قال تعالى: رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين صدق الله العظيم
* أصحاب الجلالة والسمو والفخامة والمعالي؛
* السادة رجال الثقافة والإعلام والدبلوماسية والفن؛
* أيها الشعب الموريتاني العظيم، الذي أحببته بكل شرائحه وأعراقه فأحبني، وشوهت دوائر الظالمين عنده صورتي فكذبها وصدقني. فباسمي شخصيا وباسم شهداء الأمة أزف إليه أحر التهانئ وأرق المشاعر بهذه المناسبة.
* أيها العرب حيث ما أنتم في أقطار أمتكم المجيدة؛
أحييكم جميعا بتحية العروبة والإسلام: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في تاريخ الأمم العظيمة توجد منعطفات عظيمة وخطيرة اجتازتها وتجتازها الشعوب ذات الهمة العالية والنخوة الكبيرة باقتدار أصيل يتناسب مع عظمة هذه الشعوب ودرجة عبقريتها وحجم إسهامها الحضاري.
ولقد تخطت أمم كثيرة مثل هذه الانعطافات مثلما تخطت أمتنا العربية محنها القاسية، لأنها أمة الرسالات والقيم الإنسانية الخالدة.
وأمتنا العربية تجتاز، منذ نهاية القرن الماضي، أقسى ظرفية عرفتها في تاريخها منذ إحراق المغول لبغداد، ومنذ المخطط التقسيمي لسايكس ـ بيكو. فقد تحطمت أقطار عربية بفعل الحروب الأهلية والفتن المذهبية ودخلت أقطار أخرى تحت نير الاحتلال المباشر، فيما يتهدد الريح العقيم، مع التمدد الصفوي الإيراني، أقطار الخليج العربي، بينما ارتهنت إيران أقطارا أخرى مثل لبنان وسوريا واليمن؛ وهي الآن تكتتب الطوابير والخلايا النائمة في بقية الأقطار العربية، من المغرب العربي، وخاصة في موريتانيا الغالية والجزائر،رمز الجهاد ومفخرة الثورات. كما يتهدد التمدد الصفوي كثيرا من الدول الإسلامية في القارة الإفريقية لتخريب العمق الاستراتيجي والحليف الحضاري والسند التاريخيوالصديق الدائم لأمتنا، عبر الحقب.
إخوتي.. أخواتي
ربما اعتقدتم أني قد مت وانتهى أمري، ولكني بعد الشهادة صرت بعدد الأحرار في أمتي وأسكن قلب كل فرد من أفرادها، وأنا في هذه الرسالة أخاطبكم من قريب، من قلب كل موريتاني وموريتانية، في مدنهم وبواديهم حيث صفاء القلوب ونقاء الضمائر والوفاء بالعهود الذي لا تنفصم عراه. وبهذه المناسبة القومية، وبما أن الشناقطة شرفوكم بهذه الاستضافة الكريمة ـ وهم شعب الكرم الأصيل والمجد الأثيل ـ فإني أتطلع إلى نتاج كبيرة من قمتكم الموقرة في مثل هذه الظروف التي يكابد فيها العرب، على عموم خريطة الوطن العربي الكبير، تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية، على مستوى كل قطر من أقطاره.
أيها الإخوة.. والأخوات
إن مسيرة الحركة الاقتصادية العالمية تتجه بالضد تماما من تطلعات ومصالح أمتنا، بما يترتب على ذلك من انعكاسات بالغة الخطورة على الحياة الاجتماعية و القيم الخلقية لأفرادها.
إننا إذ نتفهم حجم مشاغلكم، التي ربما تقف عائقا أمام المناقشة التفصيلية لكل الظواهر السلبية وتداعياتها في أمتنا بالمجمل، وفي كل قطر على حدة، فإننا نتوقع ـ آملين ألا تدنسوا أرض الشناقطة الطاهرة بعملاء أمريكا وإيران في العراق و ألا تخيبوا آمال العرب عموما والموريتانيين خصوصا ـ أن تنال المواضيع الجوهرية وذات الأرجحية والثقل الاستراتيجي حقها من زمن مناقشاتكم ودراستكم على نحو مستفيض ومثمر، مثل القضايا الاقتصادية الحيوية وما يتصل بها من مفردات ذات أثر إيجابي سريع على أبناء شعبنا العربي، وكذلك النظر العميق والخالي من حساسية جروح الماضي، إلى وضعية المقاومات العربية في فلسطين والعراق والأحواز العربية وفي قضية الصراع الذي يخوضه الشعب السوري، في ذات الوقت، ضد النظام العائلي الصفوي لبشار الأسد ومجاميع الإرهاب الدولية، وفي موضوع الصراع الذي يلتحم فيه الشعب العربي في اليمن والبحرين مع أتباع نظام الملالي وأذناب الخميني،وبدون التفريط بأي حق عربي مهما بدت الظروف الموضوعية للأمة غير مناسبة للمطالبة به في الوقت الراهن.
أيها القادة العرب..
إن الإمبريالية الغربية وحلفاءها من القوى الأطلسية الغربية و الصهاينة ونظام ولاية الفقيه في إيران سيعملون بتنسيق محكم لتجريد كل ما له صفة أو أثر وطني أو قومي أو إنساني من نتائج اجتماعكم، وسيبذلون ما يلزم من جهد تخريبي لإفراغ هذه القمة، كالعادة، من أية مضامين قومية مفيدة في التماسك السياسي لأقطاركم والوئام الاجتماعي لشعوبكم، ومن كل بناء فكري ونفسي يعزز أواصر القربى والمودة بين أبناء أمتكم.
إنني أهيب بكم، أيها القادة، إلى تدارك الوضعيات الاقتصادية للأقطار العربية الفقيرة، مثل موريتانيا الحبيبة، التي شكل تاريخها مفخرة للأمة وكان شعبها أقوى جسر ثقافي وديني بين أمتنا وشعوب إفريقيا الغربية.
إنه من العار عليكم أن يلجأ الشباب الموريتاني إلى الحاضنات الإرهابية والمافيات العالمية بفعل ضغط البطالة والبؤس الاجتماعي وتدني مستوى التعليم، مثلما هو شأن شباب باقي أقطار الأمة. كما أنه من المشين جدا أن يفتح الغرب حدوده أمام الفارين من الجحيم العربي بينما تنغلق الحدود العربية في وجهوهم.
إن مواجهة هذه التحديات التي تتهدد الوجود القومي للعرب، لا تواجه إلا بقرارات عظيمة؛ وإن السبيل إلى ذلك هو النظرة للعرب كبنيان واحد وكشعب واحد، له نقاط ارتكاز متعددة تتمثل في تعدد أقطاره. وكما قلت للشعب العراقي العظيم ـ الذي أحييه وأحيي مقاومته الوطنية العسكرية والثقافية والسياسية والإعلامية ـ في سياق ينسجم تماما مع السياق الذي يلتئم فيه محفلكم الموقر، قلت لهم وأقول لكم:إن أهم ما يجب أن يعتني به المسئولون هو أن يتحمل الشعب بصورة متساوية ومتقاربة، وليس بصورة متفاوتة، شرف التصدي وثقل المسؤولية وضبط القوى المقابلة وما يترتب على ذلك كله من تضحيات. ولا يجوز أن ينوء بعض الناس تحت حمل ثقيل، بينما يكون الآخرون بلا ثقل أو يتحملون ثقلا أخف كثيرا من قدرتهم على التحمل. وإن البنيان الرصين، لكي يرتكز على قاعدة صلبة ويشمخ وتكتب له الديمومة،فإنه لا يكفي أن يستند إلى نقاط ارتكاز أساسية قوية في دائرة قاعدته فحسب، وإنما ينبغي أن تكون كل نقطة ومستند في القاعدة، التي يستند إليه البنيان، قوية ورصينة وقادرة على تحمل الثقل المسلط عليها من هذا البنيان، حيث ما كان ذلك ممكنا.
إن ثقل القوى المقابلة، من أعداء الله والإنسانية، يغدو حمله ممكنا عند ما يتوزع علينا وفق قدرة التحمل وبما هو قريب من المساواة في التحمل، وكلما كان أولنا قادرا على أن يرى آخر من فينا، وكلما كان آخرنا في المسيرة قادرا علىأن يبصر من هو في مقدمتها. ولكي يتحقق هذا، فإنه لا يكفي أن نكون متقاربين في قدرة تحمل ما يقتضي من ثقل المسؤولية ومجابهة الضغوط فحسب، بل أيضا ينبغي أن نكون متقاربين في وسائل العيش ومستواه. هكذا كان أجدادكم من المسلمين الأوائل في ضحى الدعوة الإسلامية في مستلزمات الجهاد.
إنني أعرف، أيها الإخوة والأخوات، أن هذا العصر ليس هو العصر الشبيه بعصر ضحى الإسلام من حيث ما يتيحه لنا هذا العصر من صلة شفافة بالعالم ومن قدرة على التواصل معهبموجب معطيات وسائل الاتصال الحديثة... وإنما قصدت الجوهر في ما ذهبت إليه؛ وعندمانجمع على الجوهر، الذي عبرت عنه بالمفاهيم التي أشرت إليها، فإننا قادرون على أن نهتدي إلى الشكل والوسائل التي تناسب عصرنا وأن نكون عن طريق هذا قادرين على أن نحقق نمط التكافل بين أبناء الشعب الواحد، حيث يشعر ويحس كل من فيه أنه سعيد في حاله، طالما هو سعيد بموقع الشرف الذي حظي به للدفاع عن وطنه وحريته وأمنه وأمته في مواجهة الأشرار الذين يتربصون به ويترصدون أي خلل في حياته ليطعنوه في الصميم. فبهذا تنجح قمتكم ويكتمل الركنان المادي والروحي في قراراتكم، وتثق بكم شعوبكم في كل قطر من أقطاركم وتفخر بكم أمتكم، وتكسبون الاستقرار لأوطانكم، مسنودا بالنماء الاقتصادي والتطور الاجتماعي والاستقلال عن الأجنبي، خصوصا في هذه الظروف التي تتكالب عليكم أمم الغرب والشرق، كأن الأمة قصعة ثريد.
فإن فعلتم نلت رضى الله ربكم ورضى شعوبكم، وإن نكصتم واثاقلتم خسرتم وخاب مسعاكم.. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
صدام حسين، من منصة الخلود بدار السلام، في مقعد صدق عند مليك مقتدر
17 شوال 1437هـ الموافق 22 تموز 2016
السبت 18 شوال 1437 / 23 تموز 2016