(إنل)ومعطل و الحاج ثالوث أطفال يبدأ مشوارهمُ من أحزمة الفقر في الأحياء السكنية المحيطة بالعاصمة. تلك الأحياء المتراصة في القطع الأرضية المهجورة التي لم يستغلها ملاكها انتظارا منهم للربح الوفير. وقد وفرت هذه القطع مأوى لمن لا مأوى له من مجتمع العاصمة الذين يتوقف نشاطهم اليومي على العمل في منازل الميسورين.
وسط هذا الواقع شب الأطفال الثلاثة على تحمل مسؤولية تحصيل القوت اليومي ومستلزمات الحياة بأية طريقة ولو كانت على حساب براءتهم الطفولية المحرومة من اللعب وتبادل الضحكات مع أمثالهم في الرياض والمدارس الخاصة بالأطفال .
يفرك( إن الله )عينيه مع انبلاج الصبح منتبها لنباح كلبه و نهيق حماره إيذانا ببدء رحلة الكسب المقسمة بين أفراد الاسرة فيتحسس غطاء أمه لعلها تركت فيه بعض الخبز قبل أن يبدأ رحلته وكالعادة رجعت إليه أصابعه خاوية إلا من بعض شعيرات علقت بالغطاء من جسم القطة التي تبيت قابعة عند رأسه.
يبتلع ريقه و يؤمّ وجهه صوب حماره الأمل الوحيد الذي بقي أمامه لتحصيل ثمن الفطور والغداء وأشياء أخرى اعتاد على استعمالها بإدمان .
يصهل الحمار ثلاث مرات متتالية لكل منها نغمة موسيقية خاصة يفهم الطفل المقصود بها بالتوالي العلف والتحرير من الحبل وإعلان الانطلاق ولو كان ذلك بداية العذاب لهذا المخلوق الأحمق بعصى الطفل التي لا ترحم حيث يجهد في رفعها وإيقاعها على ظهر الحمار تلذذا بممارسته السلطة عليه إذ يعطيه ذلك نشوة انتصار تعوضه عما فقد من البراءة فيضع العربة الخشبية على ظهره بعد أن غطاه بأسمال من الأقمشة تقيه تأثير الحديد الحامل للعجلات .
يهرول الحمار وصرير العربة وعجلاتها وصراخ الصبي فوقه تحدد له الاتجاه الذي يسير اليه.
وقد نسجت السيزيفية اليومية بين الطفل وحماره وشائج صداقة قوية لدرجة أن أي منهما اذا لم يجد الآخر يستشعر بالغربة متناسين العداوة القديمة بين جنس الحمير والأطفال التي تحفظ عنها الذاكرة الجمعية قصصا طريفة من نفور الحمير من الجنة إن كان فيها الاطفال ,غير أن هذا الطفل والحمار استثناء من هذه القاعدة كذئب الشاعر الفرزدق الذي يتقاسم معه زاده في ليلة موحشة لم يجد فيها منادما سواه .
بضع دقائق من السير فى الأزقة الملتوية يعرف الحمار منحنياتها وتعرجاتها ويلوح الصبي بعصاه بشكل أفقي فيقف الحمار رافعا أذنيه مستوي القدمين كجندي متمرس يؤدي التحية لقائد فريقه ثم يصعد طفل آخر كان ينتظرهم عند المنحدر الفاصل بين العمارات السكنية والمناطق المهجورة .
يحرك الحمار رأسه تحية للرفيق الثاني معط الله ويتوقفون هنيهة ليلتحق بهم رفيقهم الحاج فيهز الحمار رأسه مستأذنا الانطلاق فيبدؤون طرق أبواب العمارات السكنية بحثا عن سقط المتاع والأطعمة التي يريد أصحابها التخلص منها ويقصدها هؤلاء للتكسب منها فيستعملون الصالح منها لحاجة الوقت اكلا و لبسا وعلفا للحمار الذي تعب معهم.
يدقون المنزل مرات متتالية وقد يصادفهم مزاج صاحبه متغيرا فيعاملهم بالجفاء ويطردهم إن لم ينل منهم بالإيذاء البدني فقد ينالهم الإيذاء النفسي وكفاهم خجل المآب إذلالا بعدم الغنيمة البسيطة ليتقدموا لمنزل آخر وفي أحسن الاحوال يجدون صاحبه أو صاحبته معتدلة المزاج عطوفة فتعطيهم ما يودون التخلص منه من قمامة وتعوض لهم دريهمات عن حمله فيعود إليهم الأمل وتشرق وجوههم ان وجدوا ثمن غداء اليوم ,وثمن أشيائهم الأخرى التي دفعهم الى الإدمان عليها اليأس والحرمان وغياب التأطير الأسري والمدرسي.
ذلك التأطير الذي فرض عليهم قضاء ساعات النهار بين جمع قمامات المنازل و البحث في مكباتها عن ساقط الاثاث البالي و او العلب البلاستيكية لإعادة استعمالها و بيعها لبائعي الأشربة المثلجة المعروفة محليا ببياعات (امبصام)
فهل ندرك أن طفولة هؤلاء تم اغتيالها من طرف ساسة ومنظمات تستغل قضيتهم للاستقطاب الدولي دن أن تبعث لهم مشاريع تنموية تمكن ذويهم من التفرغ لرعايتهم ؟
dune-voices