تأملات في نظريات الوزير الناطق باسم الحكومة
وكالة كيفة للأنباء

عزيزي القارئ إذا كنتَ الآن تقف على شارع ما في مقاطعة "الرياض" أو "تيارت" أو "توجنين" في انتظار سيارة أجرة، وإذا كنتَ ستدفع 200 أوقية للوصول إلى قلب العاصمة بدلا من 100 أوقية التي كنتَ تدفعها في وقت قريب للوصول إلى نفس المكان.

إذا كان هذا هو حالك فما عليك إلا أن تسلي نفسك بتأمل نظريات الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة، وذلك في انتظار أن تتوقف بجنبك سيارة أجرة لتحملك أنت وهمومك وأعباءك إلى قلب العاصمة.

وفي انتظار ذلك دعنا نتوقف قليلا مع بعض مضامين نظريات الوزير الناطق باسم الحكومة.

(1) تقول إحدى نظريات الوزير الناطق باسم الحكومة بأن الفقير هو ذلك الشخص لا يملك السيارة. إن هذا التعريف يشكل تطورا ملحوظا في تصنيف الفقراء في هذه البلاد، فحسب أحد المدونين الظرفاء فإن ذلك التصنيف قد مر بعدة مراحل، فالفقير كان يعرف قديما بأنه هو ذلك الشخص الذي لا يملك "طنكا واحدا"، وبعد ذلك أصبح هو ذلك الشخص الذي لا يملك "ففتن واحد"، ثم أصبح من بعد ذلك هو الشخص الذي لا يملك "أوقية واحدة"، وذلك من قبل أن يتحسن حاله قليلا ويصبح هو ذلك الشخص الذي لا يملك "خمسه"، والآن، وبفعل إبداع الناطق الرسمي باسم الحكومة فقد أصبح الفقير عندنا هو ذلك الشخص الذي لا يملك سيارة.

2 ـ تقول إحدى نظريات الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن الفقراء لا يتضررون من ارتفاع أسعار المحروقات، ولا تحدثني يرحمك الله عن تذكرة النقل التي تضاعفت بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، ولا تقل لي بأن ارتفاع أسعار المحروقات يؤثر على مأكلك ومشربك وملبسك..

لا تقل لي شيئا من ذلك يرحمك الله، والبركة في دكاكين أمل، فهذه الدكاكين يمكنها أن تحمل الفقير من مقاطعة إلى أخرى، ويمكنها أن تكسوه وأن تسقيه وأن تطعمه وأن توفر له الدواء بأسعار زهيدة.

3 ـ هناك نظرية ثالثة يمكن أن نستنتجها من مضامين المؤتمرات الصحفية للوزير الناطق باسم الحكومة، وهذه النظرية تقول بأن موريتانيا هي دولة مستوردة للنفط في زمن ارتفاع أسعار النفط، ولذلك فهي مجبرة على رفع أسعاره في سوقها المحلي عندما يرتفع سعر البرميل في الأسواق العالمية. وهي أيضا دولة مصدرة للنفط في زمن انهيار أسعاره في الأسواق العالمية، ولذلك فهي لا تستطيع أن تخفض أسعاره المحلية في زمن انهيار أسعاره في الأسواق العالمية، حالها في ذلك كحال الدول الخليجية المصدرة للنفط. شيء آخر يمكن أن نضيفه لهذه النظرية هو أن موريتانيا هي الدولة الوحيدة التي ترفع أسعار المحروقات في أسواقها المحلية إن ارتفع سعر النفط في الأسواق العالمية، وترفعها إن انخفض سعره في الأسواق العالمية، وترفعها إن ظلت أسعاره ثابته.. يعني أنها ترفع أسعار المحروقات في كل الأحوال، ولذلك فقد وصلت الزيادات في السنوات الأخيرة على ثلاثين زيادة. تحدث الوزير أيضا عن انخفاض أسعار الحديد والذهب وبرر بذلك عدم خفض أسعار المحروقات السائلة، وهنا يجب التذكير بأن متوسط سعر الحديد والذهب في الأسواق العالمية هذه الفترة ليس بأقل من متوسط سعرهما في فترة الرئيس السابق، وهي الفترة التي كانت قد شهدت ارتفاعا غير مسبوق في أسعار النفط، ومع ذلك فقد ظل لتر المازوت يباع ب304 أي بسعر أقل بثمانين أوقية من سعره اليوم!!

4 ـ في الوقت الذي كان فيه الوزير الناطق باسم الحكومة يمتعنا بنظرياته الرائعة، ويؤكد لنا بأن الحكومة لا يمكنها أن تخفض سعر المحروقات، في ذلك الوقت بالذات قررت دولتان من الجوار (المغرب وغامبيا) أن تعلنا عن تخفيضات جديدة في أسعار المحروقات تضاف إلى تخفيضات سابقة، وسيبدأ العمل بهذه التخفيضات في فاتح فبراير.

يمكننا أن نلاحظ هنا أن كلام الوزير الناطق باسم الحكومة يتناقض تماما مع كلام وزير آخر، كان قد تعهد في مؤتمر صحفي منذ خمس سنوات، وتحديدا في يوم 26 ـ01 ـ 2011، بأن الحكومة ستخفض أسعار المحروقات، ومنذ ذلك الحين، وهذا الشعب المغلوب على أمره، ينتظر ذلك التخفيض الذي تحول بقدرة قادر إلى زيادات متتالية في أسعار المحروقات.

5 ـ من النظريات الجديدة القديمة التي جاء بها الوزير الناطق باسم الحكومة هي نظريته القائلة بأن الاحتجاجات التي يقوم بها بعض الشباب والمدونين للمطالبة بتخفيض أسعار المحروقات بأنها ذات أغراض غير نبيلة، ويعني ذلك بأن من يرفض تخفيض أسعار المحروقات يقوم بعمل شريف ونبيل.

وإليكم هذه الأمثلة عن بعض الشعوب التي تحركت لأغراض غير نبيلة أرادت من ورائها أن تخفض أسعار بعض السلع الأساسية.

لقد حدث منذ سنوات أن استيقظ الشعب الأرجنتيني ذات يوم من الأيام فوجد أن تجار الدواجن والبيض قد اتفقوا جميعهم على رفع سعر البيض، ودون أن يكون هناك أي سبب وجيه لرفع سعره.

لم يكن من المواطن الأرجنتيني إلا أن قرر أن يرد بأسلوب حضاري على هذا السلوك الجشع، فكان كل مواطن يعيد البيض إلى مكانه عندما يقول له صاحب المحل بأن سعر البيض قد زاد عن سعره المعهود. قاطع الأرجنتينيون البيض وتوقفوا عن استهلاكه حتى تكدس في البقالات، وكانت سيارات توزيع البيض تأتي محملة إلى البقالات بأطباق وأكياس البيض، فتجد أن الكميات التي كانت موجودة بالبقالات لم تنقص، مما يجعلها تعود بحمولتها إلى المخازن.

قرر تجار البيض أن يصبروا قليلا على أمل أن تفشل المقاطعة، وينهزم المستهلك الأرجنتيني، ولكن لا شيء من ذلك حدث، وظلت خسائر التجار تتضاعف بفعل ما تكدس من البيض في الثلاجات والبقالات والمخازن.

قرر التجار أن يعيدوا سعر البيض إلى سعره الأصلي، ولكن ورغم ذلك فإن الشعب الأرجنتيني قرر أن يواصل مقاطعته للبيض ليلقن التجار درسا لن ينسوه أبدا. اضطر التجار لأن يخفضوا سعر البيض عن سعره الأصلي حتى يقللوا من حجم الخسائر، ولكن الشعب الأرجنتيني ظل متمسكا بقرار مقاطعته للبيض. ولم تتوقف مقاطعة البيض إلا بعد أن أجبر التجار على تخفيض سعره وبيعه بربع سعره الأصلي مع تقديم اعتذار رسمي في الصحف والجرائد تعهدوا فيه للشعب الأرجنتيني بأنهم لن يكرروا مثل ذلك التصرف. في العام الماضي أطلق عدد من المغردين الكويتيين حملة تحت شعار "خليها اتخس" أي أتركها تفسد لمواجهة الغلاء الذي شهدته أسعار السمك، وقد تمكن الكويتيون من إجبار تجار السمك على خفض الأسعار بنسبة 50% . هناك أمثلة عديدة حدثت في بلدان أخرى، ولكن المقام لا يتسع للحديث عنها. إن حملة "ماني شاري كازوال" والتي قال الوزير الناطق باسم الحكومة بأنها تسعى لأغراض غير نبيلة لا تسعى إلا لخفض أسعار المحروقات التي تم تخفيض أسعارها في أغلب الدول المجاورة.

يبقى أن أقول بأن القائمين على هذه الحملة يدركون بأن مقاطعة المحروقات بشكل كامل قد لا تكون ممكنة لأنه لا يوجد بديل لها، كما أنهم يدركون أيضا بأن ارتفاع الأسعار لا يقتصر فقط على المحروقات بل إن كل المواد الأساسية قد شهدت ارتفاعا كبيرا في الأسعار. إنهم يدركون كل ذلك، ولكنهم قرروا أن يركزوا فقط على ارتفاع أسعار المحروقات، وذلك لأن ارتفاع أسعار هذه المحروقات يؤثر على أسعار كل السلع والخدمات، ولأنه لم يعد بالإمكان تبرير ارتفاع أسعار المحروقات بعد انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية، وبعد أن قررت حكومات الدول المجاورة أن تخفض أسعار المحروقات عدة مرات. فهل يعقل بعد هذا كله أن تظل موريتانيا تشكل الاستثناء الوحيد في المنطقة؟

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين ولد الفاضل

[email protected]


  
وكالة كيفه للأنباء - AKI
2016-02-02 09:14:07
رابط هذه الصفحة:
www.kiffainfo.net/article13131.html