصر ليقتلع من جديد جذور النظام الانقلابي وإلى الأبد. وتتوالى الكتابات المحذرة من قوة الأحداث القادمة.
آخر تلك الصيحات هو المقال القنبلة لمجلة الإيكونوميست تحت عنوان "خراب مصر على يد السيسي"، وفيه حذرت هذه المجلة الرصينة من عواقب حكم السيسي لمصر بعد أن صار نظامه مفلسا سياسيا وماليا.
لقد انفض السامر كمال يقال، من حول السيسي حتى من جوقة المطبلين الذين ساندوه في انقلابه على الشرعية، ولم يعد أحد من هؤلاء يصدق أكاذيبه التي صارت موضع تندر الخاص والعام.
الأوضاع المعيشية للمصريين صارت كارثية وتنذر بالأسوء، والدولة أصبحت على شفا الإنهيار ماليا ومؤسسيا.
الجبهة الاجتماعية تتصدع، وتزداد نقمتها على السيسي، بدأ بالفلاحين وانتهاء بالعمال ومرورا بالطلبة.
وحتى القيادات الحزبية التي ساندت الانقلاب في البداية، أو جاملته، صارت ضد السيسي في النهاية، ولذلك بدأ يلفق ضدها التهم جزافا تمهيدا لتقديمها للمحاكمة. وآخر مثال على ذلك التهديد بمحاكمة صباحي و أبو الفتوح بتهمة المشاركة في مؤتمر لحزب الله اللبناني.
الطبقة العاملة تعيش أسوء أوضاعها منذ مبارك، وتواجه غالبيتها التسريح أو المضايقة، أما الفلاحون فباتوا في وضع كارثي بسبب قلة المياه وتلوثها ونقص التقاوي والدعم في ظل مسلسل الفضايح التي تعصف بوزارة التموين.
رجال الأعمال الذين ساندوا السيسي وحاربوا الشرعية، باتوا يواجهون عواقب هيمنة الجيش على الاقتصاد، حيث يستحيل منافسة الشركات التي يديرها جهاز الخدمة العسكرية.
أما المشاريع الكبرى من قبيل قناة السويس والمليون مسكن والطرق السيارة والعاصمة الجديدة فلم تأت أكلها أو لم تنفذ من الأساس.
لقد بات الرأي العام المصري مجمعا على أن السيسي كذّاب أشر وأن سياساته الخرقاء قادت البلاد إلى كارثة محققة لم تعرفها مصر حتى في ظل أحلك عهود العسكر.
للشيخ صلاح حازم أبو إسماعيل مقولة شهيرة بالغة الدلالة مفادها أن معركة المصريين مع الانقلاب هي معركة وعي قبل شيئ، وأن المصريين سيثورون ضد الانقلاب عندما يصلون إلى حسم معركة الوعي تلك. ويبدو أنهم وصلوا إلى تلك الحقيقة.
ترقبوا ربيعا عاصفا يأتي من مصر، ربما قبل نهاية هذا العام، يبدأ بخروج السيسي من الحكم مكرها وعودة الشرعية في رابعة النهار.
ولله الأمر من قبل ومن بعد