تحولت الأنظار فجأة إلى الجزائر باعتبارها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فيما يجري التحضير له لاستعادة السيطرة على الشمال المالي. فبعد إعادة مجلس الأمن الدولي لطلب المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لمزيد من الدراسة، بدا واضحا أن الحلقة المفقودة التي حاولت المجموعة الغرب إفريقية وفرنسا وموريتانيا القفز عليها، هي دولة الجزائر التي تمتلك حدودا مع الشمال المالي تبلغ 1000 كلم ولديها أقوى جيش في المنطقة.
ومنذ أكثر من أسبوع تواجه الجزائر "هجوما دبلوماسيا" هائلا ليس من طرف الأمريكيين والفرنسيين ولبريطانيين فقط وإنما أيضا من طرف الأفارقة والماليين أنفسهم الذين تواردوا عليها بهدف زحزحة موقفها الرافض لأي تدخل أجنبي عسكري أجنبي تساهم فيه قوى من خارج دول الميدان خصوصا حين تضم في صفوفها قوى غربية.
ومع تبدل المعطيات على الأرض في الشمال بطرد مجموعتي انصار الدين والتوحيد والجهاد للحركة الوطنية لتحرير أزواد من عواصم ولايات إقليم أزواد وخصوصا مع العملية التي نفذتها حركة التوحيد والجهاد يوم 29 يونيو الماضي ضد مقر قوة من الدرك الجزائري، صرح مسؤول جزائري بأن بلاده لم تعد ترفض فكرة التخل العسكري وصرح بعده مباشرة وزير الخارجية المالي –الذي كان في زيارة للجزائر- بأن مواقف البلدين متطابقة من حل الأزمة، وهو ما اعتبر على نطاق واسع بأنه ضوء أخضر جزائري لبدء الاستعدادات الفعلية للمواجهة.
وبالفعل أطلقت المجموعة الغرب إفريقية مبادرة تشكيل حكومة وحدة وطنية في مالي ينتظر أن ترى النور السبت القادم لتكون بديلا شرعيا لسلطات باماكو الانتقالية غير المعترف بها دوليا والعاجزة عن تحقيق أي تقدم على الأرض باتجاه استعادة السيطرة على أي جزء من الولايات الثلاث التي باتت مسرحا لتنظيم القاعدة وأخواتها.
كما أعلنت هذه المجموعة أنها ستعقد قمة مصغرة في واغادوغو نفس اليوم لضمان أن تكون تلك الحكومة تعبيرا عن "وحدة مقدسة للماليين حول الأهداف الكبرى الواجب بلوغها بخصوص الأزمة في شمال البلاد"، ليصبح بإمكانها إرسال قوتها العسكرية الجاهزة للتدخل.
ومن الملاحظ أنه منذ سقوط حكومة اليمين الفرنسي لم يعد الأفارقة الغربيون يناقشون موضوع التدخل مع الفرنسيين الذين يضاعفون مؤخرا من التصريحات حول رفضهم لاستمرار سيطرة الاسلاميين على أزواد، غير أنهم لم تعد لهم مكانة معتبرة في مركز القرار بعد أن اختطف الجزائريون الأضواء واستطاعوا كسب ثقة حتى بعض الفرقاء المتصارعين داخل أزواد مثل الحركة الوطنية لتحرير أزواد وأنصار الدين الذين استقبلت وفدا منهم الأسبوع الماضي.
وإذا ما أخذنا علما بأن الوسيط الافريقي لحل الأزمة بليز كومباوري –الخصم اللدود للرئيس عزيز- هو من أنقذ رئيس الحركة الوطنية من خصومه في غاو ونقله في طائرة كوماندوز على وجه السرعة إلى واغادوغو لتلقي العلاج، فعلينا أن نتساءل: أي دور بقي لموريتانيا لتلعبه في المشاركة في حل الأزمة بعد أن فقدت ثقة الحركة الوطنية ولم تنتظر الموقف الجزائري الذي يبدو أنه انتصر أخيرا؟
قد تكون موريتانيا –وهي التي ليست عضوا في السيدياو ولم تنتظر قرار دول الميدان- تدفع ثمن تسرعها باتخاذ موقف متناغم مع موقف اليمين الفرنسي المهزوم وربما بالمراهنة أصلا مع الفرنسيين على الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وتمكن ملاحظة ذلك من خلال محاولاتها البحث عن حليف جديد على الأرض من خلال رعاية "مؤتمر عرب أزواد" على أراضيها، لكن هل يمتلك ألئك القوة والحضور والإرادة لإعادة فتح الباب أمام دولة تزداد عزلتها يوما بعد يوم مثل موريتانيا؟
لو أن الخصم الوحيد للرئيس عزيز داخل "السيدياو" كان الرئيس البركينابي فقط لهان الامر، غير أن الأزمة الأخيرة مع السنغال وقبلها مع مالي تضاعفان من العزلة الموريتانية مما يجعل أي دور لها فيما يتم التخطيط له خلف حدودها يبقى مرهونا بإرادة الجزائريين الذين لن يكونوا مستعدين إلى ما لانهاية للتغاضي عن "هفوات حليفهم المتقلب". فهل سيكون عزيز مستعدا –مقابل إعادته إلى طاولة اللعب- لدفع الثمن الذي سيطلبه الجزائريون والذي قد لا يكون أقل من فك الارتباط بفلول "فرانس آفريك"؟
اقلام