سنخسر جميعا إن لم نتحاور
- لقد ابتسم الحظ كثيرا للرئيس محمد ولد عبد العزيز، وخاصة في السنوات الأولى التي أعقبت انقلابه على الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله، ولكن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لم يستغل تلك الفترة المواتية التي أعقبت انقلابه الثاني، والتي ابتسم له الحظ فيها كثيرا، من أجل تحقيق انجازات كبرى للشعب الموريتاني كان يمكن لها أن تحمي وتثبت أركان نظامه في أيام العسر والشدة. ولأن الحظ كالدنيا لا يدوم على حال، فسنجد بأن الحظ الذي كان قد بالغ في الابتسام للرئيس محمد ولد عبد العزيز بعد انقلابه سيبالغ أيضا في إظهار الجفاء له خاصة من بعد تنصيبه لمأمورية ثانية، الشيء الذي يعني بأن المأمورية الثانية لن تكون مأمورية مريحة ولا آمنة، لا بالنسبة للرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولا بالنسبة لنظامه الحاكم.
- إن هناك مخاطر وتحديات عديدة ستواجه الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مأمورية الثانية، وإن هناك أسلوبين متاحين لمواجهة تلك المخاطر، وعلى الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يختار أحدهما، كما أنه على المعارضة الموريتانية أن تختار واحدا من أسلوبين نضاليين سيتاحان لها في الفترة القادمة.
- يمكن للرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يتجاهل المخاطر التي تحيط به، ويمكن له أن لا يدعو إلى أي حوار، أو أن يدعو إلى حوارات غير جدية، وفي هذه الحالة فإنه لن يكون أمام المعارضة الموريتانية إلا أن ترفض تلك الدعوات، وأن تعمل في الوقت نفسه على استغلال ما تعيشه البلاد من أزمات في الزيادة من تأزيم الأوضاع، وذلك من أجل خلق ظروف مواتية للإطاحة بنظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن طريق انقلاب عسكري أو عن طريق ثورة أو عن طريق أي أسلوب آخر قد ينهي حكم ولد عبد العزيز.
- هذا الخيار يحمل مخاطر جمة سيتم الحديث عنها في هذا المقال . أما الخيار الثاني المتاح فهو أن يتعامل الرئيس محمد ولد عبد العزيز وبشكل جدي مع المخاطر التي تحيط به، والتي تهدد نظامه وتهدد البلاد بكاملها، وهنا يكون من الواجب عليه أن يدعو إلى حوار جدي وشامل، وأن يثبت بأنه جاد هذه المرة في الحوار، وفي هذه الحالة فإنه سيكون من الواجب على المعارضة الموريتانية أن ترد على الدعوة بشكل إيجابي، فبذلك وحده يمكن للجميع أن يتجنب المسار الأول، والذي لا شك بأنه سيشكل خطرا على الجميع: على الرئيس محمد ولد عبد العزيز ونظامه؛ وعلى المعارضة الموريتانية؛ وعلى الدولة الموريتانية بكاملها؛ وكذلك على الشركاء الأجانب. فعلى كل هؤلاء أن يعلموا بأنهم سيتضررون كثيرا إن لم يتم تنظيم حوار جدي وشامل، وبطبيعة الحال فإن حجم الضرر سيكون متفاوتا ومتباينا.
- فما هو حجم الضرر الذي سيلحق بكل طرف؟
- بالنسبة للرئيس محمد ولد عبد العزيز فإن الفترة القادمة ستكون فترة في غاية الصعوبة إذا لم يتم تنظيم حوار جدي وشامل. سيجد الرئيس محمد ولد عبد العزيز نفسه أمام أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية متفاقمة، ولن يكون بإمكانه أن يتجاوزها دون خسائر كبيرة . هذه الأزمات ستظل تُضعف نظام ولد عبد العزيز إلى أن تسلب منه كل عناصر القوة المتبقية لديه، وعندها سيظهر نظام ولد عبد العزيز ضعيفا وهشا ولا ينتظر لزواله إلا حركة ما تأتي من هنا أو من هناك..هذا الضعف لا يعني بأن سقوط نظام ولد عبد العزيز سيكون غدا أو من بعد عام أو عامين، فقد يعمر هذا النظام، وكثيرا ما تتمكن الأنظمة الضعيفة والهشة من البقاء لسنوات عديدة وهنا تكمن الكارثة.
- أما بالنسبة للأحزاب السياسية المعارضة فإن الفترة القادمة لن تكون سهلة بالنسبة لها، فهذه الفترة لن تكون مواتية من حيث إمكانية حشد الجماهير، فهناك عزوف ملاحظ في هذا المجال، ليس فقط بالنسبة لموريتانيا لوحدها، بل وفي كل دول المنطقة.إن هناك حالة جزر في النضال وفي الحشد الجماهيري أعقبت فترة المد التي شهدتها المنطقة في فترة انطلاقة الربيع العربي حيث كان يكفي في تلك الفترة أن توجه دعوة من أي كائن افتراضي لتجد من بعد ذلك بأن المئات أو الآلاف قد احتشدوا في الميادين.
- يضاف إلى ذلك أن الأحزاب السياسية تعاني اليوم من صعوبة كبيرة في توفير الموارد المالية اللازمة، وهذا الشح في الموارد سيظل في ازدياد، ولكن هذا لا يعني بأن الأحزاب السياسية المعارضة لن تكون لها القدرة في استغلال الأزمات، ولا في تأزيم الأوضاع، بل على العكس من ذلك، فإن هذه الأحزاب قد تنجح كثيرا في تأزيم الأوضاع وفي إضعاف نظام الرئيس محمد ولد العزيز، ستنجح في ذلك، ولكن ذلك لا يعني بأنها لن تعاني هي أيضا من ضعف وهشاشة في المرحلة القادمة، وذلك بفعل أسباب عديدة لا يتسع المقام لبسطها.
- سيظل نظام ولد عبد العزيز يضعف شيئا فشيئا، وستظل الأحزاب السياسية تضعف هي أيضا، ومع ذلك فلن يتوقف الصراع بين الطرفين، ولن يسلم كيان الدولة الموريتانية من هذا الضعف. حالة الضعف هذه التي سيعاني منها النظام والأحزاب والدولة الموريتانية سينتج عنها ظهور تشكيلات غير سياسية على أسس عرقية أو جهوية سيكون لها التأثير الأكبر على المشهد السياسي في الفترة القادمة.
- ستظل الأمور تنتقل من سيء إلى أسوأ إلى أن تصل إلى لحظة الانفجار، ويمكن لهذا الانفجار أن يتخذ عدة أشكال وأنماط لعل من أبرزها:
- 1 ـ انقلاب عسكري: هذا الانقلاب يمكن أن يتخذ واحدا من شكلين: فإما أن يكون الانقلاب من تدبير القيادات العليا في الجيش، وفي هذه الحالة فإن الأمور لن تتغير إلى الأحسن، وسيظل المنقلب الجديد يمن على الموريتانيين بأنه أنقذهم من بطش ولد عبد العزيز، تماما مثلما كان الرئيس ولد عبد العزيز يمن على الموريتانيين بأنه أنقذهم من بطش ولد الطايع، ودون أن ينجز لهم شيئا مذكورا . وسيكتشف الموريتانيون من بعد سنوات من الانقلاب على ولد عبد العزيز بأن نظام ولد عبد العزيز لا يزال يحكمهم، وأنه لا شيء تغير سوى أن انقلابيا جديدا قد حل مكان انقلابي آخر. لقد مر عقد من الزمن على الانقلاب على ولد الطايع ومع ذلك فلا شيء تغير حتى الآن. لقد كانت المعارضة تعتقد بأن كل مشاكل موريتانيا سيتم تجاوزها إن تم إسقاط ولد الطايع ولكن ذلك لم يحدث، وعلى المعارضة أن لا تكرر اليوم نفس الخطأ، وعليها أن لا تعتقد بأن كل مشاكل موريتانيا ستختفي بشكل فوري عندما يتم الانقلاب على ولد عبد العزيز.
- الشكل الثاني الذي يمكن أن يتخذه هذا الانقلاب المنتظر هو أن تتحرك مجموعة من الضباط من الصف الثاني أو الثالث، وهنا فإننا لن نكون أمام انقلاب أبيض، وسيبقى احتمال نجاح هذا الانقلاب أو فشله قائما، وهو إن فشل فإننا سنجد أنفسنا أمام كارثة، وإن نجح فإننا سنجد أنفسنا أمام مجموعة من الضباط لا تزال متعطشة إلى "نصيبها" من الجاه والمال، ولن تقبل بأي حال من الأحوال أن تترك السلطة إلا من بعد أن تقرر مجموعة أخرى من الضباط متعطشة للجاه والمال أن تقود هي بدورها انقلابا جديدا.
- 2 ـ الانفجار القادم يمكن أن يأتي على شكل احتجاجات قوية تتحول فيما بعد إلى ثورة تسقط نظام ولد عبد العزيز، وفي أغلب الأحوال فإن تلك الثورة لن ينتج عنها إلا تفكك الدولة الموريتانية وتحولها إلى دولة فاشلة. إن دولا كانت أقوى وأكثر تماسكا من موريتانيا لم تستطع أن تحافظ على تماسكها وعلى وحدتها من بعد الثورات التي عرفتها، كما هو الحال بالنسبة لمصر وليبيا واليمن وسوريا. لقد كانت تونس هي الدولة الوحيدة التي استطاعت ـ وبشق الأنفس ـ أن تقلل من الانعكاسات السلبية للثورة، ولقد تمكنت تونس من ذلك بفعل وجود جيش يختلف عن جيشنا، وبوجود منظمات ونقابات مستقلة تختلف عن منظماتنا ونقاباتنا التي ترفع راية الاستقلالية، وكذلك بفعل وجود النهضة وزعيمها الذي لم يتأخر في التنازل عن حقوق ومكاسب مشروعة من أجل المصالح العليا لتونس.
- إن الحوار الجاد والشامل سيبقى هو الأسلوب النضالي الأمثل من أجل تحقيق تغيير آمن في هذه البلاد المتعطشة إلى التغيير، ولذلك فعلى المعارضة الموريتانية أن تعمل كل ما في وسعها من أجل إجبار النظام القائم للقبول بمثل هذا الحوار الجدي.
- وعلى المعارضة الموريتانية أن ترد على أي إشارة إيجابية تأتي من النظام بإشارة إيجابية تماثلها، ولا خلاف على أن النظام الحاكم كان قد قدم في الفترة الأخيرة مجموعة من الإشارات الإيجابية (بيان لجنة الحوار؛ مكالمة الوزير الأمين العام للرئاسة؛ تجاهل الموعد الذي تم تحديده في توصيات مشاورات السابع من سبتمبر؛ تأجيل تجديد مجلس الشيوخ..). إن كل هذه الإشارات الإيجابية كان يجب أن تقابل بإشارة إيجابية من طرف المنتدى، وكان على المنتدى أن لا يتأخر في الموافقة على أن يجتمع رئيسه بالوزير الأمين العام لرئاسة، والاستماع منه إلى ما سيقدم من عروض.
- صحيح أن السلطة لم تقدم إلى الآن أي ضمانات ملموسة، ولكنها قدمت مجموعة من الإشارات الإيجابية كان على المنتدى أن يقابلها بإشارة إيجابية، وأن يسمح لرئيسه بالاستماع إلى الوزير الأمين العام للرئاسة، ولا يعني ذلك بأنه على المنتدى أن يتنازل عن ممهداته، ولا عن الرد المكتوب عليها، فالأمر هنا لا يتعدى مجرد إرسال إشارة إيجابية إلى السلطة مقابل مجموعة من الإشارات الإيجابية وضعتها السلطة وعبر البريد المضمون في صندوق بريد المنتدى.
- إن الرد بإشارة إيجابية من طرف المنتدى سيعزز من مكانة جناح السلطة الراغب في الحوار، هذا إذا افترضنا بأن هناك طرفين في السلطة أحدهما متحمس للحوار والثاني يعمل من أجل إفشاله. كما أن تلك الإشارة الإيجابية ستظهر للشعب الموريتاني الطامح في مجموعه إلى الحوار بأن المنتدى متحمس للحوار الجدي والشامل، وبأنه لن يفوت أي فرصة من أجل تذليل الصعاب أمام تنظيم مثل ذلك الحوار الجاد والشامل.
- عذرا على الإطالة..
- حفظ الله موريتانيا..
وكالة كيفه للأنباء - AKI 2015-11-08 11:38:41
|