تعيش موريتانيا في الوقت الحاضر حالة انسداد سياسي حقيقيي. وفعلا، كيف يمكن أن نصف بغير ذلك حالة بلد، يدعي الديمقراطية، ومع ذلك لم يعرف احترام أي استحقاق انتخابي منذ حوالي أربع سنوات؟ وحيث لا توجد حتى الآن آفاق واضحة ولا جدول زمني محدد للخروج من هذه الوضعية؟
لقد كان لأحزاب ما أصبح يعرف ب"المعاهدة من أجل التناوب السلمي" الفضل في محاولة تجنيب البلاد العواقب الوخيمة لهدا الانسداد في ظل أوضاع وطنية ودولية مليئة بالمخاطر وذلك بقبولها الدخول في حوار مع السلطة.
وكان بإمكان الاتفاق السياسي الذي نتج عن هذا الحوار – لو عرف سبيله الى التطبيق نصا وروحا – أن يفتح الطريق نحو إعادة البلاد إلى حياة سياسية طبيعية، خاصة من خلال تنظيم انتخابات حرة وشفافة في ظروف يمكن أن يطمئن لها الجميع، علما أن ذلك هو السبيل الأكثر أمانا للحفاظ على وحدة البلاد وأمنها واستقرارها.
وبعد مضي حوالي عشرة أشهر على توقيع هذا الاتفاق وترجمة أهم بنوده إلى نصوص دستورية وقانونية وتنظيمية، يبقى السؤال المطروح أين نحن اليوم من تنفيذ هذه البنود، خاصة تلك المتعلقة منها بالاستحقاقات القادمة: اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وحياد الإدارة، وفتح وسائل الإعلام العمومية؟
• اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات: لا شك أنه قد تم بالفعل قطع خطوة هامة بتشكيل لجنة الحكماء، من شخصيات لا يمكن الطعن في استقلالها السياسي و نزاهتها الأدبية، وتنصيبها خلال الأسابيع الماضية.
ولكن، يجدر التذكير هنا بأن صلاحيات لجنة الحكماء واللجنة المستقلة للانتخابات التي ستتولى تعيينها تنحصر أساسا في الجانب الفني من العملية الانتخابية (اللائحة الانتخابية، عمليات الاقتراع، فرز النتائج، الخ...).
ودون أن أقلل من أهمية هذه العملية ومن الدور الذي يمكن أن تلعبه اللجنة في هذا المجال، فان الكل يدرك أن هامش التزوير في هذه العمليات قد انحسر كثيرا منذ 2001 مع اعتماد بطاقة التعريف الوطنية غير القابلة للتزوير ليصبح شبه معدوم بفعل الإجراءات التي تم اتخاذها في 2006 وخاصة البطاقة الانتخابية الموحدة.
إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في حقل العمليات الانتخابية الصرفة. بل تكمن في استخدام السلطة المفرط وغير القانوني لوسائل النفوذ التي تمتلكها من أجل التأثير على الناخبين، أي ما تتمتع به من وسائل الترغيب والترهيب والابتزاز السياسي والاقتصادي في وجه الأنصار والخصوم وبالتالي خرق قواعد اللعبة الديمقراطية.
وفيما يبدو فإن النظام الحالي غير مستعد للتخلي عن هذه الأساليب، بل إن كل الوقائع تبرهن على أنه سائر في طريق استخدامها بشكل أكثر إفراطا من أي وقت مضى.
• حياد الإدارة: إن مبدأ حياد الإدارة، الذي بدونه تتحول الانتخابات إلى عبث، لم يشهد في الماضي خرقا أكبر مما يشهده الآن. لقد أصبحت الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى، تتكفل علنا بالحشد لتجمعات الحزب الحاكم وبمحاسبة المتغيبين عنها. كما ان المؤسسات التي يجب أن تكون بمنأى عن الاصطفاف السياسي (هيئات الرقابة، سلط التنظيم، لجان الصفقات، الحالة المدنية، الإعلام العمومي ...) أوكلت إلى أشخاص لا غبار على ولائهم المطلق للنظام... الإدارة أصبحت تطهر كل أسبوع من كل الأصوات النشاز، وأصبح ولوجها حكرا على الأتباع والمخلصين للنظام.. الوزراء وكبار الموظفين، بمن فيهم من تعود لهم مسؤولية السهر على حياد الإدارة، يقومون بتعبئة شاملة على امتداد التراب الوطني في ما يشبه حملة انتخابية سابقة لأوانها تنبئ بأن النظام لن يتورع عن استخدام أي وسيلة تمكنه من استمرار هيمنته.
• فتح وسائل الإعلام العمومية: رغم التقدم الطفيف الذي حصل في هذا المجال، لا تزال وسائل الإعلام العمومية أدوات للدعاية شبه محتكرة من طرف النظام وحزبه. وما الظهور المتقطع لمكونات الطيف السياسي الأخرى في هذه الوسائط إلا استثناء يؤكد هذه القاعدة. ولا تزال النصوص التي تم اعتمادها من أجل تحويل وسائل الإعلام التي تملكها الدولة إلى خدمة عمومية، وتوزيع أوقات البث بين السلطة والمعارضة، وولوج هذه الأخيرة للسلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية حبرا على ورق.
ولن أسهب هنا في الحديث عن الاكراهات المرتبطة بالإحصاء الذي لا نرى له نهاية في المدى المنظور، والذي يتوقف عليه إعداد اللائحة الانتخابية، في ظل وضعية تحلل فيها النظام، بفعل الترتيبات الدستورية ألجديدة، من كل التزام قانوني بتحديد أجل للانتخابات التى أصبح وحده من يملك الجواب على متى وكيف ستكون!
بعد هذه الملاحظات، التي أردتها أن تكون مختصرة، ألا يحق لنا أن نتساءل: هل يمكن في هذه الظروف الذهاب إلى الانتخابات؟
انواكشوط 7 يوليو 2012
يسلم ولد ابن عبدم