كينروس في موريتانيا: لعنة منجم تازيازت Joan Tilouine et Xavier Monnier في أوائل الصيف، حصلت لوموند أفريقيا على عدد من الوثائق تدين شركة كينروس في موريتانيا. وهو ما دفع وزارة العدل التحقيق ولجنة الاوراق المالية والبورصات الهيئة المشرفة على البورصة الأمريكية لفتح تحقيق في حق الشركة المنتج الخامس للذهب في العالم، والتي تعمل في منجم تازيازت. لكن الشركة لم تزد على إصدار بيان توضيحي، أكدت أنها ستتعاون بشكل كامل مع السلطات والمحققين وأنها لن تصدر بيانات أخرى، كما كشفت عن فتحها لتحقيق داخلي. لكنّ تحليل هذه الوثائق من قبل فريقنا كشف عن قصة مختلفة. امتيازات كبيرة قدّمتها الشركة لصالح من هم في السلطة. كينروس التي اشترت المنجم سنة 2010 بـ7.1 مليار دولار ورثت الاتفاقيات الخاصة بالمنجم، مثل اتفاقية الجمارك لسنة 2008 والتي حصلت عليها لموند، والتي تلزم الشركة بدفع مبلغ جزافي شهري بقيمة 4200 يورو، وتحدد أسماء موظفين في الدولة يتوليان توفير الحراسة لنقل الذهب. في بداية 2009 تمت زيادة المبلغ بواقع 1120 يورو بالإضافة إلى سيارة جديدة للجمارك ومقر. وفي 2010 وصل المبلغ إلى 9100 يورو يدفعها مديرو تازيازت كل شهر إلى الجمارك الموريتانية. ولا يقتصر الأمر على الجمارك فالدرك بدوره كانت له امتيازاته أيضا، كما تظهر إحدى الوثائق التي جاء فيها: "نظرا لعزلة منجم تازيازت فقد وافقت الشركة على توفير المواد اللازمة لضمان ظروف عمل لائقة للدرك الوطني في المنطقة، بما في ذلك: تلفزيونات ملونة ومكيفات هواء وثلاجات وصيانة المساكن والماء والغذاء، والهواتف المحمولة، والخيام، والديزل، والعلاج وذبائح في المناسبات وصيانة المركبات"، كما تلقى الدرك أيضا مبالغ مالية شهرية وصلت إلى مليون أوقية تعطى مباشرة لقائد الوحدة. بناء على طلب نائب الرئيس التنفيذي للشركة قدمت شركات سوليفان أند كرومويل وهوسكين أند هاركورت للمحاماة تحليلا للعقود التي أبرمتها الشركة، ودعوها بالتزام الحيطة والحذر، وجاء في الرسالة المؤرخة بـ15 سبتمبر 2011 "هناك خطر من أن المدفوعات التي تمت بموجب تلك الاتفاقات ستؤدي إلى تدقيق من السلطات الأمريكية، ليس فقط لأنها دفُعت مباشرة إلى مسئولين حكوميين ولكن أيضا لأن هؤلاء المسؤولين يتصرفون من مواقعهم الرسمية." ومن الواضح أن هذه العقود تدخل تحت طائلة القوانين المناهضة للفساد في الولايات المتحدة وربما تؤدي إلى فتح تحقيق. ولتجنب مثل هذه المزالق، تقدم المستشار القانوني للمجموعة بنصيحة للتخلص من براثن النظام الموريتاني. ففي مذكرة مؤرخة 28 سبتمبر 2011، أوصى المحامون الشركة بدفع ما تدفعه بشيكات في حساب في أحد المصارف الحكومية أو اللجوء إلى الرئيس، الذي كان يقول إن الفساد الرسمي غير محتمل. لكنّ ذلك لم يحدث. بروتوكول جديد بين الدرك وشركة تازيازت، التابعة لكينروس وُقع أيضا يوم 4 يوليو 2012، ويتم فيه سرد الشروط نفسها مع زيادة طفيفة، ليصل إلى 3000 دولار، ووقع من طرف القائد العام للدرك انجاكا جينغ ومدير شركة تازيازت فيل هيكي وماء العينين ولد التومي قريب الرئيس ونائب رئيس الشركة. واصلت الشركة الغوص أكثر في عمق الرمال المتحركة للنظام الموريتاني. حالة من الذعر كانت تسود في أروقة الشركة في صيف سنة 2013 خشية تسرب أي شيء عن عمل لجنة التدقيق بمساعدة مكتب الاستشارات KPMG. فقد انتقد المسئولون السامون في الشركة ما يقوم به مديروا الشركة في موريتانيا وفتحوا تدقيقا داخليا حول اختفاء عشرات الملايين من اليور ولتسليط الضوء على شبكة واسعة من الفساد أُنشأت في موريتانيا، تشمل رجالا مقربين جدا من الرئيس، وبتفاهم مع أعلى المسئولين التنفيذيين في الشركة. "كينروس تشارك في ممارسة واسعة نطاق وممنهجية لرشوة الموظفين العموميين للحصول على كافة الفوائد التجارية المحتملة "، تقول رسالة مؤرخة بـ 12 أغسطس 2013 لم يكشف عن كاتبها. وكمثال على ذلك قضية تأشيرات العمل للعمّال الوافدين التي امتنعت السفارة في واشنطن عن منحها، قامت الشركة بدعوة المدير العام للأمن الجنرال الهادي إلى مكتبها في لاس بالماس حيث جرت مفاوضات في فندق سانتا كاتالينا الفاخر انضم إليها رجل الأعمال الشاب إسماعيل حسنّه، الذي تمتلك عائلته ثروة كبيرة في مجال الصيد ولها عقود مع شركة تازيازت وهو قريب الجنرال الهادي. بناء على طلب من الجنرال الهادى، يرى حسنّه إسماعيل أن يتم مستشار خاص لنائب الرئيس المدير العام مكلّف بالعلاقات الحكومية، تكون مهمته الأولى حل مشكلة طلبات التأشيرات لموظفي كينروس. مفاوضات أخرى في الفندق الإسباني تمخضت عن تأجير عدة مبان عائدة لقائد أركان الدرك الجنرال جينك وتشغيل ابنته. ثم جاء الدور على ابن وزير الإعلام على حصل على وظيفة رغم كونه لا يحمل أي شهادة. بل إن الشركة دفعت رسوم دراسة نجل الرئيس محمد ولد عبد العزيز. عشيرة الرئاسية تسيطر على جميع أنواع النشاط الاقتصادي في البلاد، تطلعت أيضا للاستفادة من شركة الذهب كينروس. مسئول رفيع سابق قال إن عشيرة الرئيس وضعت يدها على المجال السياسي والاقتصادي وبالتأكيد لن يسلم منها أكبر منجم للذهب في البلاد. محامو الدولة الموريتانية، جمال ولد الطالب واريك ديامانتي رفضا الرد على هذه الاتهامات وكذلك شركة كينروس. ويستمر التحقيق في الولايات المتحدة. دليل كينروس في الرمال الموريتانية، هي قبيلة الرئيس والتي بإمكانها إبرام العقود أو إلغاءها وتحديد مسار الاستثمارات، وبذلك يكون إسماعيل حسنّه المورد شبه الحصري لشركة تازيازت في مختلف المجالات مع أخيه وقد حصلت شركته على 30 مليون دولار أمريكي. وقد اتصلت به لموند ورفض التعليق. لكن أسرة حسنّه ليست القناة الوحيدة للاتصال بين المعسكر الرئاسي وشركة كينروس فهناك أيضا مدير الديوان ملعينين ولد التومي المعروف باسم ’رجل عزيز’ داخل الشركة، وقد رفض بدوره مراسلتنا. في نهاية عام 2013، في أعقاب الكشف عن الكثير من المخالفات التي تسببت في التدقيق الداخلي، أزاحت كينروس نائب الرئيس المسؤول عن أفريقيا، السيد هيكي. لكنه استمر في العمل مع الشركة كمستشار مقابل 250 يورو للساعة. وفي نهاية العام 2013 أطلقت الشركة مناقصة دولية تنافس فيها أكبر موردي الخدمات اللوجيستيه في العالم في عقد مدته ثلاث سنوت لتوفير مختلف الخدمات اللوجستيه التي يحتاجها المنجم. المجموعة الألمانية شينكر حصلت على الصفقة بالتحالف مع شركة موريتانية غير معروفة من قبل تدعى موريلوج وذلك على الرغم من أن عرضها كان أغلى بنسبة 12 بالمائة من منافستها، ثم استحوذت موري لوج على الصفقة بعد استحواذها على فرع شركة شينكر في موريتانيا مقابل يورو واحد لتصبح وكيل شينكر الحصري في غرب إفريقيا. ويجمع إلى المجتمع الموريتاني غامض، Maurilog، الذي ثم تظهر على أي سجل الشركات. هذه الشركة المبتدأة في قطاع الخدمات اللوجستية ليس لديها سوى أربعين موظفا. لكن مساهميها معروفون ويتعلق الأمر بوزير الاستثمار السابق محمد عبد الله ولد اياها ورجل الأعمال وهو صديق مقرب للرئيس. على الرغم من هذه الترتيبات، والتنازلات والاكتتاب لصالح عشيرة الرئيس فإن شركة كينروس في موريتانيا تتجه إلى الفشل، الذي يفاقمه انهيار أسعار الذهب. فقد أصبح منجم تازيازت الأغلى من بين المناجم التي تستغلها الشركة في العالم، حسب الشركة التي لم تضع أيضا في الحسبان ما دفعته لأقارب الرئيس. ففي شهر سبتمبر الماضي أقالت الشركة 225 موظفا من أصل 1200 في موريتانيا، وهو ما أثار استياء في أوساط الأحزاب والنقابات. حيث كان يعول على شركة كينروس في خلق 4000 وظيفه وهو ما يشكل خيبة أمل كبيرة تقول إحدى الصحف الكندية. ووصل الأمر إلى أعلى الدوائر في موريتانيا التي أبدت انزعاجها من خيبة شركة كينروس. وخلال عرض النتائج الفصلية 10 نوفمبر الجاري أعادت الشركة الحديث عن توسعة المنجم من أجل امتصاص غضب الموريتانيين، كما قالت إن الخسائر وصلت إلى 28 مليون دولار وهو أقل مما كان متوقعا. إعلان لطمأنة الأسواق المالية، والمساهمين، والتخفيف من غضب العشيرة الرئاسية. في انتظار نتائج التحقيق الأمريكية، والتي يرتبط بها مصير كينروس وحتى مصير السلطة الموريتانية.
ترجمة الصحراء