تعتبر الوظيفة العمومية في كل بلدان العالم و بلدان العالم الثالث خصوصا "خَزًانَ الكفاءات" المؤهلة و المخصصة لقيادة الإدارة العمومية و تسيير شؤون الدولة ذلك أن الطريق الشرعي و الوحيد للولوج إلي الوظيفة العمومية هو المسابقة التي تمكن الوظيفة العمومية من استقطاب و انتساب خيرة المَعْرُوضِ بسوق الشغل الوطني من مُخْرَجَاتِ الجامعات و المدارس الوطنية و الأجنبية.
و لم تَشُذً الوظيفة العمومية الموريتانية كثيرا عن التوصيف السابق رغم اختراقها خلال العقدين الأخيرين من طرف بعض "المستوطنين" الذين تسللوا إليها لِوَاذًا عبر منافذ "السياسوية" و "الانتخابوية" و "المحسوبية"؛ منهم من مثل انتسابه خَصْمًا كبيرا من "رأس المال المعنوي" للوظيفة العمومية و منهم من شكل انتماؤه إضافة نوعية و عصرنة و تحديثا لأداء المرفق العمومي.
و تُعاني الوظيفة العمومية الموريتانية من العديد من معوقات النهوض من أبرزها "الرواتب تحت الكَفَافِيًةِ" المخصصة للموظفين و "تَثْلِيجُ"(la mise au frigo (معايير الاستقامة و الأَلْمَعِيًةِ و الأقدمية في الترقية و الحظوة الإدارية مقابل تغول " المفاجآت المهنية" و "خَوَارِقِ العَادَةِ" و "الرَافِعَاتِ" السياسوية و الكليانية،.. ضف إلي ذلك خطر انهيار "الطبقة الوسطي" من الموظفين التي هي بمثابة العمود الفقري لجسم الوظيفة العمومية الذي يبدو اليوم كشبح برأس ضخم كبير و أطراف صغيرة من صَلْصَالٍ.!!
و تحريرا للمناط وتفسيرا للمصطلح و إحاطة بالمقصود فإنه يمكن تعريف الطبقة الوسطي من الموظفين بأنها"الموظفون العموميون المنتمون إلي سلكي (ب)((Cycle B و (أ قصيرة)(Cycle A court) مهما كانت تجربتهم و الموظفون من سلك(أ طويلة)(Along) و الأسلاك الأخري المعادلة أو الأرفع من متوسطي التجربة المهنية الذين يزيد عمرهم المهني علي عشر سنوات و يقل عن ست و عشرين سنة".
و يمكن قياس أُفُولِ و انهيار الطبقة الوسطي من الموظفين من خلال مساءلة المعيارين التاليين:-
أولا:الاختلال الكبير في البناء الهرمي للوظيفة العمومية:- من البداهي أن البناء الهرمي للوظيفة العمومية يقضي بأن يكون عدد منتسبي الأسلاك الدنيا أكبر بأضعاف من منخرطي الأسلاك العليا بينما الملاحظ الآن و في كل القطاعات أن عدد المنتسبين لسلكي(ب) و (أ قصيرة) المشكلين للطبقة الوسطي من الموظفين، يقل بكثير عن عدد المنخرطين في سلك (أ طويلة) و الأسلاك المعادلة أو الأرفع.!!
آية ذلك أن عدد الإداريين الماليين مثلا أرفع من عدد المراقبين الماليين و عدد الأطباء الأخصائيين أعلي من عدد الأطباء العامين و عدد الإداريين المدنيين أكبر من عدد الإداريين المساعدين و عدد المستشارين الدبلوماسيين يفوق عدد الملحقين بالسلك الدبلوماسي و عدد مفتشي الضرائب و الخزينة ليس بأصغر من عدد المراقبين و لا الوكلاء من السلكين،...!!
ولقد أصاب أحد قدامي "الزمن الجميل" للإدارة العمومية حين لاحظ بأن الإدارة بُدِلَتْ غير الإدارة و أن الأنظمة الإستثنائية التي جَاسَتْ خلال الديار الموريتانية عقودا من "الزمن الطويل"خَفًضَتْ كثيرا قيمة المرفق العمومي كما تُخَفِضُ قيمة العملة الوطنية مشبها المرافق العمومية اليوم بالجيش المكسيكي"Armée Mexicaine/Mexican Army"الذي يفوق عدد جنرالاته و آمِرِيهِ عدد جنوده و مأموريه.!!
ثانيا:الهامشية العددية لمتوسطي التجربة المهنية من الموظفين: من المتواتر الآن أن الخارطة المهنية لمنتسبي الوظيفة العمومية تظهر توزيع الموظفين في كثير من القطاعات و الأسلاك المهنية بين جيل جديد تقل تجربته عن عشر سنوات يمثل 40% من مجموع المنتسبين و جيل قديم يفصل بينه و بين التقاعد أقل من عشر سنوات يمثل قرابة 50% من عموم أفراد الوظيفة العمومية بينما لا يمثل الجيل الأوسط أو الطبقة الوسطي إلا أقل من 10%.!!
و حيث أنه من المعلوم أن انهيار الطبقة الوسطي من الموظفين أَذَانٌ باختلال كبير سيؤدي في عاجل الآجال إلي شلل جسم الوظيفة العمومية و عجزه فالرأي عندي أن تعهد الحكومة إلي القطاع المكلف بالوظيفة العمومية -ومن حسن الطالع أن فيه الأن أقواما منهم من هو متقد إرادة و حزما و عزما و من هو ممتلئ تجربة و تُؤَدَةً و فهما- بإجراء تدقيق للمنتسبين و الكفاءات بالوظيفة العمومية (Audit des Effectifs et des Compétences) يكاد يجمع كل العارفين بانه سيدق كامل أجراس الإنذار من أجل إنقاذ الطبقة الوسطي من الموظفين التي هي عِمَادُ المرافق و الأعمال الإدارية.