لا أحد في الساحة السياسية يثير من التساؤلات اليوم كما يفعل زعيم التحالف الشعبي التقدمي، فالرجل الذي تصور الكثيرون قبل فترة قصيرة أنه أحرق جميع مراكب عودته باتجاه رفاقه الألداء في منسقية المعارضة، ها هو اليوم يطرق باب أبرز غريم له داخل المنسقية ليقدم له اعتذارا مباشرا بعد أن أدرك –ربما- أن اعتذاره في البرنامج التلفزيوني شابته بعض العيوب والنواقص.
قد لا يستغرب من يعرف شخصية الرئيس مسعود "غير الحقودة" والمتسمة بدرجة عالية من التواضع، أن يقدم على مثل هذا السلوك، لكن هل تكفي "العوامل الشخصية" وحدها لتفسير سلوك رئيس الجمعية الوطنية والرئيس الفعلي لقطب المعارضة المحاورة؟ وأية مستجدات تلك التي جعلت ولد بلخير ينتقل من خطاب "تمجيد عزيز" إلى محاولة البحث عن إجماع؟
من الضروري هنا أن نتذكر أنه مع وصول الانسداد السياسي مرحلة أفزعت جانبا معتبرا من الرأي العام، برزت إلى السطح مشاريع "مبادرات" بعضها من داخل الأغلبية كتلك التي يتزعمها رئيس حزب عادل وبعضها الآخر من "المنطقة الوسطى" كمبادرة ولد باب أمين، فهل تأتي مبادرة ولد بلخير بديلا عن تلك المبادرات أو عن بعضها؟ وإلا فأين ضاعت كل تلك الإرادات القوية التي كان يعبر عنها "المبادرون" في إيجاد أرضية مشتركة بين الفرقاء السياسيين؟
تقول مصادر موثوقة إن ولد بلخير تعهد لبعض أوساط "المبادرين" بأنه سيتولى الأمر بنفسه على أساس أنه الأجدر بتحقيق نجاح فيه ما دام الطرف المتعنت –من وجهة نظره- هو رفاقه في منسقية المعارضة، وبأنه وعد تلك الأوساط بأنه سينتهز فرصة لقائه التلفزيوني المشهور لتلطيف الأجواء مع رفاقه السابقين تمهيدا لإطلاق مبادرة تأخذ في الحسبان أهم انشغالات الفاعلين. وتضيف مصادر أخرى أن ولد بلخير عقد مؤخرا لقاءات –بصفة غير رسمية- مع أطراف في منسقية المعارضة وكشف لها عن رغبته في التحرك للتخفيف من حالة الاحتقان السائدة، وأنه قد يكون اتفق مع بعضها على الخطوط العريضة لمبادرة سياسية وعلى الطريقة التي يمكن أن تمرر بها.
لكن زعيم التحالف لم يلتزم تماما –أو لم يحالفه الحظ- خلال اللقاء التلفزيوني في تلطيف الأجواء مع زعامات المعارضة بل إن بعض تصريحاته زادت الطين بلة ووسعت الهوة بينه مع أوساط عريضة داخل المنسقية، كما أنه خلال لقاءاته –غير الرسمية- مع أطراف في المنسقية لم يكن لديه تصور واضح عن طبيعة العمل الذي ينوي القيام به وربما لم تكن لديه أوهام كبيرة حول احتمالات نجاحه. فكيف ظهر الرجل فجأة –وفي تكتل القوى الديمقراطية بالذات- وهو يحمل مبادرة متكاملة بالإضافة إلى الكثير من التفاؤل بإمكانية نجاحها؟
على هذا المستوى ليس من المهم معرفة ما إذا كان ولد بلخير يتحرك في إطار المعارضة المحاورة التي ظلت –ويا للمفارقة- ترفض أي حوار جديد، لأن العمل الجماعي ليس أفضل مآثره خصوصا إذا ما تذكرنا أنه صاحب فكرة مبادرة استقالة ولد الشيخ عبد الله وأنه أعلن حينها عن مبادرته من دون الرجوع للجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية التي كان عضوا بارزا فيها. لكن الأهم هو ما إذا كان ولد بلخير يحظى بدعم السلطة في مسعاه الجديد؟ وبأي معنى تتستر السلطة خلف ولد بلخير حين تكون مستعدة لتقديم تنازلات بحجم "حكومة الوحدة الوطنية" التي يجري الحديث عنها؟
من المستبعد أن يغامر مسعود بمبادرة على هذا المستوى من دون أن يكون مستندا على دعم قوي أو على ضوء أخضر من جهة فاعلة، ومن الواضح أن حماسه الجديد ووضوح رؤيته جاءا بعد اللقاء الذي جمعه بممثل الأمين العام للأمم المتحدة سعيد جينيت، فهل يكون هذا الأخير هو الذي شجعه على خوض غمار المبادرة بعد أن كان مترددا في تحمل مسؤولياتها؟ وهل يكون سعيد هو الوسيط الفعلي بين السلطة والمعارضة لعقد صفقة جديدة؟ ومقابل ماذا تعود الأمم المتحدة لتقحم نفسها مجددا في الشأن الموريتاني؟
نعرف حتى الآن أن المنظمة الأممية –بضغط غربي- تستعد للمغامرة بتدخل عسكري في دولة مالي رغم اعتراضات الجزائر وبترحيب من دول غرب إفريقيا واستعراض من موريتانيا لكفاءاتها في ذلك المجال، كما نعرف أن دخول موريتانيا لتلك الحرب –التي قد تكون طويلة ومكلفة- لن يكون ممكنا في ظل الاحتقان الداخلي الراهن، فهل تكون السلطة الموريتانية اشترطت على الأمم المتحدة، مقابل مشاركتها في الحرب القادمة، تأمين "داكار جديد" مع المعارضة؟
ما هو معروف أن المجموعة الدولية التي أشرفت على "داكار1"، قد تبنت في النهاية حلا أقرب ما يكون لمبادرة ولد بلخير التي كانت حينها حلا وسطا بين المطالبة بعودة ولد الشيخ عبد الله وبين موقف "ني سيدي ني عزيز"، فهل يمكن أن يعني ذلك أن ولد بلخير حينها لعب من وراء الجبهة –كما يلعب الآن من وراء المعاهدة- باتفاق مسبق مع المجموعة الدولية؟ وهل يعني ذلك أن مسعود هو رجل المنظومة الدولية في موريتانيا حتى إشعار جديد؟
أقلام