عد أشهُرٍ من توقف صرف المواد الغذائية للاجئين الماليين في مخيم أمبرا من قبل المنظمات الإنسانية ، أصبح الوضع صعبا للغاية بالنسبة للعديد منهم. فهم يضطرون لبيع سلعهم للتجار مقابل أثمان زهيدة حتى يتمكنوا من شراء مواد غذائية أخرى يستحقونها لكنها تباع بأسعار مرتفعة.
ويقول هؤلاء اللاجئون أن أصحاب المتاجر لا يدفعون ضرائب أو فواتير كهرباء. ومع ذلك فإن السلع في مخيم أمبرا تباع بأسعار مرتفعة مقارنة بالأسواق الأخرى داخل مالي وموريتانيا، خاصة بالنسبة للخضروات والفواكه و الملابس.
ولعل شهادة اللاجئة فاطي ولت أحمد توضح مدى صعوبة الحياة هناك: "إننا الآن لا نملك شيئا للبيع ولا للشراء. كنا نحصل على 12 كيلوغرام من الأرز و ليترين من الزيت شهريا للشخص الواحد. وإذا كانت لديك عائلة تضم الكثير من الأشخاص قد تجمع الكثير من الأرز و الزيت. ولأننا لا يمكن أن نعيش بالأرز و الزيت فقط، يجب أن نبيع منها لشراء مواد غذائية أخرى كالخضروات و اللحم والسكر والشاي والملح.. إلخ".
وتواصل ولت أحمد " لكن منذ عدة أشهر قررت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة التقليل من كمية الأرز لتصبح 6 كيلوغرام فقط عوضا عن 12 كيلوغرام ثم توقفت تماما عن توزيع الغذاء مما ضيق علينا الخناق لأن التجار أصبحوا لا يجدون ما يشترونه منا فزادوا في أسعار سلعهم".
وأشارت مريم محمد 40 عاما، أرملة في المخيم إلى أن قرار برنامج الاغذية العالمي بتخفيض المساعدات المقدمة للاجئين الماليين بمخيم أمبرا بنسبة 40 في المئة تقريبا بدءاً من شهر مايو الماضي؛ كان له أثر سلبي واضح على حال اللاجئين في المخيم، لافتةً إلى أن أكثر من ربع اللاجئين هناك لا يتلقون المساعدات، نتيجة خروجهم إلى ضواحي المخيم في مناطق لا تشملها المساعدات.
ومن جهته يقول عبد الرحمن حيدرى " في 2013 كان بعض اللاجئين يبيعون بطاقات تسجيلهم التي تمنحهم الحق في الحصول على المساعدات قبل أن يعودوا إلى مالي "
ويوضح جمال ولد أحمد ، الذي كان يعمل تاجرا في مدينة ليرا المالية، " المواد التي نشتريها بالجملة من اللاجئين هي: الأرز والفول والزيت ومواد غذائية أخرى و ذلك مقابل أسعار رخيصة نظرا لحاجتهم للأموال لشراء حاجات لا تقدمها لهم المنظمات الإنسانية".
وقال محمد لمين الترموزي، و هو تاجر في مدينة باسكنو: "في كل يوم جمعة و هو موعد السوق الأسبوعي في أمبرا أذهب لشراء بضاعة بأسعار مناسبة حيث يعرض اللاجئون السلع بأسعار رخيصة نظرا لحاجتهم الأكيدة للمال".
و تعليقاً على هذا الوضع تقول أمينة محمد، التي جاءت من قوندام إلى مخيم أمبرا دون أن تصحب معها شيئا "عندما يتم توزيع أي شيء، يقف اللاجئون الذين يجنون الأموال (التجار) في الطابور نفسه مثلنا تماماً، ليحصلوا على أي شيء للبيع : غذاء، ملابس، أو أي شيء آخر، والآن لم نعد نحصل على شيء ليشتروه منا.
ويعبر أحمدو أغ أحماد القادم من تين بكتو وهو حاليا تاجر في المخيم قائلا: "طبعا اللاجئون يبيعون الكثير مما يجدون من مساعدات ونشتريها من عندهم أيضا، كما نبيع لهم أشياء أخرى، لان المنظمات لا توزع لهم سوى الأرز والزيت ولذا لابد لهم من بيع نصف ما يحصلون عليه لشراء الخضروات والفواكه والسكر والحليب وغيرهم وبالتالي لم يعد اللاجئون يجدون شيئا لنشتريه منهم أصلا ".
و يؤكد محدثنا في هذا الصدد عدم احتياجه لمساعدات المنظمات الإنسانية بقدر حاجته لمكان آمنا ينام فيه أطفاله دون خوف ولا قلق ".
من جانبه، قال التاجر الموريتاني أحمد الكونتي، صاحب أكبر محل يبيع جميع أنواع المواد الغذائية إلى جانب مستلزمات النظافة العامة التي اشتراها من اللاجئين "نحن لا نستغل إخواننا، نحن نساعدهم فقط على بيعها.. لو لا نشتريها منهم لما استطاعوا العيش في المخيم منذ البداية، يمكنهم استخدام ثمنها في شراء احتياجاتهم الفعلية".
و يضيف " لسنا نحن فقط من يبيع لهم، يأتي التجار الماليون المستقرون بمدن مالية كنورو ونارا و ليرا و نمبالا، إلى المخيم لشراء هذه المواد بالجملة وبيعها".
ويرى الخبير الاقتصادي الموريتاني محمدن ولد آبي، الذي يعمل مع إحدى المنظمات التي كانت فاعلة في مخيم أمبرا، أن العديد من اللاجئين يشعرون أنهم يتعرضون للسرقة من قبل التجار. فهم يجمعون المدخرات ولا يقومون بتوزيعها؛ لأنهم يشترونها منهم بأسعار رخيصة ويبيعونها بأسعار مرتفعة دون أن تكلفهم اداءات جمركية.
ويوضح كيف يتم ذلك فيقول: "إن عملية البيع والشراء تتم داخل المخيم بين اللاجئين أنفسهم دون أي تكلفة تذكر، وذلك لأن من يبيع ويشتري هو اللاجئ نفسه".
ويشير مصدرنا الى وجود نقص في تشريعات وقوانين التجارة في المخيم، وهو ما أدى حسب تعبيره إلى استغلال الظروف الحرجة لهؤلاء اللاجئين الماليين.
حيث يضيف قائلا: "إن المشكلة لا تكمن فقط في حجم استغلال بعض التجار للاجئين على الأراضي الموريتانية وإنما في انتهاز الفرصة واستيعاب هذه الأعداد بطرق لا تخدم الاقتصاد الوطني، كما لا أعتقد
بأنه يوجد لدى الحكومة حتى الآن رؤية واضحة لاستفادة من اللجوء في الاقتصاد".
ومن جهة أخرى خيرت العديد من الأُسر الانسحاب من مخيم أمبرا و الذهاب إلى البوادي المالية وحتى الموريتانية. فالأمر لا يقتصر حسب البعض منهم على نقص المواد الغذائية بل يمتد إلى أبعد من ذلك بما أن الكثير من الأطفال حرموا أيضا من حقهم في الدراسة.
صفية منت حدامين أرملة وأم لسبعة أطفال قدمت إلى مخيم أمبرا من مدينة ليرا المالية القريبة من الحدود بين مالي مع موريتانيا. عبرت لنا محدثتنا عن قلقها الشديد عن مستقبل أبنائها الذين فقدوا والدهم وهم صغار السن، قائلة: " أخشى على مستقبل أطفالي فهم كانوا يدرسون في ليرا لكن مع اللجوء تخلوا عن الدراسة منذ ثلاثة سنوات "، أضافت صفية " من يغادر منا المخيم ليس لأنه يريد المغادرة بل لأنه مقهور ومضطر لذلك فالوضع صعب جدا. نحن نذهب إلى البوادي لنرعى الأغنام ونعيش منها".
من جانبه يقول محمد الأنصاري 46 عاما من مدينة تين بكتو و هو حاليا مدرس اللغة العربية بمخيم أمبرا، " إنه اللجوء الذي يزيد رش الملح على جراح معاناتنا الملتهبة في أرضنا الأم فضلا عن الشتات في معسكرات اللجوء، معاناة عنوانها الأكبر الشقاء ومزيد الإحساس بالغربة والاغتراب واجترار الجراح والتحرق شوقا لمعاودة وصل وطن سلب منا عنوة إلى أجل غير مسمى"
يواصل الأنصاري فيقول : " ثلاثة مواسم من ويلات الضياع والحاجة أيام وشهور وسنوات تطوي و اسطوانة العذاب والألم تجدد نفسها بنفسها، وتشحن قواها من وحي واقعنا المرير، فكما هو متوقع كان كل صيف بوجهة النار القاسي أقرب وأكثر حرصا في التواجد على أرض هذه المخيمات ".
تعبير الأنصاري لا يختلف كثيرا عن تصريح يونس سيسي البالغ من العمر 52 عاما ، القادم من مدينة غاوا المالية التي كانت ضحية الجهاديين لمدة أشهر مطبقين فيها شريعتهم التي يراها سيسي مرة.
ويصرح يونس سيسي "إن واقعنا اليوم ليس مختلفا عن الصور والشهادات التي نسمعها عن الصومال وغيرها من الأماكن المعروفة بمعاناة اللجوء. معاناتنا لن يكتشفها سوى من عاش في هذا الربوع الموحشة التي تستوطنها الحرارة وتطوقها الحاجة ليرى ما يكابده اللاجئ في تلك الخيام الهشة الحارة ببؤسهما".
dune-voices